عندما بدأت المغازلة بين روسيا وحلفائها الخليجيين، وعلى رأسهم السعودية منذ أكثر من 4 سنوات كان احتمال تدفق مليارات من الدولارات لموسكو فى صورة استثمارات جديدة من المنطقة نقطة جاذبة كبيرة لـ«الكرملين».
ولكن فى الوقت الحالى وبينما يبحث أكبر منتجى البترول ما إذا كان يتعين عليهم تمديد محور التقارب بشأن تمديد صفقة خفض الإنتاج التى ساعدت على دعم أسعار البترول بجميع أنحاء العالم، يبدو أن فيضان الاستثمار أصغر بكثير مما وعدت به الدول الخليجية.
وقال أليكسى بوتيمكين، الرئيس التنفيذى لشركة موسكو للسياسة، وهى مجموعة استشارية تقدم المشورة بشأن مشاريع الأعمال بين روسيا والخليج: «يوجد بعض الإحباط من الجانب الروسى على وجه الخصوص بسبب توقف السعوديين عن عقد بعض الصفقات وهذا يثير تساؤلات بين صانعى القرار فى موسكو فيما يتعلق بالاستثمارات».
وذكرت وكالة أنباء «بلومبرج»، أن المملكة العربية السعودية وجيرانها فى الخليج يبدو وكأنهم يتلقون الرسالة؛ حيث من المتوقع أن يقوموا بضح ما مجموعه 5 مليارات دولار من الاستثمارات فى روسيا العام الحالى.
يأتى ذلك بعد مرور أكثر من عام منذ أن التقى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، عام 2015 ووعد باستثمار 10 مليارات دولار للمساعدة فى توطيد صداقتهما الجديدة.
ولكن كشفت البيانات، أن المملكة قدمت حوالى ربع هذا المبلغ حتى الوقت الحالى.
وعلى الرغم من أن روسيا قد جنت الكثير من المنافع الاقتصادية الأخرى من ارتفاع أسعار البترول والأرباح الجيوسياسية من التوغل فى منطقة الخليج، فمن المرجح أن تكون تصورات العائد الاستثمارى عاملاً فى تفكير روسيا حول تمديد اتفاق خفض الإنتاج فى الاجتماع المقرر عقده خلال وقت مبكر من الشهر المقبل.
وعمل الأمير محمد بن سلمان، ونظيره الشيخ محمد بن زايد، فى أبوظبى على تنويع الأصول الخارجية بعيداً عن ممتلكاتهما الضخمة فى الولايات المتحدة وسط عدم إمكانية التنبؤ بسياسة الرئيس دونالد ترامب، فى المنطقة.
وقال ستيفن هيرتوج، أستاذ مشارك فى كلية «لندن للاقتصاد»، إنه من الواضح أن زعيمى الخليج يتمتعان بعلاقة جيدة مع بوتين، وإنهما حريصان للغاية على تدعيم علاقة مجموعة «أوبك +» على المدى الطويل فى المجال التجارى.
وأضاف «هيرتوج»، أن هناك اتجاهاً عاماً لتنويع الأصول السعودية والإماراتية فى الخارج بعيداً عن الولايات المتحدة؛ حيث أصبح السعوديون أكثر ذكاءً سياسياً مما كانوا عليه فى الماضى.
وأشار المسئولون السعوديون إلى أنهم متفائلون بأن الكرملين سوف يوافق فى النهاية على صفقة خفض الإنتاج، لكن بوتين كان أقل صراحة فى ذلك؛ حيث أشار فى وقت مبكر من الشهر الحالى إلى أن روسيا لا تحتاج لهذا الثمن الباهظ لأسعار البترول الذى تحتاجه السعودية، وأن رئيس شركة «روسنفت» الحكومية أعلن صراحة أنه سيكون من الخطأ تمديد اتفاق خفض الإنتاج.
ومن المتوقع أن يبلغ عجز الموازنة فى المملكة حوالى 6% من الناتج المحلى الإجمالى فى السنوات القليلة المقبلة، مقارنة بالفائض فى روسيا.
وسوف يزداد الأمر سوءاً مع ارتفاع أسعار البترول؛ حيث يبلغ سعر التعادل الذى تحقق عنده روسيا إيرادات من البترول 40 دولاراً للبرميل، بينما تحتاج السعودية إلى 85 دولاراً للبرميل.
وقال محمد السويد، مستشار استثمارى بالرياض، مسئول سابق بوزارة النقل، إنَّ السعوديون أكثر ذكاءً من الناحية السياسية مما كانوا عليه فى السابق، ولن يكون مفاجئاً أن نرى المزيد من الصفقات قادمة فى الوقت الذى يحاولون فيه إبقاء روسيا ضمن اتفاق خفض الإنتاج.
وبالنسبة لروسيا، لم تكن أموال الخليج كافية حتى الآن لتعويض الانخفاض فى رأس المال الأجنبى القادم من الدول الغربية وسط العقوبات الأمريكية.
وكشفت بيانات البنك المركزى، تراجع إجمالى الاستثمار الأجنبى المباشر فى روسيا إلى أدنى مستوى له خلال 10 سنوات عند 8.8 مليار دولار فى العام الماضى.
وأوضحت البيانات، أنه لم تكن دول الخليج من بين أكبر 10 مستثمرين فى روسيا عام 2018 وكانت معظم الصفقات حتى الآن صغيرة نسبياً وخارج قطاع الطاقة الاستراتيجى.
وقال كريس ويفر، شريك رئيسى فى شركة «ماكرو الاستشارية المحدودة» بموسكو، إنَّ إمراء الخليج يستثمرون لأنهم يعتقدون أنهم سيحققون عائداً مقبولاً على المدى الطويل.
وبالإضافة للأموال الواردة من المملكة العربية السعودية إلى روسيا افتتحت شركة «مبادلة» للاستثمار وصندوق أبوظبى السيادى، أواخر العام الماضى مكاتب فى موسكو كثانى سوق ناشئ بعد البرازيل.
وعلى الرغم من أن مبلغ 1.4 مليار دولار الذى قدمته شركة «مبادلة» إلى روسيا على مدى السنوات الست الماضية يمثل قفزة كبيرة بعد الغياب التام للصفقات، فإن التدفق لا يزال مجرد عقبة أمام صندوق الثروة البالغ حجمه 225 مليار دولار.
وبالنسبة لروسيا، فإنَّ التدفقات الجديدة المتواضعة نسبياً هى موضع ترحيب، خاصة بعد أن فشلت موسكو فى التحول نحو الصين، أكبر شريك تجارى للبلاد على الرغم من تعميق الصداقة بين بوتين، ونظيره الصينى شى جين بينغ.
وكشفت بيانات البنك المركزى، تراجع تدفقات الاستثمار من الصين إلى موسكو فى العامين الماضيين.