بقلم: محمد العريان، مستشار اقتصادى لمجموعة “أليانز”
يستطيع الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، وضع تكلفة كبيرة طويلة الأجل على ثانى أكبر اقتصاد فى العالم من خلال المزيد من العوائق أمام وصول الصين إلى أسواق الولايات المتحدة، وقد يخاطر خلال هذه العملية بضرر قصير الأجل للاقتصادات المحلية والعالمية، وبالفعل يمكن أن يهدد فرص الصين فى الدخول أخيراً إلى صفوف الدول عالية الدخل.
ولطالما علم القادة الصينيون أن عليهم تغيير نموذج نموهم إذا كانوا ليحققوا هذا الانتقال الصعب، والخروج من فخ الدخل المتوسط الذى وقعت فيه العديد من الدول النامية، وعلى مدار عقدين، اعتمدوا على الأسواق العالمية للحصول على الرياح الخلفية الضرورية بينما قاموا بإصلاحات محلية، ولكن هذا يتغير الآن مع زيادة أمريكا للتعريفات على الواردات الصينية والحد من دخول شركاتهم التكنولوجية إلى الأسواق الأمريكية، كما ان بعض الشركات الأمريكية بدات بالفعل إعادة توجيه سلاسل توريدهم بعيداً عن البر الرئيسى الصينى.
وفى ظل تحول الرياح الخلفية الخارجية إلى رياح معاكسة، سوف تعتمد الصين أكثر على الطلب المحلى لتحقق الازدهار، ولكن فعل ذلك دون ازدياد المخاطر فى النظام المالى سوف يتطلب تشجيع الأسر والشركات على الاستهلاك والاستثمار بقدر أكبر بكثير، بدلاً من الاعتماد على الاستثمار الحكومى الممول من الديون وعلى الشركات الحكومية غير ذات الكفاءة التى ساعدت على دفع محركات النمو المحلية خلال أغلب العقود الأخيرة الماضية.
وهذه المجهودات سوف تفشل إذا لم تتغلب الحكومة على 3 عادات تظهر عندما يزداد عدم الأمان الاقتصادى والأمنى فى الصين.
الأول هو ميل الأسر إلى إدخار المزيد من الأموال كوسيلة لتأمين الذات، وعندما يزداد عدم اليقين بشأن الآفاق الاقتصادية، تتحول الأسر الصينية إلى ادخار المزيد لحماية قدرتهم المستقبلية على الدفع مقابل الخدمات مثل فواتير المستشفيات وتعليم أولادهم والتقاعد.
ويبدو أن نجاح الصين فى تقليل معدلات إدخار الأسر لديها فى السنوات الأخيرة قد تعثر خلال الاثنى عشر شهراً الماضية، وتشير أحدث البيانات الاقتصادية، بما فى ذلك مبيعات التجزئة والناتج الصناعى اللتان كانتا أقل من توقعات أغلب الاقتصاديين، إلى أن المشكلة قد تتفاقم قبل أن تتحسن، وتحتاج الصين للقيام بالمزيد لتوفير آليات آمان أكبر للأسر بما فى ذلك تحسين الرعاية الصحية والتعليم وأنظمة المعاشات حتى ينفقوا بثقة أكبر.
والاتجاه الثانى هو ميل الحكومة إلى اللجوء للمحفزات المالية والنقدية عندما يمر الاقتصاد بفترة من النمو المنخفض، وتشير الدلائل الحديثة إلى أن مثل هذه الإجراءات أقل فاعلية مما كانت عليه، ويتطلب استقرر النمو المزيد من الديون لكل وحدة من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يضيف على المخاطر التى تتراكم فى النظام المالى الصينى، ويجادل معظم اقتصاديى التنمية أنه لتجنب فخ الدخل المتوسط، يتعين على الدول أن تبدأ بجانب المعروض، وتؤمن المزيد من مكاسب الإنتاجية وتنوع قاعدتهم الاقتصادية المحلية.
أما الاتجاه الثالث هو ميل الحكومة للاعتماد على الشركات الحكومية لتعزيز الناتج المحلى الإجمالى، وتشير معظم الأدلة إلى أن كفاءة وإنتاجية هذه الشركات منخفضة وتتراجع، بينما تزداد مساهماتهم فى عبء الديون الصينى وسوء توزيع الموارد، ويتعين على الصين تمكين شركات القطاع الخاص الأكثر كفاءة لتكون مسئولة عن توليد الجزء الأكبر من الوظائف والنمو فى الاقتصاد.
وحتى الآن قاومت الصين نماذج كندا والمكسيك فى إعطاء تنازلات لحكومة ترامب لحل التوترات التجارية وبناء علاقة تجارية أكثر استدامة مع الولايات المتحدة، فإذا لم تستطع مقاومة تلك العادات الثلاث كذلك، فسوف يكون أدائها الاقتصادى المبهر خلال العقود العديدة الماضية، وكذلك آفاقها المستقبلية، فى خطر جدى، وهو ما سيجرئ صناع السياسة الأمريكيين، الذين تقودهم اعتبارات اقتصادية وأمنية، والذى يأملون فى أن تؤدي أفعالهم إلى القضاء على قدرة الصين على تحدى الهيمنة العالمية الأمريكية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”