بصراحة هناك أمور تحدث فى بلدنا.. تصيبك بالدهشة والإحباط فى الوقت نفسه.. حيث تكتشف أحياناً أن هناك من لا يريد لهذا البلد أن ينهض، والأغرب أن هؤلاء ممن يحكمون ويديرون ويخططون، وهم أيضاً الذين يبيعون الوهم والأحلام الزائفة للمواطنين.. فطموحات الرئيس بشأن تطوير التعليم والصحة وهما أمل كل مواطن أن يجد تعليماً جيداً وخدمة صحية جيدة..
هذه الأحلام تواجه صعوبات من أعداء النجاح داخل منظومة الجهاز الحكومى الذى لم يعرف التخطيط والاستراتيجيات من قبل، فهل يعقل أن مشروع التأمين الصحى الذى يحلم به المصريون وأخرجه الرئيس السيسى للنور مهدد بعدم التنفيذ؟، بسبب كارثة غياب التخطيط الذى نجمت عنه كارثة أكبر وهى نقص عدد الأطباء بنسبة لا تقل عن 62% من حاجة السوق المحلى..
وهذه نسبة كبيرة إذا استمرت فليس أمامنا إلا استيراد أطباء من الخارج لكى يعمل نظام التأمين الصحي، وأين الأطباء المصريين؟!.. للأسف هاجروا خارج البلاد أكثر من 60 ألف طبيب مصرى فى الخارج.. والمدهش أن أكثر من 1200 طبيب تقدموا باستقالاتهم من عملهم بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة منذ عدة أشهر.
فى المقابل تجد اجتماعات دورية للرئيس السيسى مع وزيرة الصحة ووزير المالية لمتابعة مشروع التأمين الصحى ولماذا لم تبدأ المرحلة الأولى منه فى بورسعيد؟ فهل الوزيرة أخبرت الرئيس بكارثة نقص الأطباء اعتقد لا وإلا لتحدث عنها الرئيس فى أى مناسبة..
ولكنى للأسف كما اعتاد كل مسئول ألا يضخم المشاكل أمام الرئيس إذاً ماذا يقولون له عن تنفيذ المشروع إذا كان عدد الأطباء وأطقم التمريض غير كافية فيه وهناك إصرار من الأطباء على الهجرة للخارج هرباً من الفقر فمرتباتهم المتدنية لا تصنع لهم حياة كريمة ولا تضمن له الاستمرار فى تطوير وتأهيل مستواه العلمى والعملى.. بينما يجد ذلك فى دول أخرى عربية وأوروبية تفتح أبوابها للأطباء المصريين وتقدم لهم مرتبات جيدة فها هى ألمانيا فتحت أبوابها للأطباء المصريين ولا تشترط معادلة الشهادات الجامعية.
فبالطبع يهرع إليها أطباء كثيرون.. لأنه سيضمن دخلاً أعلى ومعاملة أفضل وتأهيل وتدريب جيد تصوروا معى كيف لطبيب بلغ من العمر 56 عاماً أن يقرر الهجرة للعمل فى الخارج فى هذه السن فماذا يفعل الأطباء الشبان فى ظل مرتبات لا تسمن ولا تغنى من جوع.. هل انتبهت الدولة لهذا؟ نعم الدولة من خلال وزارتى التعليم العالى والصحة إعداد دراسة عن احتياجات سوق العمل من الأطباء فى 2020/ 2025 فاكتشفوا كارثة نقص الأطباء وأنه يجب إعداد خطة لاسترجاع نحو 60 ألف طبيب مصرى من الخارج لسد العجز الشديد فى الأطباء البشريين..
الغريب أن الدراسة أوصت بزيادة أعداد كليات الطب وزيادة أعداد المقبولين بها ولم تتحدث بشكل تفصيلى عن أسباب هجرة الأطباء وكيفية وقف هذه الكارثة بتحسين مستوى الأجور فالأطباء ليسوا أقل من جهات عالية ذات كادر خاص فى أن تكون مرتباتهم مرتفعة.. ناهيك عن أهمية تحسين ظروف العمل وحماية الأطباء للأسف أن المنظومة كلها فى حاجة إلى نظرة جادة، فنحن نواجه مشكلة ليس فى عدد الأطباء بل فى مستوى جودة الخدمة فهناك تخصصات دقيقة لم تعد موجودة فالأطباء يهربون من التخصصات الدقيقة خوفاً من المسئولية الجنائية الناتجة عن الأخطاء أو أنه لا يتم تأهيل أطباء هذه التخصصات تأهيلاً جيداً..
لذلك فى كل تخصص من التخصصات الدقيقة لا تستطيع أن تحصى عشرة أطباء مشهورين فى تخصص ما فى مصر.. التى كانت مركز التعليم الطبى فى الدول العربية والشرق الأوسط بل دول أوروبية أيضاً.. فهل يعقل أن الشاب خريج كلية الطب أهم كليات القمة والذى ظل يدرس 7 سنوات لا يتجاوز راتبه 2000 جنيه، بينما زميله الذى التحق وبمجموع أقل منه بكليات أخرى يتقاضى أضعاف راتبه.
كان يجب أن نتعلم لماذا تدهور مستوى التعليم وكلنا يقول مرتب المعلم ضعيف.. الآن يهجر الأطباء بلدهم لنفس السبب.. فمن ينتبه وزارة الصحة الآن مضطرة للتعاقد مع أطباء المستشفيات الخاصة بمرتبات كبيرة لسد العجز بمستشفياتها.. فهل نحن بهذه الطريقة مؤهلون لتطبيق الحلم وهو نظام التأمين الصحى الشامل ونفس الأمر فى تطوير التعليم عندما عجزنا عن توفير شبكة اتصالات مضمونة وجيدة للمدارس فمن يلعب بأحلامنا ومن هو الذى يقف ضد طموحات الرئيس.
بقلم: حسين عبدربه
رئيس تحرير جريدة البورصة