ما رأيك في الأشخاص الذين يقيسون التقدم في اقتصاد دولة ما مع سعر الليمون في السوق؟ ليست مزحة ولكن أناقش واقع ساخر عن تجربة رصدتها من خلال متابعتي للتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا، فهم يرون أن سعر الليمون والاقتصاد بينهما علاقة وثيقة للدرجة التي تسمح بتطوير نظرية جديدة في علوم الاقتصاد تثبت أن الليمون والاقتصاد وجهان لعملة واحدة.
لذلك بناء على هذه النظرية الجديدة فمازال أمام الاقتصاد المصري شوطاً كبيراً للتحسن حتى يمكن قياس أدائه بمؤشر “أداء الليمون في السواق الناشئة”.
اسمحوا لي أولاً أن أشرح ما هي قصة الارتفاع في أسعار الليمون.
ارتفع سعر الليمون بجنون خلال الشهر الماضي بسبب قلة المعروض في الأسواق نتيجة التغيرات المناخية وما صاحبها من التذبذب الحاد في درجات الحرارة، وتساقط الثمار، بالإضافة إلى نظام التصويم الذي يتبعه المزارعون، حيث يبدأ التصويم في بداية شهر يوليو لضمان إنتاج ثلاثة مواسم.
وهي ظاهرة تتكرر كل عام في مثل هذا التوقيت، ولكن هذا العام ارتفع سعر الليمون بصورة غير طبيعية مدفوعاً بجشع التجار حتى بلغ سعر الكيلو في بعض الأسواق اعلى من 100 جنيه.
ولكن سرعان ما يتراجع السعر إلى مستوياته الطبيعية خلال وقت قصير. شأنه شأن ما يحدث لباقي الحاصلات الزراعية، ترتفع الأسعار نتيجة لتعدد الوسطاء.
وبمناسبة ما نشره وزير الاستثمار في عهد الإخوان – يحيى حامد – في تقرير باللغة الإنجليزية مدفوع الأجر نشرته مجلة “فورين بولسي”، الأمريكية، بادر عدد المسؤولين وخبراء الاقتصاد بتفنيد التقرير المغلوط.
وكان أفضل رد هو ما أعدته الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري حيث جاء الرد سريعاً، حاسماً، مدعماً بالأرقام والحقائق.
ومن ثم، بادرت بنشر وجهة نظري فيما ورد في التقرير مستنداً إلى عدة مصادر. غير أني صدمت من مستوى الوعي والادراك لدى شريحة من العامة التي تنتهز نشر أخبار عن أداء الاقتصاد المصري، وتنهال بالتعليقات التي تتراوح بين عدد قليل من المناقشات الموضوعية، وبين طائفة من التعليقات المليئة بالعبارات والاتهامات المسيئة.
ومن دواعي السخرية، يبدو واضحاً أن معظم المعلقين ليس لديهم أدنى فكرة عن الموضوع ويفتقرون إلى المعرفة الأساسية حول مفاهيم بسيطة للغاية في الاقتصاد.
وغني عن الإشارة، إنهم يفتقرون إلى أبسط قواعد أدب الاختلاف في الرأي والحوار. على سبيل المثال، كتب أحد المعلقين بأسلوب حازم “كيف تريدني أن أصدق أن الاقتصاد المصري يتحسن في حين أن سعر كيلو الليمون وصل 100 جنيه مصري”.
وكتب آخر “لا أرى أي تقدم في الاقتصاد لأن الحكومة تغض عينها عن سعر الليمون وباقي الخضراوات”.
في الواقع أنا لست مندهشًا من قراءة العديد من هذه التعليقات. ولكن أود أن أقول إن معظم التعليقات تأتي من أشخاص يعانون حقًا من ارتفاع الأسعار في حين أن زيادة الدخل لا تتناسب مع ارتفاع تكلفة المعيشة.
هم لا يهتمون بتحسين المؤشرات الاقتصادية الكلية. كل ما يحتاجونه في نهاية اليوم هو أن يكونوا قادرين على تلبية متطلبات المعيشة الأساسية. في الواقع، أستطيع أن أفهم كيف يشعرون.
لذلك يجب أن تنتهج الحكومة أسلوباً سهلا للوصول إلى هذه الشرائح من المجتمع، وأن تنقل لهم ما يحدث في الاقتصاد بشفافية، وأن تشرح بلغة بسيطة للغاية ما يجري حالياً لمساعدة المواطن العادي على العيش بكرامة.
كذلك يجب على الحكومة بذل المزيد من الجهود لتخفيف حدة الفقر، وإدراج الفقراء والمحتاجين تحت مظلة شبكة الضمان الاجتماعي.
من ناحية أخرى، أولئك الذين يتبعون أفكار جماعة الإخوان المسلمين والمؤيدين والمناهضين للحكومة لمجرد المعارضة، يحتاجون إلى مواجهتهم من خلال ردود قوية وسريعة تدعمها بيانات إحصائية موثوقة وآراء المنظمات الدولية المستقلة، مثل التقارير الصادرة عن وكالات التصنيف الائتماني والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودراسات البحوث الاقتصادية الدولية.
نحن جميعنا نتحمل مسؤولية مكافحة الطاقة السلبية التي ينشرها المعلقون المتحيزون إما لأنهم محبطون بسبب الظروف المعيشية القاسية، أو يدعمون بشكل أعمى الجماعات المناهضة للحكومة. دعونا نتكاتف في هذه الأوقات الصعبة، وتحيا مصر.
بقلم: هاني أبوالفتوح
خبير اقتصادي