أصدر مكتب الموازنة فى الكونجرس، مؤخرا، توقعاته للموازنة الفيدرالية خلال الثلاثين عاما المقبلة، وتتسم الصورة بارتفاع مطرد فى العجوزات.
ويصل حجم اقتراض الحكومة الفيدرالية الآن إلى حوالى %4.2 من الناتج المحلى الإجمالى سنويا، وبحلول 2049، يتوقع المكتب أن يتضاعف إلى %8.7.
وستشكل التخفيضات الضريبية حصة صغيرة للغاية من هذه العجوازت، ويتوقع مكتب الموازنة أن ترتفع ضرائب الدخل الشخصى بحدة كحصة من الناتج الإجمالى المحلى، كما لن ترتفع العجوزات بسبب السخاء الحكومى، بل يتوقع المكتب انخفاض الإنفاق الحكومى بحدة نسبة لحجم الاقتصاد.
وبدلا من ذلك، يعود النمو فى العجوزات إلى شيئين: الأول، من المتوقع ان يزداد الإنفاق الحكومى على الرعاية الصحية، وهذا يعود جزئيا إلى شيخوخة السكان وأيضا إلى ارتفاع تكاليف الأدوية، والثانى، والأكثر أهمية، هو أن مكتب الموازنة يتوقع ارتفاع أسعار الفائدة، مما سيدفع الحكومة للإنفاق أكثر على الفائدة على ديونها، وحاليا تدفع الحكومة %2.4 للاقتراض.
وخلال ثلاثة عقود يتوقع المكتب ارتفاع الفائدة على الديون إلى %4.2، وإذا تحقق ذلك، فإن الحكومة ستدفع أكثر بكثير لخدمة الدين.
ويتوقع مكتب الموازنة، أنه بحلول أربعينيات القرن الحالى، سيستقر العجز الأساسى فى الموازنة – وهو الفرق بين الإنفاق باستثناء الفائدة والإيرادات الضريبية – عند أقل من %4 من الناتج المحلى الإجمالى، ولكن صافى الفائدة سيواصل الارتفاع، وهذا يعود إلى اقتراض الحكومة المزيد والمزيد لتغطية مدفوعات الفائدة.
كما سيرتفع مقدار الديون ما يراكم الفائدة أكثر.
وفى الواقع، تعد هذه التوقعات محافظة للغاية من عدة جوانب، فمكتب الموازنة يفترض أن الحكومة سترفع الضرائب بدلاً من خفضها كما فعلت مراراً.
كما أنه لا يفترض وقوع أى فترات ركود مستقبلية تتطلب زيادات فى مستوى الديون الفيدرالية لأغراض تحفيزية، والأكثر اهمية أنه لا يفترض أى زيادات مستقبلية فى الإنفاق الحكومى على الخدمات ولا أى مخصصات كبيرة لمشروع ما، وإذا تم تمرير مشروع قانون «ميديكير فول آوول» للرعاية الصحية، أو «جرين نيو ديل» للطاقة النظيفة، فإن الدين الفيدرالى المتوقع سيكون أعلى بكثير جدا.
ولكن لماذا سيشكل ذلك مشكلة؟
فإذا قررت الحكومة خفض العجوزات من خلال رفع الضرائب بوتيرة أكبر مما يتوقعها مكتب الموازنة، فستخاطر بإبطاء النمو الاقتصادى، وإذا قررت ترك الديون تنمو، فستضطر للاقتراض أكثر وأكثر لتغطية الفائدة المتزايدة.
وسيتضخم كل من تكاليف الفائدة والديون، وهو ما قد يثير ما يطلق عليه مكتب الموازنة ـ الأزمة المالية – أى فزع لدى المستثمرين من القطاع الخاص بشأن قدرة الحكومة على سداد ديونها، مما يتسبب فى تراجع أسعار السندات ثم إفلاس المؤسسات وأزمات اقتصادية.
وبالتالى، فإن الحكومة لديها أسباب جيدة لعدم ترك دوامة الديون تخرج عن السيطرة، وأسهل الطرق لمنع حدوث ذلك هو خفض الحكومة الفيدرالية لأسعار الفائدة إلى صفر وتركها كذلك، ومع استبدال الحكومة ديونها القديمة مرتفعة الفائدة بالجديدة منخفضة الفائدة، ستنخفض مدفوعات الفائدة السنوية حتى تصل إلى لا شيء على الإطلاق، وهذا من شأنه ضبط العجز وأيضا فتح المجال المالى لمبادرات الإنفاق الكبيرة الجديدة على قضايا مثل التغير المناخي.
ويعرف هذا الوضع بالهيمنة المالية، إذ تحافظ البنوك المركزية على الفائدة عند صفر أو بالقرب منها لكى تظل الحكومة ذات ملاءة مالية، وظلت اليابان على سبيل المثال، فى هذا الوضع لسنوات.
ويجادل البعض بأن أسعار الفائدة فى اليابان منخفضة لأسباب طبيعية، مثل تراجع عدد السكان والنمو البطيء فى الإنتاجية، ولكن نوايا البنك المركزى اليابانى الدورية لرفع أسعار الفائدة عادة ما تتبدد بسبب الديون العامة الهائلة للدولة، وحتى إذا أراد «المركزى» ذلك، فلن يتمكن من رفعها كثيراً دون أن يواجه تهديد الإفلاس الحكومى.
ويعتقد معظم الاقتصاديين أن هذا ليس الجزء الأكبر من المشكلة، فالتضخم هو السبب الرئيسى لرفع أسعار الفائدة، واليابان لا تعانى من مستوى تضخم مرتفع، ولكن هناك أقاويل بأن الفترات الطويلة من اسعار الفائدة الصفرية لها تداعيات سلبية لا تظهر فى النماذج الاقتصادية التقليدية.
ولكن الولايات المتحدة قد لا تكون مثل اليابان.
فالمستثمرون قد يتركون الدولة بحثا عن عائدات أعلى إذا ظلت الفائدة منخفضة للغاية، كما أن عدد السكان متوقع له أن ينمو ولا يتقلص، والولايات المتحدة يمكن أن تجعل أسعار الفائدة عند الصفر للأبد دون الإضرار بمعدل التضخم.
مع ذلك، لا ينبغى أن تمضى الولايات المتحدة قدما بثقة فى نموذج الهيمنة المالية لمجرد أن اليابان لم تنهار بعد.
وتوخيا للحذر، هناك تدابير أخرى لكبح العجز فى الموازنة مثل خفض التكاليف المفرطة لبرامج الرعاية الصحية وإلغاء التخفيضات الضريبية الحديثة، ولكن إذا تبين أن هذه المجهودات مستحيلة سياسيا، فاستعدوا لأسعار الفائدة الصفرية الدائمة.
بقلم: نواه سميث ؛ كاتب مقالات رأي لدى بلومبرج ؛ وأستاذ التمويل المساعد في جامعة ستوني بروك سابقا.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج