يستعد اقتصاد تركيا المنهك من الركود، للتعافى بفضل الزيادة المدفوعة سياسياً بداية من الإقراض المصرفى والإنفاق العام.. لكن المحللين يحذرون من أن مواطن الضعف الرئيسية لا تزال دون علاج، وأن النمو من المرجح أن يكون قصير الأجل.
ومن المتوقع على نطاق واسع أن تظهر أرقام النمو المقرر نشرها فى نهاية الشهر الحالى، أن البلاد خرجت من أول انكماش لها خلال عقد من الزمان فى الربع الأول من 2019.
وكان السبب الرئيسى وراء التعافى هو محاولة الرئيس رجب طيب أردوغان، الحد من الألم الاقتصادى فى الفترة التى سبقت الانتخابات المحلية التى عقدت مارس الماضى، من خلال تعزيز الإنفاق الحكومى وزيادة الإقراض من قبل البنوك المملوكة للدولة.
ولكن مع تلاشى التحفيز السياسى، يتوقع المحللون بقاء الركود فى الأشهر المقبلة.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن أردوغان وحكومته، اتخذوا خطوات عاجلة لمحاولة الحد من مخاطر ردود الفعل السلبية للناخبين فى الأشهر الأولى من العام الحالى، وسط تراجع الاقتصاد بسبب انخفاض الليرة بنسبة 30% تقريباً العام الماضي.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أنه تم تشجيع البنوك الحكومية التى قلصت نشاطها العام الماضى فى أعقاب الصدمة الناجمة عن أزمة العملة المثيرة، لزيادة الإقراض بشكل حاد فى الفترة السابقة للانتخابات وواجهوا ضغوطا لخفض أسعار الفائدة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تبنت فيه الحكومة أيضا تدابير تحفيزية بما فى ذلك التخفيضات الضريبية وحوافز التوظيف.
ورغم أن الخطوات فشلت فى منع المعارضة من الانتصار فى أنقرة عاصمة تركيا، وإسطنبول أكبر مدنها، فقد كان لها بعض التأثير الاقتصادي.
وأشارت «فاينانشيال تايمز» إلى أن الارتفاع المتواضع الذى جاء بأفضل من المتوقع فى الإنتاج الصناعى، عزز مبيعات التجزئة وخلق فرص العمل وأجبر العديد من المحللين على مراجعة توقعات النمو .
وأعلن وزير مالية البلاد بيرت البيرق، مؤخرًا، أن الأسوأ كان فى الماضى وأن الضوء بدأ للتو يظهر فى نهاية نفق النمو.
وتوقع المحللان فى «جولدمان ساكس» كليمنز جراف، ومورات أونور، أن أرقام الربع الأول ستظهر توسعا بنسبة %1.3 على أساس فصلى بعد انكماش قدره %2.4 فى الربع السابق.
ومع ذلك، حذر المحللان من أن هذه المفاجأة الإيجابية ليست مستدامة وتوقع حدوث ركود آخر فى النمو.
وقال إنان ديمير، الخبير الاقتصادى فى بنك «نومورا» الياباني: «أعتقد أنه فى الربع الثانى ستزداد حالة عدم اليقين السياسى وتقلب الأسواق المالية مرة أخرى.. وقد يكون ذلك بمثابة نوع من التراجع المزدوج فى النشاط الاقتصادى».
وأكدّ المحللون أن الطريق إلى النمو القوى سيكون صعباً ومؤلماً، وصناع السياسة فى تركيا لديهم مساحة محدودة للمناورة.
وكشفت البيانات أن التضخم ظل عالقًا عند %20 تقريبًا فى الأشهر الأخيرة وهذه مشكلة كبيرة إلى جانب تجدد الضغوط على العملة التى أجبرت البنك المركزى، على الحفاظ على سعر الفائدة القياسى عند ارتفاع %24 وهو الأمر الذى قلص عمليات الاستثمار.
وقال أوجراس أولكو، خبير اقتصادى بمعهد التمويل الدولى، إن ضعف الليرة وارتفاع أسعار الفائدة فى السوق سيؤثر على توقعات النمو على المدى القريب.
وأضاف أن القدرة على التحفيز الحكومى محدودة بالنظر إلى تدهور العجز الحاد فى الميزانية.. الأمر الذى عرَّض سمعة تركيا التى حققت بشق الأنفس، الانضباط المالى خلال فترة حكم أردوغان البالغة 16 عامًا.
وفى الوقت نفسه، اتهمت العديد من المؤسسات العالمية الحكومة بالسعى لدعم العملة من خلال اختراق احتياطيات البنك من العملات الأجنبية.
وذكرت الصحيفة أن هذه الخطوة إلى جانب خطر فرض عقوبات أمريكية وشيكة بالإضافة إلى عدم اليقين السياسى قد أذهلت المستثمرين الأجانب والسكان المحليين على حد سواء حيث فقدت الليرة %12 من قيمتها مقابل الدولار العام الجارى.
وقال أولكو: «من المحتمل أن يكون لأى ضعف إضافى للعملة المحلية تأثير انكماشى على النشاط الاقتصادى من خلال انخفاض أرباح الشركات والتأثير السلبى لليرة الأضعف على معنويات الشركات والمستهلكين.»
وأوضحت سيلفا ديميرالب، أستاذ الاقتصاد فى جامعة «كوك» فى إسطنبول، إن المشكلة الأساسية تكمن فى عبء ديون الشركات الكبيرة فى تركيا وتأثيرها على القطاع المصرفي.
ووعد وزير المالية بوضع خطة لمعالجة الديون المعدومة فى قطاعى الطاقة والبناء المحاصرين وضخ 28 مليار ليرة تركية وهو ما يعادل4.7 مليار دولار فى بنوك الدولة ولكن لم يتم الكشف عن التفاصيل بعد.
وأكدت ديميرالب، على الحاجة إلى التحرك بسرعة لتنظيف الميزانية العمومية مضيفة أن هذه ضرورية لإعادة بناء الثقة فى الأسواق المالية ودفع النمو من جديد.
إن اعتماد تركيا على التمويل الأجنبى يجعلها عرضة بدرجة كبيرة للتحولات فى معنويات المستثمرين حيث تسبب تقلب السوق فى الأسابيع الأخيرة فى تجدد الحديث عن الحاجة إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولى، وهو احتمال كان أردوغان، يستبعده فى الماضى.