على مدار السنوات الست الماضية، حولت شركة «إيرباص» قاعدة جوية أمريكية سابقة مترامية الأطراف فى مدينة موبيل، بولاية ألاباما الأمريكية، إلى مركز صناعى للمساعدة فى تحقيق طموحاتها على الجانب الآخر من المحيط الأطلسى.
واستخدمت «إيرباص» عملاق الطيران فى أوروبا، مجال الفضاء لتطوير بصمتها فى الولايات المتحدة التى تعد موطن منافسها الرئيسى شركة «بوينغ» الأمريكية.
ولكن بحلول نهاية العام الحالى لن تتباهى شركة «إيرباص» بخطوط التجميع فى الولايات المتحدة، إذ أصبحت مدينة موبيل، نقطة التقاء نزاع دام 15 عاماً فى منظمة التجارة العالمية، بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى بشأن الإعانات التى قدمها الجانبان إلى «بوينغ» و«إيرباص» لتطوير طائراتهما.
وفى أكبر نزاع تجارى فى العالم، هدد كلا الطرفين، بالتعريفة الجمركية التى تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات على مجموعة متنوعة من البضائع من الطائرات ومكوناتها إلى الكاتشب والجرارات والجبن والويسكى.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن تصاعد النزاع فى الوقت الحالى يهدد العلاقة بين أكبر القوى الاقتصادية العالمية، وخصوصاً بعد أن اقترحت الولايات المتحدة فرض تعريفات على قائمة إضافية من البضائع الأوروبية تبلغ قيمتها 4 مليارات دولار إلى جانب الاقتراح الأصلى فى أبريل الماضى لاستهداف سلع بقيمة 21 مليار دولار.
ورغم أن الحجم النهائى للتعريفة الجمركية من غير المرجح أن يكون بنفس الحجم الذى يطالب به أى من الجانبين وفقاً لخبراء التقاضى، فإنَّ المخاوف تتزايد بشأن الضرر المحتمل للعلاقات التجارية قبل قرار منظمة التجارة العالمية، المحتمل بشأن الغرامات التى يمكن أن تفرضها الولايات المتحدة الصيف الحالى.
وحذر الرئيس التنفيذى لمجموعة «رولز رويس»، وارين إيست، وهى الشركة التى تعمل محركاتها على طائرات «إيرباص» و«بوينغ» من أن التوترات التجارية مصدر قلق كبير.
وقال إيست، لصحيفة فاينانشيال تايمز فى معرض باريس الجوى فى يونيو الماضى، إن سوق الطيران العالمى سوق صغير من حيث عدد اللاعبين، ولذلك يحتاج الناس إلى جميع اللاعبين ليتمكنوا من الاستمرار فى التداول بطريقة خالية من الاحتكاك نسبياً.
وأوضحت بيانات الصناعة، أن ثمة حاجة ماسة لتسوية تفاوضية لتحديد ما هو مسموح به فى الدعم الحكومى للفضاء الجوى.
وأشار بول إيفريت، الرئيس التنفيذى للهيئة البريطانية لصناعات الطيران والفضاء، إلى أن تصاعد النزاع وتوسعه ليشمل قطاعات أخرى لا يساعد الاقتصاد العالمى، مضيفاً أنه لا أحد سيفوز من هذه الحرب.
وفى إشارة إلى البضائع الإضافية التى استهدفتها الولايات المتحدة، أعلنت «إيرباص»، أن هذه الخطوة تضيف المزيد من التوترات التجارية وحذرت من أنها لا تخلق بيئة صحية للعمل من أجل التوصل إلى حل تفاوضى.
ومن جانبها، قالت شركة «بوينغ» الأمريكية: «لسوء الحظ، نحن على مشارف تطبيق التعريفات الجمركية؛ لأن إيرباص والاتحاد الأوروبى تجاهلا التزاماتهما تجاه منظمة التجارة العالمية، لمدة 15 عاماً».
وبالنسبة للعمال فى مصنع إيرباص بمدينة موبايل، والموردين، فإن المخاطر كبيرة، إذ يستورد المصنع الأجنحة والأجسام الطائرة وغيرها من الهياكل اللازمة.
وهذه المكونات الفضائية كلها مدرجة فى قائمة السلع الأمريكية المقترحة للتعريفات.
وفى جلسة عقدت فى مايو الماضى عقدها الممثل التجارى الأمريكى، حول التعريفات المقترحة قالت «بوينغ»، إنه ينبغى على واشنطن أن تركز على منتجات وتجميعات شركة «إيرباص»؛ بسبب عدم الامتثال لاتفاقية منظمة التجارة العالمية.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أن هذا النزاع سيتسبب فى نشوب معركة حول الوظائف وخصوصاً بعد أن رحب الساسة المحليون باستثمارات «إيرباص» التى تزيد قيمتها على 600 مليون دولار فى الولاية الأمريكية الجنوبية.
وقال عمدة مدينة موبايل، ساندى ستيمبسون، أثناء تقديم الأدلة فى الجلسة نفسها، إن «إيرباص» كانت ركيزة نجاحنا فى بناء نظام بيئى لصناعة الطائرات. وأضاف: «هؤلاء هم العمال الذين يصنعون المنتجات الأمريكية ويدفعون الضرائب ويرعون العائلات الأمريكية».
ورغم أن شركة «بوينج» لا تقوم بتجميع الطائرات فى أوروبا، فإنها تمتلك قاعدة عملاء رئيسية بين شركات الطيران بما فى ذلك «ريان إير» و”لوفتهانزا».
وأعلن الاتحاد الأوروبى، فى أبريل الماضى، أنه يسعى للحصول على تعريفات عقابية على صادرات الولايات المتحدة بقيمة 12 مليار دولار.
وتعود المعركة بين الشركتين إلى عام 2004 عندما أثارت الولايات المتحدة فى البداية المخاوف مع منظمة التجارة العالمية.
واتبع الاتحاد الأوروبى الأسلوب نفسه، ورفع دعوى مضادة زعم فيها تقديم مساعدة حكومية غير شرعية لشركة «بوينج».
وقال محللو الطيران، إنه من الصعب تحديد الأثر الدقيق لأى تعريفة جمركية على الصناعة؛ حيث لم يتضح بعد مستوى هبوطها.
وأوضح روبرت ستالارد، المحلل فى شركة «فيرتكال» الاستشارية، أن المصطلحات غامضة للغاية ومن الصعب وضع رقم بشأن التأثير المحتمل.
وأضاف أنه من المرجح أن يتم نقل أى تكاليف إلى الموردين وعملاء شركات الطيران.. لكن فى نهاية المطاف سيتم نقل أى رسوم أعلى إلى المستهلك. ويحذر أصحاب المصلحة الآخرون فى الصناعة، من أن تصعيد الحرب التجارية سيكون ضاراً للجميع، ويضر بسلاسل التوريد العالمية.
وذكرت «فاينانشيال تايمز»، أن الحرب التجارية ستعنى ارتفاع التكاليف، وتوفير خيارات أقل وتنافساً أقل من كلا الجانبين.. وفى النهاية سيتعين على المستهلكين دفع ثمنها.