المصنعون يكدسون المواد الخام بقدر غير مشهود منذ الحرب العالمية الثانية
يدير طوم ويستلي، واحدا من المسابك الرائدة في أوروبا خارج مدينة كرادلي هيث بالقرب من برمينجهام في انجلترا، وينتج أجزاءً من قوالب دقيقة لصناع السفن والسيارات في القارة.. لكنه يخسر مبيعاته والسبب هو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وكانت إيرادات مجموعة ويستلي حوالي 30 مليون جنيه استرليني في 2018، ويقول طوم ويستلي، إن التصويت لصالح الخروج من بريطانيا كلف الشركة حوالي 2 مليون جنيه استرليني بعدما ألغى مشترون ألمان طلبياتهم.
وبدأ العملاء الأوروبيون جلب احتياجاتهم من خارج بريطانيا، خوفا من أن تواجه الصادرات البريطانية إلى القارة تعريفات وفحوصات جمركية، وهو ما يعني تأخيرات وتكلفة أعلى بمجرد أن تخرج الدولة من الاتحاد.
وقالت مجلة “بيزنس ويك” التابعة لوكالة أنباء “بلومبرج” إن بريطانيا تتضرر حتى قبل انفصال الدولة رسميا عن الاتحاد الأوروبي الذي يستقبل 44% من صادراتها، ويضم نصف مليار عميل. وتنسحب الشركات متعددة الجنسيات عبر القطاعات المختلفة من خامس أكبر اقتصاد في العالم، والذي أصبح خلال العقود الأربعة الماضية بوابة الشركات الأولى إلى أوروبا.
وكلفت ثلاثة أعوام من عدم اليقين السياسي، بريطانيا، 600 مليون جنيه استرليني أسبوعيا، وتقلص الاقتصاد بنسبة 2.4% عما كان ليكون عليه وفقا لتقرير لجولدمان ساكس.
ورفض البرلمان الأوروبي مرارا الاتفاق المقترح من قبل رئيسة الوزراء، تيريزا ماي.
وجاءت المواعيد النهائية وذهبت في مارس وأبريل مع اختيار الاتحاد الأوروبي تسيير الأمور، لتجنب انفصال دون اتفاق وهو ما من شأنه أن يدمر الاقتصاد.
وتم تحديد الموعد النهائي المقبل في 31 أكتوبر.. لكن الاتحاد الأوروبي قد يؤجله مجددا إذا لم تحل بريطانيا جمودها السياسي.
ويقول أستاذ السياسات والشئون الخارجية الأوروبية في كلية كينج، أناند مينون، إن تأجيل الموعد النهائي مجددا سيكون بمثابة كابوس وسيزيد عدم اليقين.
وتسعى ماي، حاليا لكسب تأييد حزب العمل المعارض لاتفاقها في ظل نقص الدعم من حزبها المحافظ، ويتمثل المطلب الأساسي لحزب العمال في بقاء بريطانيا في الاتحاد الجمركي لتجنب التعريفات، ولكن التجارة السلسلة مع بقية الاتحاد ستنتهي وستخضع البضائع البريطانية الذاهبة إلى أوروبا لفحوصات وأعمال ورقية.. والعكس صحيح.
وقال لوراند بارتلز، محام تجاري في شركة “لينك لايترز” في لندن، إن الاتحاد الجمركي دقيق للغاية، وخروج بريطانيا يعني تكدس الطوابير لفحص البضائع.
وقادت الشركات الصناعية الواقعة في بريطانيا، والتي تعتمد على تسليم الأجزاء والمواد إلى مصانعها في أوقات محددة، معارضة الخروج البريطاني، وتخلت صانعة السيارات اليابانية “نيسان موتورز”، عن خططها لبناء موديل جديد في شمال شرق انجلترا خوفا من أن يعيق خروج بريطانيا تدفق المكونات عبر الحدود.. وبالتالي إنهاء السيارات في الوقت المحدد، وتوظف “نيسان” نحو 7000 شخص في مدينة ساندرلاند التي تدعم الخروج البريطاني.
ورفعت الشركات المنافسة “بي إن دبليو”، و”تويوتا موتور كورب” كذلك احتمالات انتقالها خارج الدولة. أما شركة “آير باص” فقد أطلقت التحذير الأكبر، وقالت إنها ستنقل استثماراتها المستقبلية من بريطانيا إذا كان هناك انفصال دون اتفاق من بريطانيا، وتوظف الشركة في ويلز وجنوب غرب انجلترا حوالي 14 ألف شخص بشكل مباشر ، في حين تضيف سلاسل توريداتها 110 آلاف وظيفة إضافية.
وقال المدير العام لغرفة التجارة البريطانية، آدم مارشال، إن عدم اليقين المرتبط بخروج بريطانيا أضر بالثقة بشدة، وأضر بالاستثمار بقدر أكبر، متوقعا مواصلة بريطانيا السير على مسار النمو الضعيف.
ويعد القطاع المالي للدولة هو الضحية الكبيرة الأخرى لخروج بريطانيا، إذ أنفقت بنوك منها “اتش اس بي سي هولدينج”، وبنك اسكتلندا الملكي، مئات الملايين من الجنيهات لتحويط عملياتهم من الخروج، في حين ينقل امثال “دويتشيه” و”سيتي جروب” أصولا بمليارات من الدولة.
وتحولت أسواق العملات والسندات إلى أمستردام، كما ينتقل الأشخاص كذلك، فقد انتقل آلاف العاملين في “جى بي مورجان تشايس آند كو”، و”مورجان ستانلي”، وغيرها من البنوك إلى فرانكفورت وباريس.
كما أن مجموعتي الالكترونيات اليابانية “سوني” و”باناسونيك”، وشركة التأمين “تشاب”، وشركة تحويل الأموال “ترانسفير وايز” ، كانت من بين الشركات التي نقلت مقراتها خارج بريطانيا أو أقامت فروعا أوروبية أخرى، وعلى الأرجح لن يعودوا حتى إذا قررت الدولة عدم مغادرة الاتحاد.
وقال المدير الإداري المؤقت لمعهد المديرين، إدوين مورجان، وهي منظمة تضم 30 ألف مدير شركة وقادة أعمال بارزين، إن الشركات التي خاضت عمليات النقل المزعجة ليس لديها سبب للعودة مجددا، موضحا ان الشركات ترى ذلك كمصدر تشتيت كبير، ويحسبون جيدا اين ينفقون الأموال.
وقادت المواعيد النهائية اللائحة في الأفق دوما، بريطانيا إلى تخزين البضائع والمواد الخام بطريقة غير مشهودة منذ الحرب العالمية الثانية، وامتلأت المخازن عبر الدولة إلى أقصى سعاتها استعدادا للموعد النهائي في مارس، وكدس الشركات الصناعية كل شيء بدءا من حبر الطباعة إلى الأغذية المعلبة.
وتعد اضطرابات الخروج نعمة للبعض، نظرا لاستفادة شركات اللوجستيات ووكلاء الجمارك من الزيادة القوية في الطلب على خدماتهم.
وقال مستشار الجمارك في شمال شرق انجلترا، كيث روب، والذي يساعد الشركات على ملء استمارات التصدير والاستعداد لخروج بريطانيا، إن هاتفه لم يتوقف عن الرنين، وأن مبيعاته ارتفعت بنسبة 40%.
وكذلك يعد المحامون والمستشارون من أكبر المستفيدين، ويجمعون رسوما ثابتة من استمرار ملحمة الخروج.
ويستفيد أيضا، المصدرون البريطانيون، الذين لا يتعاملون مع الارتفاع في تكاليف الواردات، من ضعف الجنيه الاسترليني، وهناك أيضا بعض النقاط الاقتصادية المشرقة، فقد انخفض معدل البطالة إلى ادنى معدل له منذ 1975، وتنمو الأجور أسرع من التضخم، مما يدعم الإنفاق الاستهلاكي والثقة، ولكن يسلط سوق العمالة المنتعش الضوء على ضعف الإنتاجية، وقد يكون له علاقة مباشرة مع الخروج، نظرا لتفضيل الشركات تعيين الموظفين الذين يمكن تسريحهم حال خروج بريطانيا دون اتفاق.
وتخطط ماي، لمواجهة أخرى في يونيو لإعطاء صناع السياسة فرصة أخيرة للتصويت على اتفاقها، وإذا فشلت، فستتصاعد الاضطرابات السياسية مع الحاجة لانتخابات مبكرة وتغيير رئيس الوزراء أو ربما إجراء استفتاء آخر لكسر الجمود السياسي، وقد ينتهي الأمر بمؤيد أشد عنفا للخروج البريطاني في رئاسة الوزراء والذي سيسعى وراء خروج دون اتفاق.