يشعر فيكرام ميسري، سفير الهند إلى بكين بالهوس بشأن رقمين من البيانات، الأول يظهر ارتفاع الاستثمارات الصينية في الشركات الهندية الجديدة تسعة أضعاف في الفترة بين 2016 و2018، من حوالي 600 مليون دولار إلى 5.5 مليار دولار.
والرقم الثاني يظهر أنه رغم ارتفاع حجم التجارة بين العملاقين الآسيويين وقد تصل إلى100 مليار دولار العام الحالي، فإن العجز التجاري للهند مع جارتها يصل الآن إلى 53 مليار دولار.
وقال السفير إن هذا العجز غير مستدام، مطالبا السلطات بالتحرك قبل أن تصبح القضية حساسة سياسيا.
وعلى سبيل المثال، تنتج الهند 20% من المعروض العالمي من الأدوية المكافئة (وهي أدوية تكافئ منتجا دوائيا ذا علامة تجارية من حيث الشكل الدوائي وشدته ونوعيته وخصائصه واستخدامه، وغالبا ما يتم تسويقه باسمه الكيميائي أو بتركيبته الكيمائية بدلا من الاسم التجاري المعلن).
وتشتري الصين أدوية مكافئة من الهند بقيمة 200 مليون دولار فقط، في حين يقول السفير إن مزيدا من الأدوية المكافئة يتم تهريبها إلى داخل الصين.
وكانت الهند متحصنة نسبيا ضد الأضرار الجانبية التي لحقت بدول أخرى – من أستراليا إلى اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة – نتيجة الصراعات بين الصين وأمريكا على الهيمنة الجيوسياسية، ولكن هذا الحظ الجيد لا يعود إلى المهارة الدبلوماسية ولا إلى أي قوة اقتصادية، وإنما يعكس نقص التنافسية العالمية للهند، وتباطؤ اقتصادها المحلي، وارتفاع تكلفة الاقتراض فيها ونقص رؤوس أموال المخاطر (التي تستخدم في المشروعات الخطيرة عالية العائد).
ونظرا لأن رأس مال المخاطر نادر جدا في الهند، فيكون تقريبا كل داخل جديد في السوق إما وافد أجنبي -مثل أمازون وفيسبوك وواتس آب- أو وجه محلي بتمويل أجنبي.
وهذا الممول يكون إما صينيا مثل استثمار شركة “آنت فاينانشال” في تطبيق الأنباء “دايلي هانت”، أو من الولايات المتحدة مثل استحواذ “وول مارت” على “فليبكارت” بقيمة 16 مليار دولار أو من “سوفت بنك”، الذي استثمر في كل شيء في الهند بدءا من المدفوعات الرقمية إلى تطبيقات مشاركة السيارات.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، اتخذت الهند خطوات لمعالجة مشكلاتها، واعطت أخيرا إعفاءات ضريبية كجزء من موازنة بعد الانتخابات.
وفي الوقت نفسه، ترتفع تكاليف التصنيع في الصين، ويحاول المستثمرون الأجانب تقليل اعتمادهم على الصين من خلال تنويع سلاسل توريدهم.. لكن الهند ليست في وضع يسمح لها بالاستفادة من ذلك. بل كانت فيتنام المستفيد الأكبر وليس فقط لنقل المنتجين الأمريكيين إنتاجهم إليها وإنما أيضا نقلت الشركات التصديرية الكورية الجنوبية اعمالها إلى فيتنام.
وفي فترته الأولى رئيسا للوزراء، استحدث ناريندرا مودي مبادرة “اصنع في الهند” المصممة لتشجيع التصنيع ولكن اعتبرها كثيرون غير فعالة، وهذا يرجع بقدر كبير إلى العقبات في البنية التحتية.
فكثير من قطارات الشحن في الهند تسافر على سرعة أقل من 30 كيلو مترا في الساعة، وهناك القليل جدا من الموانئ.
وفي السنوات الأخيرة كانت هناك مشروعات هائلة لبناء الطرق، ولكن كانت وتيرة العمل متراجعة كثيرة عن الدول المنافسة في جنوب شرق آسيا، رغم أنها كانت متحسنة بشدة.
وقطاع الصناعة في الهند محدود رغم انخفاض أجور العمالة، كما ان العمالة ليست منتجة بما يكفي.
ومع نمو الشركات، يتحولون في بعض الأحيان من التصنيع إلى مجرد التجميع لأنهم لا يستطيعون الحصول على الأجزاء بالكمية المطلوبة بشكل مستمر.
ويتعين على الهند التعلم من الصين، التي ارتقت بسلسلة التصنيع المضيف للقيمة بطريقة ولدت وظائف لغير الماهرين من الشعب على نطاق لم تقترب منه أي دولة اخرى، وهو درس تعلمته فيتنام، وفقا لريبيكا تشوا، التي أطلقت شركتها “برميا بارتنرز” صندوق مؤشرات فيتنامي مدرج في بورصة هونج كونج.
وقالت ريبيكا ، إن فيتنام تشبه اليوم الصين منذ 20 عاما بنفس الرياح المعاكسة، مضيفة أن نصف هواتف سامسونج يتم صنعها في فيتنام، و80% من رقاقات “أنتل”.
وعلى النقيض، تقريبا جميع الوظائف التي تخلقها الهند هي وظائف تنتج منتجات رخيصة ولا يوجد أي احتمالات لترقيتها.
ولدى الهند مشكلات مع الولايات المتحدة، إذ انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياساتها الحمائية مؤخرا.
ولكن بالنظر إلى مشكلات الاقتصاد والبنية التحتية، فإن الهند تفتقر الميزة التنافسية التي تتماشى مع حجمها.
وبمعنى آخر، فإن آمال السفير في علاقة بناءة أكثر توازنا مع الصين لن تتحقق على الأرجح في أي وقت قريب.
بقلم/ هيني سيندر، كبير المراسلين لدى “فاينانشال تايمز”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز.
المصدر: صحيفة “فاينانشال تايمز”.