الأسمنت صناعة اعتادت تحقيق الأرباح؛ نظراً إلى امتلاكها مواد خام محلية بنسبة تتخطى %80.
لكن هذه الأوضاع أخذت تتبدل بعد عام 2001، لتواجه الصناعة مجموعة من العقبات تغلبت على بعضها حيناً، وأبرزها أزمة الغاز، ما أجبرها على التحول للعمل بالفحم.
ومع التحول لاستيراد الفحم وتراجع الاعتماد على المواد الخام المحلية، توالت الأزمات. وفاقم الأزمات المتعاقبة على القطاع، انطلاق خطة الإصلاح الاقتصادي، بداية بتحرير أسعار الصرف والطاقة، لتواجه حالياً أزمة حقيقية تتمثل فى زيادة الطاقات الإنتاجية المتاحة مقابل الطلب المحلى والتصدير، ما يُهدد بغلق العديد من المصانع العاملة فى القطاع.
ثمة آراء، أن الاندماجات والاستحواذات هى المخرج الوحيد للأزمة.
وذكرت مؤسسة شُعاع كابيتال فى تقرير حديث لها، أن صناعة الأسمنت اعتادت توفير هوامش أرباح للمستثمرين فيها، لكنها واجهت خلال الفترة الماضية تحديات كبيرة بدأت بتراجع الطلب نسبياً فى 2011، ثم تلتها أزمة الغاز، وهو ما أجبر المصانع على اللجوء إلى مصادر بديلة للطاقة، منها الفحم، والمازوت، والوقود البديل المستخرج من النفايات.
وقدرت شعبة الأسمنت بغرفة صناعة مواد البناء باتحاد الصناعات تكلفة تحويل الخط الواحد من العمل بالغاز إلى الفحم بقيمة تتراوح بين 10 و15 مليون دولار، بخلاف أعباء توفير النقد الأجنبى لاستيراد الفحم، مع ارتفاع تكلفة توفيره بسبب تعويم الجنيه، وارتفاع سعر الفحم عالمياً %200، وكان أحد أقوى الأعباء التى رفعت من تكلفة مكونات الصناعة.
وقالت الغرفة فى دراسة لها، إنه بخلاف ذلك ارتفعت تكلفة الطاقة %40، والطفلة %35، ومع تحرير أسعار الطاقة ارتفعت أسعار النولون، وقطع الغيار المستوردة، والضرائب العقارية على المصانع.
وأوضحت، أنه بعد خفض الدعم عن المحروقات ارتفعت أسعار تلك البدائل، لكن أكثر ما تعانيه الصناعة حالياً هو ارتفاع المعروض منذ مضاعفة شركة أسمنت (العريش) إنتاجها إلى 6.4 مليون طن سنوياً، ودخول مصنعها الجديد فى مُحافظة بنى سويف حيز التشغيل خلال الربع الثانى من العام المالى الحالي، بطاقة إنتاجية 13.3 مليون طن سنوياً.
أضافت أن مصنع بنى سويف بمفرده رفع إجمالى الطاقة الإنتاجية للسوق إلى 83 مليون طن بنهاية 2018 مقابل 70 مليوناً بنهاية العام السابق له، فى حين أن الطلب كان يدور حول 53 مليون طن ما يعنى معدلات تشغيل تصل إلى %64 فقط.
وتوقعت استقرار الإنتاج مع نهاية 2019 عند 82.3 مليون طن، رغم خروج أسمنت طرة صاحبة الإنتاج المُقدر بنحو 3 ملايين طن، فى ظل وجود وافد جديد هو «أسمنت المصريين» بإنتاجية تصل إلى 2.2 مليون طن.
وذكرت أن الكميات المُباعة بشكل عام تراجعت فى الربع الأول من 2019، نحو %6.4، وأوضحت نتائج الأعمال ارتفاع مبيعات 4 شركات فقط من بين 16 شركة، وتراجعت نتائج البقية.
ووفقاً للقوائم المالية لشركات الأسمنت المُدرجة فى البورصة، فإن المبيعات المحلية تراجعت بنسبة %6.6 لتبلغ 12.4 مليون طن، فى حين ارتفعت الصادرات %7 لتسجل 157.93 ألف طن وهى تمثل أقل من %1.3 من إجمالى المبيعات.
وألقت «شعاع» نظرة تحليلية على مجموعة من نتائج أعمال الشركات التى اختارتها، والبداية كانت مع «مصر قنا للأسمنت»، والتى نمت مبيعات مصنعيها فى قنا والمنيا بمعدلات %91 و%10 على الترتيب رغم قربها من مصنع شركة أسمنت العريش فى بنى سويف، وهو ما رفع حصتها السوقية إلى %8.7 مقابل %6 قبلها.
قالت «شعاع»، إن «أسمنت سيناء» حققت %39 نمواً فى المبيعات على أساس سنوى، ورفع ذلك حصتها السوقية إلى %2.6 مقابل %1.7 فى الربع الأول من 2018، لتصبح صاحبة ثانى أقوى أداء بعد مصنع أسمنت العريش فى بنى سويف.
وتراجعت مبيعات شركة العربية للأسمنت %3 على أساس سنوى بعد انخفاض مبيعاتها المحلية %2 والتصديرية %14، فى حين انخفضت مبيعات السويس للأسمنت %16 مدفوعة بتراجع مبيعاتها المحلية %17، إذ إن ارتفاع صادراتها إلى 28.68 ألف طن مقابل 7000 طن فى الربع الأول من 2018، بمُعدل نمو تجاوز %207 ، لم ينجح فى تخفيف أثر حدة تراجع المبيعات المحلية.
وانخفضت مبيعات «مصر بنى سويف»، %20، لتتقلص حصتها السوقية إلى %5.3 مقابل %6.1 فى نهاية مارس 2018، لكنها استطاعات أن تحصل على المركز الرابع بين الشركات الأكثر تصديراً بحصة سوقية %6.9 من جملة صادرات الأسمنت.
قالت «شُعاع»، إن أسعار بيع الشركات تعرضت لضغط كبير فى ظل سوق ملىء بالمنافسة ومعدلات أعلى للمعروض مقابل طلبات المشروعات والأفراد، مما هبط بمتوسط سعر الطن %15 ليصل إلى 828 جنيهاً فى مارس الماضى مقابل 971 جنيهاً فى مارس 2018.. وبالتالى تراجعت إيرادات الشركات المُدرجة فى البورصة بمعدلات تراوحت بين %9 و%35.
وتقلصت هوامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك من %25 فى الربع الأول من 2018 إلى %6 فى الربع الأول من 2019، ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكلفة البضاعة المباعة بجانب تراجع الإيرادات.
أوضحت «شعاع»، أن صافى الأرباح تراجع على أساس سنوى فى معظم الشركات.. وحتى شركة السويس للأسمنت التى ارتفعت أرباحها قبل حقوق الأقلية بنسبة %111 على أساس سنوى لتُسجل 269 مليون جنيه، كان أغلبها من بيع مصنع حلوان للأسمنت الأبيض.. لكن أرباحها التشغيلية تحولت لمجمل خسائر بقيمة 25 مليون جنيه، وهو ما يفسر قرارها بتعليق نشاط مصنع أسمنت بورتلاند طرة.
وقالت إن ما سبق إيضاحه من عوامل سيدشن لحقبة جديدة من الهوامش المتراجعة على خلفية تقلص المبيعات وارتفاع التكلفة، مُشيرة إلى ما عبرت عنه الشركة العربية للأسمنت بأن الزيادة فى أسعار الكهرباء والوقود ستؤثر على عمليات النقل والمواد الخام، ما يضيف من 10 إلى 20 جنيهاً للطن فى التكلفة على المنتجين، وهو ما قد يتم تمريره إلى المستهلك فى ذلك الوقت.
وتوقعت ارتفاع الطلب والهوامش فى الربع الثانى من 2019 بسبب الموسمية، مشيرة إلى عوامل عدة يجب توافرها لضمان تحسن الطلب تتمثل فى خروج مزيد من المنتجين من السوق مثل القومية للأسمنت، وحدوث اندماجات واستحواذات توافق الطلب مع المعروض.
وقالت مصادر فى القطاع، إن متطلبات السوق من الأسمنت لا تتجاوز 56 مليون طن، رغم دخول مصانع جديدة للقطاع كمصنع بنى سويف.
أكدت المصادر، أن الفائض وصل إلى 19 مليون طن خلال 2017، وهو أكبر تحدٍ أمام الشركات، ما دفعها للعمل بطاقات منخفضة، بعد تجاوز عددها 20 شركة، وهو ما أضعف نتائج الأعمال.
وأوضحت أن زيادة أسعار الطاقة، فاقمت أعباء التكلفة على المصانع.
وفى حين كانت تستهدف الشركات تمرير تلك الزيادة إلى المستهلكين، فإنها واجهت زيادة المعروض، ما أجبرها على خفض الأسعار.
أضافت أن المشروعات القومية ساندت القطاع الفترة الأخيرة.. لكن هناك فجوة كبيرة بين الإنتاج والحجم المطلوب، وترتفع نسب نمو قطاع الأسمنت بشكل أكبر من احتياجات السوق بصورة واضحة.
أضافت المصادر، أن الحل الأمثل للقطاع هو التوجه إلى الاندماجات أو الاستحواذات، لا سيما أن خطوة الاندماج لها مميزات عديدة، كتخفيض نسبة التكاليف.. والمنتج واحد، بمواصفات فنية ثابتة فى المصانع المختلفة.
قالت «شُعاع»، إنه من حيث تقييم الأسهم، فإن سهم أسمنت السويس يُعد الأرخص بمُضاعف ربحية عند 6.1 مرة بناء على معدل أرباحه آخر 12 شهراً. ومن المفارقات أنه وفقاً للسعر المستهدف للسهم فإن العائد المتوقع عليه %143، فى حين إنه يبلغ %97 لسهم العربية للأسمنت.
ورغم ذلك نصح المستثمرين بتوخى الحذر من القطاع، لأن أداءه كان أقل من متوسطات السوق منذ بداية العام.
وتوقعت بحوث «فاروس القابضة»، فى تقريرها السنوى، ضعفاً فى أداء شركات قطاع الأسمنت، خلال النصف الأول من العام الحالى، مدفوعاً بكساد السوق، وارتفاع وتيرة المنافسة بين الشركات فى القطاع.
توقعات «فاروس» أشارت إلى ضعف الأداء لاتساع الفجوة بين العرض والطلب، خلال الربعين الأول والثانى من 2019، إذ إن مُتوسط معدلات التشغيل فى المصانع يقترب من %69 خلال 2019، وقد تشهد هوامش الأرباح تقلبات كبيرة، واستقرار الطلب عند المستويات الحالية، بواقع 54 مليون طن.
وأرجعت ذلك إلى تأثير الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار الفائدة التى لا تشجع القطاع العقارى، وسط ضغط افتتاح مصنع «العريش للأسمنت» فى بنى سويف بصورة أكبر على القطاع الذى يُعانى فجوة كبيرة بين العرض والطلب، ومتوسط أسعار متدنياً.
ذكرت المجموعة المالية هيرميس، أن ارتفاع أسعار الطاقة فى سوق مٌشبع بالأساس أضر بهوامش الربحية، وتوقعت توقف النشاط فى عدد من الشركات الفترة المقبلة، ما يفتح المجال لنشاط الاستحواذات.
وتوقعت «بلتون المالية القابضة»، زيادة الفجوة بين العرض والطلب لتصل إلى 31.6 مليون طن خلال العام الحالي، ما سيضغط أكثر على المصانع، حال استمرت الحكومة فى برنامجها لخفض الدعم على المحروقات.
وقالت بحوث أرقام كابيتال، إن المنافسة السعرية العنيفة مُقارنة بحجم طلب ضعيف، ستأخذ طريقها للتأثير على هوامش الربحية لشركات الأسمنت خلال 2019، وتوقعت إغلاق عدد من المصانع حال تراجع أسعار الأسمنت لمستويات أدنى من الحالية.
وأشارت، إلى الفوائض الكبيرة فى الأسواق المنافسة مثل تركيا، وانعدام هوامش الربحية فى التصدير، فضلاً عن انخفاض أسعار بيع الأسمنت.
وتوقعت تراجعاً فى أرباح الشركات، خلال العام الحالى، مع استمرار الحكومة فى برنامج رفع الدعم عن المحروقات، ما سيرفع من تكلفة التشغيل والنقل، والتى زادت بقيمة 55 جنيهاً على الطن، بعد الزيادات الأخيرة فى يونيو 2018.
وتوقعت بحوث نعيم القابضة، انخفاض معدلات التشغيل لدى شركات الأسمنت خلال 2019، إلى %60 فى المتوسط، بافتراض أن مصانع الجيش ستعمل بـ%80 من طاقتها التشغيلية، وأن حجم الفائض فى الطاقات الإنتاجية عن الطلب سيصل إلى 37 مليون طن سنوياً.
وأبقت باكينام الإتربى، محللة قطاع مواد البناء بشركة نعيم لتداول الأوراق المالية، على النظرة غير المتفائلة حول قطاع الأسمنت بعام 2019، ورجحت أن يتأثر أداء شركات الأسمنت وربحيتها سلباً، نتيجة تأثرها بخفض الدعم على الطاقة، بالإضافة إلى التوقعات السائدة باستمرار حدوث فجوة بين العرض والطلب حتى عام 2021 على أن تشهد هوامش الربحية تعافياً تدريجياً بدعم من تحسن معدلات استغلال الطاقة الإنتاجية فى ضوء نمو الاقتصاد وعمليات البناء والمشاريع الاستراتيجية، متوقعة زيادة أسعار الأسمنت بمتوسط %8 سنوياً حتى ديسمبر 2021، وذلك تماشياً مع مستويات التضخم الحالية.
وحددت مى عبدالعزيز، محللة قطاع مواد البناء بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية، شروط تحسن حجم الطلب إلى المبيعات بضرورة حدوث عمليات اندماج واستحواذ بين الشركات العاملة بالسوق، أو خروج مزيد من الشركات مثلما حدث فى حالة الشركة القومية للأسمنت، وبالتالى توافق الطلب مع المعروض.
وحققت شركة مصر بنى سويف للأسمنت صافى ربح بلغ 29.53 مليون جنيه، منذ بداية يناير حتى نهاية مارس الماضى، مقابل 125.9 مليون جنيه أرباح خلال الفترة نفسها من العام الماضى، و33.05 مليون جنيه فى الفترة المقارنة من 2017.
وتراجعت مبيعات الشركة خلال الثلاثة أشهر الماضية لتسجل 435.97 مليون جنيه بنهاية مارس، مقابل 619.08 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من العام الماضى، و349.06 مليون جنيه فى الربع المقارن من 2017.
وترى محللة قطاع مواد البناء بشركة نعيم لتداول الأوراق المالية، أن ضعف مبيعات «مصر بنى سويف» يرجع إلى انخفاض معدلات استغلال الطاقة الإنتاجية للأسمنت على المستوى السنوى، إذ لا تزال المنافسة شديدة وسط فائض المعروض بالسوق، وتضيف أن الانخفاض فى هامش الربح بنسبة %6 جاء نتيجة انخفاض أسعار الأسمنت عن التقديرات.
وأرجعت بحوث فاروس، تراجع أحجام مبيعات الشركة فى الفترة الماضية إلى قرب مصنعها من مصنع القوات المسلحة الجديد فى بنى سويف.
وأوصت نعيم لتداول الأوراق المالية فى تقرير لها بمواصلة الشراء فى سهم مصر بنى سويف للأسمنت وحددت قيمة عادلة له بسعر 37.3 جنيه فى ظل احتمالات ارتفاع السهم بنسبة %84.
وسجلت شركة العربية للأسمت صافى ربح بلغ 5.97 مليون جنيه منذ بداية يناير حتى نهاية مارس الماضى، مقابل 162.01 مليون جنيه أرباحاً خلال الفترة نفسها من العام الماضى، و59.7 مليون جنيه فى الفترة المقارنة من 2017.
وتراجعت مبيعات الشركة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إذ سجلت 827.85 مليون جنيه بنهاية مارس، مقابل 913.93 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من العام الماضى، و686.8 مليون جنيه فى الربع الأول من 2017.