تتهاوى التجارة العالمية بعد نموها بقوة فى السنوات السابقة للأزمة المالية العالمية، ولم يتغير إجمالى تداول البضائع منذ ذلك الحين تقريبا، ولكن منذ أبريل الماضى لم يتجاوز التبادل التجارى مستوياته فى 2010.
وشهدت نهاية 2018، وبداية 2019 اتجاهًا هبوطيًا فى أرقام التجارة ربما بسبب حرب الرئيس دونالد ترامب التجارية ضد الصين أو نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمى.
وفى الوقت نفسه، تراجعت 9 من أصل 10 مؤشرات تابعة لوكالة أنباء «بلومبرج» تتبع التجارة، عن متوسطاتها على المدى البعيد.
وحتى الآن، فإن التباطؤ فى التجارة العام الحالى كان معقولا، بل فى الواقع طفيفا للغاية مقارنة بالتراجع أواخر 2014 و2015.
وهذا الحظ قد لا يستمر، ويتوقع البعض أن التراجع الأكبر ينتظرنا فى المستقبل القريب وفقا لمؤشرات مثل التراجع فى سعر سهم شركة «فيديكس كورب».
وعادة ما يشير الهبوط فى سعر سهم شركة شحن عالمية إلى تباطؤ فى التجارة العالمية، ولكن تراجع «فيديكس» هذه المرة ربما يعود إلى أخطاء من قبل الشركة وليس لتحركات فى الاقتصاد الأوسع.
فلماذا إذاً كان للحرب التجارية تأثير طفيف على التجارة؟
أحد الأسباب قد يكون أن تأثير التعريفات، عوضته التغيرات فى أسعار الصرف، والآخر هو أن تعريفات ترامب على الصين تفعل القليل لهز جوهر هيكل سلاسل التوريد العالمية.
تراجعت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين والعكس.. ولكن هذا لا يعنى أن إنتاج هذه البضائع تحول إلى الدول التى تستهلك فيها هذه السلع.
فعلى سبيل المثال، الشركات متعددة الجنسيات ربما تنقل إنتاجها خارج الصين، ولكنها مجرد ستنقلها إلى دول أخرى مثل فيتنام أو ماليزيا أو تايوان أو أى مكان خارج شرق آسيا. وبالفعل ترتفع واردات الولايات المتحدة من فيتنام وكوريا الجنوبية والهند بقوة، وعلاوة على ذلك، قد تشحن الشركات الصينية ببساطة منتجاتها إلى فيتنام ثم تعيد تصديرها للولايات المتحدة أو أى وجهة نهائية أخرى تجنبا للتعريفات.
ولكن هناك سلاح جديد فى الحرب التجارية سيصبح شائعا وهو القيود على الصادرات، وقد تجعل القوانين التى تحظر تصدير منتجات معينة عالية الجودة، سلاسل التوريد العالمية أمام استراتيجية أقل جدوى.
وعلى سبيل المثال، فإن سلاسل توريد منتج معقد مثل الهواتف الذكية تتضمن مكونات عالية التكنولوجيا وباهظة الثمن فى دولة متقدمة مثل أمريكا أو اليابان، ثم تشحن هذه الأجزاء إلى مجمع أقل تكلفة مثل الصين أو فيتنام، وقد يكتب على المنتج انه صنع فى الصين أو فيتنام، ولكن جزءا كبيرا من القيمة يصنع فى دولة غنية، وبالتالى فإن أى قيود على التصدير ستضر بهذه الممارسة.
وحديثا، كان أبرز مثال على قيود التصدير هو وضع أمريكا للشركات الصينية «هواوى تكنولوجيز» و«زد تى إى كورب» فى القائمة السوداء، وهذا الحظر قد يعوق عمالقة الأجهزة المحمولة فى الصين والذين يعتمدون على التكنولوجيا الأمريكية.
كما ستتضرر الشركات الأمريكية من خلال حرمانها من مصدر إيراد، وهناك علامة أخرى تنذر بالشؤم أيضا، وهى قرار اليابان الأخير بحظر تصدير كيماويات صناعية معينة لكوريا الجنوبية.
وتعد كوريا الجنوبية، أكبر منتج فى العالم لكروت الذاكرة، وهى صناعة تقاتلت عليها الدول المتقدمة، فأولا سلبت اليابان الصدارة من الولايات المتحدة فى الثمانينيات ولكن فى التسعينيات أخذت الشركات الكورية الجنوبية نصيب الأسد وانخفضت حصة اليابان بحدة، ومع ذلك، لا يزال صناع الرقاقات فى كوريا الجنوبية ومنها «سامسونج» و«إس كيه هينكس» تعتمد على كيماويات صناعية معينة تنتج فى اليابان.
ومؤخرا، كشف رئيس الوزراء، شينزو آبى، عن سياسة ستجعل من الصعب بيع هذه الكيماويات إلى كوريا الجنوبية.
ويشك كثيرون فى أن هذه الخطوة، التى تحظى بدعم واسع بين الشعب اليابانى، رد انتقامى على خلاف دبلوماسى، ولكن من الممكن أن القادة اليابانيين يشعرون بالإنزعاج من أن منافسة كوريا الجنوبية قضت على واحد من أهم صناعاتهم الرئيسية ويريدون استعادتها.
وبعد أن رأى قادة اليابان الضرر الذى تسبب به الحظر الأمريكى فى «هواوي» و«زد تى إيه» ربما قرروا أن نفس التكنيك هو أداة فعالة فى السياسة الصناعية، والأسوا من ذلك أن شينزو آبى يفكر فى إزالة كوريا الجنوبية من قائمة الأسواق التصديرية الموثوقة، وهو ما يهدد بالتأثير على مجموعة أوسع من سلاسل التوريد.
وإن حدث ذلك، فسيكون تطورا مزعجا لأن اليابان كانت واحدة من أكبر المؤيدين للتجارة الحرة فى السنوات الأخيرة الماضية، وقد تحذو الدول الأوروبية حذو بكين.
فالاتحاد الأوروبى بالفعل كان يشدد نظام القيود على الصادرات للمنتجات التى يطلق عليها مزدوجة الاستخدام مثل التكنولوجيا النووية والمعدات الكيميائية والإلكترونيات عالية التكنولوجية.
وتفشى استخدام القيود التصديرية فى العالم ستكون له تداعيات أكبر بكثير على هيكل التجارة العالمية من تعريفات ترامب.
وعدم ضبط هذا الاتجاه قد يدفع البلدان للتخلى عن سلاسل التوريد العالمية الخاصة بالتكنولوجيا العالية، وهو ما سيوجد عالما تصنع فيه كل دولة تكنولوجيتها الخاصة من البداية للنهاية، مما سيجعل المنتجات باهظة الثمن، ويجعل الدول تلجأ للقوة العسكرية لحل النزاعات، وبالتالى يتعين على المراقبين متابعة انتشار القيود على التصدير، عن كثب.
بقلم: نواه سميث ؛ كاتب مقالات رأي لدى بلومبرج.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج