بقلم: محمد العريان، المستشار الاقتصادى لمجموعة “أليانز”، ورئيس كلية “كوينز” بجامعة كامبريدج
سيشير على الأرجح اجتماع السياسة لـ”الاحتياطى الفيدرالى”، الأسبوع الحالى، إلى تحول آخر نحو النهج التطمينى فى السياسة النقدية الأمريكية، رغم أنه لن يكون تحولاً بقدر ما استعدت له الأسواق والاستراتيجيون فى “وول ستريت”، وسيسلط البنك المركزى الضوء على التوازنات السياسية الصعبة وعدم اليقين المتأصل الذى يواجه “الفيدرالى” والبنوك المركزية الأخرى.
وعلى الأرجح سيضع “الفيدرالى” في اجتماعه غداً الأربعاء، مساراً أكثر وضوحاً لخفض أسعار الفائدة مقارنة بما وضحه فى السابق، والسؤال هو:” بأى قدر سيخفضها؟ ومتى ؟ ولماذا؟” وبينما أظهر الاقتصاد الأمريكى بعض العلامات على الهشاشة الأكبر، لم يطل الضعف جميع محركات النمو.. فعلى سبيل المثال، لاتزال البيانات بشأن النشاط الاقتصادى مختلطة مع بعض القراءات القوية، وبينما لم ترتق أحدث بيانات للوظائف لمستوى التوقعات، فإن مستوى خلق الوظائف ونمو الأجور الحقيقي على مدار 3 أشهر لايزال قوياً.
أما التضخم، فلايزال يتراجع عن المستوى المستهدف للبنك المركزى الأمريكى عن 2%، وتتضخم المخاوف بشأن النمو الهش والتضخم المنخفض بسبب ما يحدث عالميا، فالتجارة العالمية تواصل التراجع في وجه الغموض الذي تفرضه الحروب التجارية، وهذه المخاوف تزيد من عدم قدرة القيادة الأوروبية على التحرك تجاه السياسات الداعمة للنمو التي تشتد الحاجة إليها، كما أنها تعقد التحول الاقتصادى والمالى الصعب بالفعل فى الصين.. وكل ذلك يهدد قوة التوازن الذى تحافظ عليها البنوك المركزة بين أسعار الأصول المرتفعة والأسس الاقتصادية الأكثر تعثراً، وهو توازن قد صمد مراراً أمام التقلبات السوقية، ولكنه فعل ذلك من خلال تشجيع المخاطر العالية فى قطاعات بعينها ومن خلال تهديد الاستقرار المالى على المدى المتوسط.
وإذا وضعنا كل ذلك مع بعضه البعض، فسوف نجد بسهولة حجة لخفض الفائدة “خفضا وقائيا” – أى بحوالى 25 نقطة أساس يصاحبها توجيهات مستقبلية تشير إلى المزيد من الخفض المستقبلى ويصاحبها كذلك تأكيد على مرونة السياسة وسرعة الاستجابة، ولكن تتمثل المعضلة التي تواجه “الفيدرالى” فى أن الأسواق بالفعل استعدت لاستجابة سياسية عنيفة تتضمن خفض للفائدة 3 إلى 4 مرات العام الحالى وحده.
وعلاوة على ذلك، ليس من الواضح إذا كان استمرار الاعتماد على السياسة النقدية التطمينية سيفعل الكثير لمعالجة المشكلات الهيكلية التى تضعف النمو والتضخم، وفى نفس الوقت تزداد مخاطر التداعيات غير المقصودة، بما فى ذلك الأضرار الجانبية المالية والاقتصادية والتعرض الاكبر للتدخل السياسى.
وستتمثل نتيجة اجتماع لجنة سياسات السوق المفتوح الأسبوع الحالى فى استعداد البنوك المركزية لخفض الفائدة استكمالا للتحول في الموقف السياسي بداية العام الحالي، ولن يحدث اول خفض للفائدة في اجتماع الأسبوع الحالى، وإنما في الاجتماع المقبل المقرر في 30 إلى 31 يوليو، وسيصل الخفض إلى 25 نقطة أساس كجزء من دورة خفض مفتوحة، او ان “المركزي” سيخفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس لمرة واحدة فقط ولن يتبعها مزيد من التخفيضات.
وستعرض المخططات النقطية (وهي توقعات دورية تصدر من الفيدرالي بشأن توقعات المسئولين فيه عن مسار الفائدة والسياسة النقدية) رغبة الفيدرالي وقدرته على الاستجابة في الوقت المناسب وكما تتطلب التطورات الاقتصادية.
وسيرغب “الفيدرالي” في الحفاظ على خيارات سياسية بقدر ما يستطيع حتى لو كانت هناك بعض المخاطر المتمثلة في إحباط الأسواق التي تضغط للحصول على المزيد من الإشارات التطمينية.
وأخيرا، لن يسمح أيا من ذلك لـ”الفيدرالى” بالتغلب على تناقض هام بين التوقعات العالية بشدة بشأن ما يستطيع عمله، وبين أدواته التي كل ما تستطيع فعله فى أفضل الأحوال هو شراء الوقت للاقتصاد والأسواق.
و”الفيدرالى” ليس البنك المركزي الوحيد الذي يواجه هذه المعضلة، فكل البنوك المركزية ذات الأهمية النظامية تواجه هذا الموقف كذلك، كما اتضح من تعليقات البنك المركزي الياباني والبنك المركزى الأوروبى وبنك الشعب الصينى، ويشعر المصرفيون المركزيون بأن ليس لديهم خيار سوى الاستمرار فى اعتبار أنفسهم في الوقت الحالي كاللاعبون الوحيدين في المدينة، ورغم المخاوف المتزايدة بشأن تحملهم دور ليس دورهم، فسوف يواصلون لعب هذا الدور مع تجاهل كل المخاطر (المتزايدة) المرتبطة به والتي تهدد مصداقيتهم والسلامة الاقتصادية والمالية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز.
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.