بقلم: ستيفن جاندال ؛كاتب مقالات رأي لدى بلومبرج يغطي البنوك وأسواق الأسهم
تحول المستثمرون سريعاً من التكهن إذا ما كانت الصين والولايات المتحدة ستتوصلان لاتفاق خالى من التعريفات أو على الأقل واحداً لا يتضمن رفع الرسوم عبر الحدود أكثر إلى قبول فكرة أن التعريفات هى وضع قائم فى الوقت الراهن والسعى وراء استراتيجيات لجعل محافظهم التجارية محصنة ضد التوترات التجارية بقدر الإمكان.
ويبدو إيجاد مكان للاختباء تصرفاً ذكياً، ولكن تراجع السوق لخمسة أيام على التوالى، وبحلول الجمعة الماضية كانت الشركات التى تشكل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» قد فقدت بالفعل حوالى 650 مليار دولار من قيمتها السوقية مجتمعين.
وتبدو البيئة التى دفعت الأسهم الأمريكية إلى مستويات قياسية جديدة مرتبطة بشكل لا ينفصم عن العولمة، وهى بيئة تتسم بارتفاع هوامش الأرباح لمستويات تاريخية، وانخفاض التضخم، وازدياد مصادر الايرادات، وبالتالى فإن خطابات الطرفين «أمريكا والصين» بأن الامور ستسوء قبل أن تتحسن ينبغى أن تفزع المستثمرين.
ومع تصاعد التوترات التجارية خلال العام ونصف العام الماضيين، كان هناك مجموعة من الاقتراحات بشأن المجالات فى السوق التى قد يكون أداءها أفضل من غيرها فى حالة اندلاع حرب تجارية كاملة، فإلى أى مدى أثبتت تلك المجالات مناعتها للتجارة؟ يعد الوقت الحالى مناسباً للنظر إلى بعض أشهر الاستراتيجيات لنرى كيف كان أداؤها.
أسهم الشركات صغيرة رأس المال
لا يوجد شركة آمنة من الركود، وإذا تسببت التعريفات فى واحداً فإن ذلك سيضر أكثر ما يضر الشركات المعتمدة على التصدير، وبالتالى اقترح البعض التحول لأسهم الشركات الأصغر لأنها لا تحصل على أغلب دخلها من المبيعاب بالخارج وبالتالى لن تتضرر بحدة، ومع ذلك، لم يفلح هذا المنطق، ففى العام الماضى، فقد مؤشر «راسل 2000» وهو مؤشر للشركات الصغيرة، حوالى %1، بينما ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز» بنسبة %7.5.
وأثبتت الدراسات، أن معظم تكلفة التعريفات تحملها المستهلكون على عكس ما قاله الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، وهذه الأسعار المرتفعة يمكن أن تخفض الطلب على كل المنتجات وليس فقط التى تباع للأجانب، وعلاوة على ذلك، حتى الشركات التى تبيع منتجاتها فى الولايات المتحدة – مثل بناة المنازل – تحتاج مواد خام، وبالتالى ستتضرر بشدة من التعريفات حتى إذا كانت مبيعاتهم داخل الولايات المتحدة فقط، كما أن الشركات الصغيرة لا يكون لديها أعمال متنوعة.
وربما الأكثر أهمية من ذلك هو أن معظم النمو خلال العقد الماضى والنمو المتوقع خلال العقد القادم يأتى من خارج الولايات المتحدة، وبالتالى فإن الشركات صغيرة رأس المال التى تركز على السوق الأمريكى قد تكون أسوأ مكان يمكن أن تستثمر فيه خلال فترة تباطؤ اقتصادى أو ركود.
قطاع المرافق
من الصعب إيجاد قطاع أكثر عزلة عن التجارة مثل المرافق، فالمستهلكون داخل الولايات المتحدة، ولا يمكن نقل المحطات خارج البلاد، والكهرباء هى منتج اقتصادى أساسى، ومع ذلك، لم تكن محصنة بالقدر الكافى بالنسبة للمستثمرين، وخسرت شركات المرافق فى مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» %2.3 منذ أن غرد ترامب الأسبوع الماضى عن جولة جديدة من التعريفات، وربما تكمن المشكلة فى مستوى تداول أسهم تلك الشركات، فقد كان مضاعف الربحية 18.4 مرة وهو ما يعد أعلى بكثير من السوق الأوسع.
وعلاوة على ذلك، حذر المدير التنفيذى لبنك «جى بى مورجان تشايس آند كو»، جيمى دايمون الأسبوع الجارى من أنه يعتقد أن أسعار الفائدة منخفضة للغاية، وتعد الفائدة العالية العدو الأكبر لشركات المرافق، ورغم أن الجميع يحتاج لإضاءة مصابيحهم، فإن الشركات الصناعية هى التى تستهلك أغلب الطاقة التى تنتجها شركات المرافق، وبالتالى إذا تضررت الشركات الصناعية بحدة من التعريفات، كما يفترض أغلب الاقتصاديون، فسوف تعانى شركات المرافق كذلك.
ستاندرد آند بورز 500
أحد الاسباب التى تقلق المستثمرون من الحرب التجارية هى أنها يصعب تجنبها، ولكن هناك أنباء جيدة، وهى أن أفضل رهان هو الاستثمار فى مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، ويبدو أن السيناريو الذى يتوقعه الجميع هو سيناريو الحالة الأسوأ.
وقال الاستراتيجيون فى بنك «أوف أمريكا كورب» يوم الجمعة الماضية إن الحرب التجارية الكاملة سوف ترسل الأسواق إلى سوق هابطة، ولكن ذلك لا يبدو واقعى، فالحرب التجارية الأمريكية الصينية ليست بهذا الكبر، فنحن نستورد تقريباً بضائع بحوالى 540 مليار دولار من الصين أى أقل من %3 من حجم اقتصادنا؛ وتشير أكبر التقديرات قتامة إلى أن الحرب التجارية الكاملة مع الصين سوف تستقطع %1 من ناتجنا المحلى الإجمالى أو حوالى 200 مليار دولار، وإذا طبقت ذلك على مضاعف الربحية عند حوالى 16.5 مرة، سوف تحصل على خسارة فى السوق قيمتها 3.3 تريليون دولار، والتى سوف تقلص مؤشر «ستاندرد آند بورز 500” بنسبة %15 تقريباً، وهى نسبة لا يستهان بها، ولكن هذا على افتراض أن كل التكاليف ستتحملها الشركات الكبيرة فى المؤشر، وعلى افتراض أن التعريفات ستظل لفترة طويلة للغاية، وهذا غير مرجح، لأن الرئيس القادم سوف يعيد التفكير فى سياسات ترامب التجارية، وإذا تراجع السوق بهذا القدر، على الأرجح سيفكر ترامب نفسه فى سياساته كذلك.
إعداد: رحمة عبد العزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج