على مدار سنوات، كانت روسيا أكبر مشترى سيادى فى العالم للذهب، وحتى عندما كانت أسعار الذهب فى الحضيض، واصلت زيادة احتياطياتها منه بلا هوادة، والآن مع ارتفاع الذهب لأعلى مستوى له منذ 2013، يبدو أن استراتيجية روسيا تؤتى ثمارها.
ومن المتعارف عليه أن هيمنة الدولار على دور عملة الاحتياطى العالمى تعود إلى نقص الأصول الآمنة، ومع ذلك، قدمت روسيا مؤخراً مثالاً عن كيف يمكن لاقتصاد كبير الحجم وصاحب خامس أكبر احتياطيات أجنبية فى العالم أن يقلص الأصول الدولارية للحد الأدنى ومع ذلك يظل أدائه جيداً، وحتى الآن لم يحذو حذو روسيا الكثيرون، ولكن شراء الذهب من قبل البنوك المركزية يتزايد.
ومنذ تضررها من العقوبات نتيجة عدوانها على أوكرانيا فى 2014، كان لدى روسيا أسباباً جيدة لإعادة التفكير فى مكونات احتياطياتها الأجنبية، ورغم أن الاتحاد الأوروبى لم يشدد عقوباته على مدار السنوات الخمس الماضية، فقد شددتها الولايات المتحدة، ويدرس الكريملين والبنك المركزى الروسى مخاطر المزيد من القيود غير المتوقعة، والتى تعتمد على السياسات المحلية الأمريكية أكثر مما تقوم به روسيا، وفى الإثنى عشر شهراً منذ نهاية سبتمبر 2017، خفض البنك المركزى الروسى حصة الدولار فى الأصول الدولية إلى النصف بينما رفع حصص اليورو والرنيمبى بحدة.
وتظهر أحدث البيانات الصادرة من البنك المركزى الروسى أن حصة الذهب تتراجع بقدر طفيف رغم أن روسيا أضافت 274 طن مترى من المعدن إلى احتياطياتها فى 2018، ما رفع إجمالى احتياطياتها من الذهب إلى 2113 طن، ولكن هذا يرجع إلى زيادة روسيا لأصولها الأخرى فى الوقت الذى أرادت أن تعزل فيه نفسها عن الضغوط الغربية، ولأن فى تلك الإثنى عشر شهراً، انخفض سعر الذهب بنسبة %7.
وبشكل عام، كان أداء سوق المعدن الأصفر فى أغلب الاوقات يبرر ثقة روسيا الشديدة فيه.
وارتفع سعر الذهب بنسبة %7، ما أضاف قيمة تقدر بحوالى 7 مليارات دولار للاحتياطيات الدولية لروسيا «بافتراض أن المركزى لم يشترى أى ذهب جديد منذ نهاية الربع الأول من 2019»، وإذا استمر الارتفاع فى سعر الذهب، فسوف يشكل الذهب حوالى %20 من الاحتياطيات الروسية التى تقدر بنصف تريليون دولار، وستقترب من حصة الدولار.
ولايزال الدولار بالفعل أكبر عملة احتياطى عالمى، كما أن الذهب والعملات الأخرى لا تحل محله تماماً، ولكن أشار مجلس الذهب العالمى إلى أن هناك اتجاهاً صعودياً فى مشتريات البنوك المركزية من المعدن، وفى الربع الأول من 2019، اشترت البنوك المركزية كمية قياسية من الذهب عند 715.7 طن مترى.
ولدى الصين مشكلاتها الخاصة مع أمريكا ومع الدولار، وبينما لا تستطيع خفض أصولها الدولارية بحسم مثلما فعلت روسيا، فقد انتهجت نهجاً تدريجياً فى خفضها وأظهرت اهتماماً أكبر فى الذهب.
وتجعل أسعار الفائدة الأمريكية المنخفضة، والقدرة الصدامية العالية لحكومة ترامب وشهيتها غير المعقولة للديون، والتوترات الجيوسياسية، الذهب ملاذاً أكثر أمناً من أدوات الدين الحكومية، وبعد بضعة أعوام من الآن، من الممكن أن يكون مكونات الاحتياطيات العالمية للدول شبيهة بروسيا.
وتحرك نظام الرئيس فلاديمير بوتين أولاً للتخلص من الدولار لأن لديه أكبر الأسباب للخوف من الولايات المتحدة، فالحكومة الحالية والحكومات المستقبلية يجب أن تحذر وتتجنب إعطاء المزيد من الدول الحجج والدوافع المشابهة للتخلص من إدمانهم للدولار واتباع النموذج الروسى، ورغم أن الإدارة الاقتصادية الروسية ليست مثيرة للإعجاب للغاية، فإن نهج الدولة تجاه الاحتياطيات الأجنبية يبدو متصبراً أكثر وأكثر مع مرور الوقت.
بقلم: ليونيد بيرشدسكي؛ كاتب مقالات رأي ببلومبرج.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج