انخفض صافى الاستثمار العام فى دول الأسواق الناشئة إلى مستوى يقل عن 1% من الناتج المحلى الإجمالى للمرة الأولى، مما زاد المخاوف من اتساع الفجوة التمويلية فى البنية التحتية.
وأظهرت بيانات صندوق النقد الدولى أن حصة الناتج القومى التى تنفقها حكومات الدول النامية على الاستثمار فى الأصول، مثل المدارس والمستشفيات والبنية التحتية للنقل والطاقة، انخفضت من 3.3% عام 1997 إلى 0.9% فقط العام الماضى.
وأوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن هذه النسبة أقل بكثير مما يعتقد صندوق النقد الدولى أنه ضرورى لتلبية الاحتياجات الأساسية والسماح للدول بسد الفجوات التمويلية للبنية التحتية التى تبطئ وتيرة التنمية.
وقال باولو ماورو، نائب مدير الشئون المالية فى صندوق النقد الدولى: «يوجد انخفاض سواء نظرت إلى الاستثمار العام بالقيمة الإجمالية أو بالصافى، وهو ما ينبغى تغييره، فالاقتصادات الناشئة تحتاج إلى بناء البنية التحتية أثناء فترة تطورها، ولكنها تواجه بالطبع ضغوطاً تنافسية وهنا تكمن المعضلة».
وأشارت الصحيفة إلى أن مخاوف صندوق النقد الدولى الرئيسية تكمن فى تجاوز إنفاق حكومات اﻷسواق الناشئة على فواتير الأجور والتحويلات المالية للاستثمارات العامة، وهو ما يضاف إلى مخاوف معهد التمويل الدولى الأخيرة التى تدور حول مخاطر تجاوز ارتفاع تكلفة خدمة الدين العام أيضاً للاستثمارات العامة الحيوية، بالنظر إلى اقتراب نسبة الدين الحكومى إلى الناتج المحلى الإجمالى فى الأسواق الناشئة من 50% للمرة الأولى على الإطلاق.
وفى الوقت نفسه، تباطأت النسبة التى تخصصها حكومات الأسواق الناشئة لأجور القطاع العام والاستحقاقات الاجتماعية من الناتج المحلى الإجمالى، حتى فى ظل انخفاض الإنفاق على الاستثمار، فى حين ارتفعت النفقات الأخرى، مثل معونات الغذاء والوقود، بشكل حاد.
وإذا تم تهميش الصين – التى يؤثر نفوذها الاقتصادى الهائل على الاستثمارات العامة – من البيانات الاقتصادية، فإن المتوسط المرجح لبقية العالم الناشئ سيكون 3.9% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما أكد ماورو، أنه أقل بكثير من نسبة %4.8 التى سُجلت مؤخرا عام 2010.
وكان الانخفاض ملحوظاً بشكل خاص فى البرازيل، حيث انخفض صافى الاستثمار العام من 3.9% من الناتج المحلى الإجمالى عام 2010 إلى 1.3% العام الماضى، وفى ماليزيا انخفض من 6.8% إلى 4.4%، فضلاً عن المكسيك التى انخفضت لديها النسبة من 3.1% إلى 1.6%، وروسيا من %5.5 إلى 3.5%، والسعودية من %8.6 إلى 7%، وكذلك فى دول مثل أنجولا والإكوادور وإيران وليبيا.
وتمكنت مجموعة من الدول فقط، بما فى ذلك المجر وإندونيسيا والمغرب والفلبين وقطر والهند، من تغيير هذا الاتجاه.ومع ذلك، لا تزال دول مثل الهند – التى ارتفع لديها صافى الإنفاق الاستثمارى من %3.9 عام 2010 إلى %4.5 العام الماضى – تمتلك مستويات إنفاق أقل مما كانت عليه فى السنوات الأولى من القرن الحالى، كما أنها أقل بكثير مما يعتبره ماورو ضرورياً.
وبالنسبة للهند أو لبلد فى مستوى تطوره، فإن هذا هو الوقت المناسب لاستيعاب الطلب المتوقع على النقل، فكلما زاد ثراء الأفراد ارتفع مستوى إنفاقهم على النقل، وفقاً لما قاله مسئول صندوق النقد الدولى ماورو.
وأشار ماورو إلى احتمالية تحول الكثير من سكان الهند من استخدام الدراجات إلى السيارات خلال السنوات المقبلة.
وتشير حسابات ماورو الشخصية إلى أن الاقتصادات الناشئة تحتاج إلى إنفاق 2.2 تريليون دولار إضافى سنوياً على قطاع النقل وحده حتى عام 2035، أى ما يعادل 2.6% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى سنوياً، ولكن بيانات صندوق النقد الدولى الصادرة حول حجم الفجوة فى البنية التحتية للأسواق الناشئة ليست بهذا السوء، على الأقل بالنسبة للدول الـ72 التى يصنفها الصندوق بأنها «ناشئة» أو «متوسطة الدخل» مقارنة بالدول النامية المنخفضة الدخل.
ويقدر الصندوق أن تلك الدول بحاجة إلى تخصيص، فى المتوسط، 2.1% من الناتج المحلى الإجمالى، أو 1.05 تريليون دولار إضافية، للاستثمار العام بشكل سنوى حتى عام 2030، لتحقيق أداء عالى فيما يخص أهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة.
ومع ذلك، لا يغطى هذا التحليل سوى الفجوات فى البنية التحتية الخاصة بالطرق والكهرباء والمياه والصرف الصحى، وبالتالى فإن الحاجة إلى إنفاق المزيد على الصحة والتعليم لتحقيق أداء عال فى أهداف التنمية سترفع النسبة المراد تخصيصها من الناتج المحلى الإجمالى إلى 4.1% أو 2.06 تريليون دولار.
وتقع الـ49 دولة النامية ذات الدخل المنخفض، التى يتركز معظمها فى أفريقيا والتى تضم أيضا دول مثل فيتنام وبنجلاديش ومولدوفا، فى وضع سيئ للغاية، فالصندوق يقدر أنهم بحاجة إلى استثمار 7.1% إضافية من الناتج المحلى الإجمالى سنوياً حتى عام 2030 على الطرق والكهرباء والماء فقط، ولكن هذه النسبة سترتفع إلى 15.4%، أو 528 مليار دولار سنوياً، فى حال إضافة الصحة والتعليم.
وأوضحت «فاينانشيال تايمز» أن هذا اﻷمر يثير تساؤلات واضحة حول كيفية دفع هذا المبلغ فى كل من الاقتصادات الناشئة وأقرانهم الأكثر فقراً، خاصة أن الموازنة المالية اﻷولية – أى قبل إضافة تكاليف خدمة الدين – للأسواق الناشئة والدول النامية منخفضة الدخل تتجه نحو الانخفاض فى السنوات الأخيرة، فهى تصل بالفعل إلى -2% من الناتج المحلى الإجمالى.
ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة الديون إلى الناتج المحلى الإجمالى فى كل من الأسواق الناشئة والدول النامية منخفضة الدخل بشكل حاد، حتى بعد استقرارها أو انخفاضها بنسبة ضئيلة فى العالم المتقدم.وعلاوة على ذلك، بالنسبة للدول الناشئة غير المصدرة للبترول، يتوقع صندوق النقد الدولى ارتفاع إجمالى العجز المالى إلى أعلى مستوياته منذ عام 2012 على الأقل خلال العام الجارى.
ورغم ذلك، قال ماورو، إن هدف الاستثمار العام كان قابلاً للوصول بالنسبة لدول الأسواق الناشئة على الأقل، فذلك الهدف يتطلب زيادات كبيرة فى الإيرادات، ولكن مع وجود سياسات جيدة هناك أسباب للاعتقاد بإمكانية القيام بذلك.