بقلم: نير كايسر ؛ كاتب مقالات رأي في بلومبريج ؛ ومؤسس شركة يونيسون أدفيزرز لإدارة الأصول
يهرب المستثمرون القلقون من تصاعد النزاع التجارى بين الولايات المتحدة والصين من الأسواق الناشئة ، ولكن ما يرونه كخطورة قد يتبين أنه ملاذ.
وتراجعت أسهم الأسواق الناشئة منذ أن هدد الرئيس دونالد ترامب بزيادة التعريفات الضريبية على البضائع الصينية فى وقت سابق من الشهر الجارى، وهبط مؤشر الأسواق الناشئة بنسبة %8.2 منذ 5 مايو حتى الاثنين الماضى، مقارنة بتراجع بنسبة %3.6 فقط لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500».
وبالفعل كان المستثمرون قلقين من الأسواق الناشئة، وضخوا أموالاً أكثر بعشر مرات فى صناديق المؤشرات التى تستثمر فى الولايات المتحدة من تلك التى تستثمر فى الأسواق الناشئة، خلال السنوات الخمس الماضية حتى 2018، وفقاً لـ«بلومبرج».
ولا يوجد شك فى أن الأسواق الناشئة كانت خيبة أمل، خلال السنوات الماضية، وكان من المفترض أن تساعد على تنويع محافظ المستثمرين الأمريكيين من خلال الارتفاع عندما تنخفض الأسهم الأمريكية، ولكن الارتباط بين الأسهم الأمريكية وأسهم الأسواق الناشئة ارتفع بشكل كبيرة منذ 1988، والارتباط التتبعى على مدار 10 سنوات بين مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، ومؤشر «إم إس سى آى» للأسواق الناشئة ارتفع إلى %0.74 فى أبريل من %0.41 فى ديسمبر 1997، وعندما يكون الارتباط%1 يعنى ذلك أن المتغيرين يتحركان فى نفس الاتجاه تماماً».
وفشل التنويع فى أكثر وقت احتاجه المستثمرون، وكان هناك ركودان منذ 1988، وتعثرت الأسواق الناشئة مع الولايات المتحدة فى المرتين، وهبط مؤشر «ستاندرد آند بورز» بنسبة %44 من أبريل 2000 إلى سبتمبر 2002، بما فى ذلك توزيعات الأرباح، وانخفض مؤشر الأسواق الناشئة %43، وفى الركود الثانى انخفض مؤشر «ستاندر آند بورز 500» بنسبة %51 من نوفمبر 2007 إلى فبراير 2009، بينما انخفض مؤشر الأسواق الناشئة بنسبة %61.
وتعد الاقتصادات النامية أقل استقراراً من الولايات المتحدة، ولذلك يتوقع المستثمرون عائداً أكبر مقابل تحملهم تقلبات إضافية، ولكن «ستاندر آند بورز 500» تفوق على مؤشر الأسواق الناشئة بنسبة %7.5 سنوياً على مدار السنوات العشر الماضية حتى أبريل، ما قضى على أى عائد إضافى من الأسواق الناشئة خلال العقود الثلاثة الماضية، وقدم المؤشران عائدات حوالى %10.7 سنوياً منذ 1988.
ومع ذلك، توجد أسباب جيدة تبعث على الاعتقاد بأن الأسواق الناشئة سوف تؤدى بشكل أفضل من الولايات المتحدة فى الركود المقبل، خاصة إذا كان سببه تعمق الخلاف التجارى، وبأن العائد الأعلى من الأسواق الناشئة سوف يعود.
وأحد الأسباب هو أن سوق الأسهم الأمريكى معرض بشكل فريد لعكس اتجاهه، وليس فقط لأنه واحد من أغلى أسواق الأسهم فى العالم.
وتهمين شركات التكنولوجيا على سوق الأسهم الأمريكى، وتشكل %21 تقريباً من مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، أى أكثر بـ%50 من القطاع الأكبر التالى، وأينما تتجه شركات التكنولوجيا، يتجه السوق.
ويشكل النزاع التجارى المطول مشكلة لقطاع التكنولوجيا الذى يأتى حوالى %57 من مبيعاته من الخارج، أى أكثر من أى قطاع آخر، وفقاً لوكالة التصنيف الائتمانى «ستاندرد آند بورز»، وبكل المقاييس، تعد أسهم القطاع التكنولوجى هى الأغلى أو ثانى أغلى أسهم فى مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، وهذه المبيعات الخارجية تعد حيوية للحفاظ على التقييمات الشاهقة، وبالتأكيد سوف يؤدى تراجع الإيرادات إلى انخفاض الأرباح، وهو ما سيقلل من قيمة الأسهم.
وتصدر مؤشر «ناسداك» المركب، الذى يتكون أغلبه من شركات التكنولوجيا، الخسائر منذ 5 مايو حتى يوم الاثنين الماضى، متراجعاً بنسبة 5.7% مقارنة بـ3.6% لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، وهذه ليست المرة الأولى، فخلال النزاع التجارى السابق فى نهاية العام الجارى، تراجع مؤشر «ناسداك» بنسبة %23 من أكتوبر وحتى عشية عيد الميلاد، مقارنة بـ19% لـ«ستاندرد آند بورز».
وعلى الجانب الآخر، ليس لدى الأسواق الناشئة، الكثير لتخسره؛ لأنها بالفعل تعرضت لصفعة قوية، ووفقاً لمقياسى المفضل، تعد الأسهم الأمريكية أغلى مرتين من أسهم الأسواق الناشئة، فمضاعف ربحية مؤشر «إم إس سى آى» للأسواق الناشئة هو 14 مرة، وفقاً للأرباح التشغيلية لكل سهم على مدار 10 سنوات، مقارنة بـ29 مرة لمؤشر «ستاندرد آند بورز».
وهى أرقام مختلفة عما واجهها المستثمرون قبيل الركودين السابقين، عندما كانت التقييمات شاهقة حول العالم، وفى عام 2007، كان مضاعف ربحية «ستاندرد آند بورز 500» 29، بينما كان مضاعف مؤشر الأسواق الناشئة 33، وفى عام 1999، كان مضاعف ربحية «ستاندرد آند بورز 500» عند مستوى مذهل عند 48، بينما مضاعف الربحية لمؤشر الأسواق الناشئة لهذه الفترة غير متاح؛ لأن تتبع بيانات الأرباح فى الأسواق الناشئة بدأ فى 1995، لذا من المعقول الافتراض أن أسهم الأسواق الناشئة لم تكن الورقة الرابحة، ولا عجب أنه لم يكن هناك مكان للاختباء خلال الركودين اللاحقين.
وعلاوة على ذلك، تحابى النظرة طويلة الأجل الأسواق الناشئة كذلك؛ حيث تشير كل محركات العائدات المستقبلية على الأسهم «نمو الأرباح، توزيعات الأرباح، والتغير فى التقييمات» إلى عائدات أعلى فى الأسواق الناشئة من الأسهم الأمريكية، وبالفعل توزيعات الأرباح، حالياً، أعلى فى الأسواق الناشئة.
كما أن الدول الناشئة تنمو بنسب أسرع، وهو ما يعنى نمو أرباح أعلى لشركاتها مع الوقت، وأيضاً نظراً إلى أن تقييمات الأسهم فى الأسواق الناشئة أقل بكثير من الولايات المتحدة، فإن لديها مساحة للصعود.
ومع تعمق النزاع التجارى بين الصين والولايات المتحدة لا تندهش إذا كانت الأسواق الناشئة هى الرابح الأكبر.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج