لعقود عديدة، اتفق القادة الأمريكيون المنتخبون على عقيدة التجارة الحرة، ولكن فى 2016، فاز فى الانتخابات الرئاسية دونالد ترامب، وهو رجل رسم بوضوح سياسة تجارية لا رابح فيها.
ومنذ توليه مهام منصبه، أطلق حرباً تجارية متعددة الأطراف، وهاجم أوروبا والمكسيك وكندا واليابان وركز بشكل خاص على الصين.
ورغم تراجع ترامب عن غزواته بعد تغيرات طفيفة للترتيبات التجارية القائمة، فقد صعَّد هجماته على الصين، وهدد مؤخراً بفرض المزيد من التعريفات على هذه الدولة.
إذاً ما هو تأثير تحول الولايات المتحدة نحو الحمائية؟ حتى الآن، تشير الدلائل إلى أن المكاسب الاقتصادية ما زالت بعيدة المنال، وإذا حققت الحرب التجارية شيئاً سيكون ذلك فى المجالات الجيوسياسية والأيديولوجية الأكثر غموضاً.
وجلبت تعريفات ترامب على الصين إيرادات ضئيلة للغاية – أقل من 20 مليار دولار منذ بداية 2018 – بينما تسبب الرد الصينى فى إلحاق الضرر بالمزارعين الأمريكيين بشدة، ما دفع ترامب والكونجرس إلى تقديم حزم إنقاذ لهم، ووصلت هذه المدفوعات حتى الآن إلى أكثر من 25 مليار دولار، ووفقاً للحسابات المالية، فقد تسببت الحرب التجارية مع الصين فى خسارة صافية لأمريكا.
وفى الوقت نفسه، لم تنجح هذه الحزم فى إزالة الألم الناتج عن الردود الانتقامية الصينية، وارتفعت حالات إفلاس المزارعين الأمريكيين.
وارتفع الإنتاج الصناعى الأمريكى كذلك بوتيرة أبطأ من مستوياته فى فترات التوسع السابقة، بل تراجع خلال الربع الأول من 2019.
والشىء الوحيد الذى فعلته الولايات المتحدة هو أنها رفعت الأسعار على المستهلكين الأمريكيين، وتوصل العديد من الدراسات إلى أن معظم الإيرادات من التعريفات أتت فى الأساس من جيوب الأمريكيين.
وبالتالى، من الجبهة الاقتصادية، كانت حرب ترامب التجارية خسارة على جميع الجبهات، ولكن كما أشار زميلى كاتب المقالات فى «بلومبرج»، تايلر كوين، تتعلق الحرب التجارية فقط بالهيمنة الجيوسياسية والأمن الوطنى.
ورغم أن المستهلكين الأمريكيين تحملوا التكلفة النقدية للتعريفات، فقد أضروا بالصين بشكل أكبر، فالنمو الصينى الذى تباطأ بالفعل منذ أوائل 2010، أظهر علامات على مزيد من التباطؤ، وهبط الاستثمار الصناعى بحدة فى بكين منذ بداية الحرب التجارية منتصف 2018.
وبالموازاة مع تعريفات ترامب، فقد شنت أمريكا نوعاً مختلفاً من الحرب التجارية ضد الصين يستهدف تقليص هيمنة بكين فى الصناعات التكنولوجية الفائقة، وتضمنت الأسلحة فى الحرب التجارية الثانية قيود على تصدير المنتجات التكنولوجية الأمريكية إلى الشركات الصينية، والحدود على الاستثمارات الصينية فى قطاع التكنولوجيا الأمريكى، وأظهر التأثير السريع والمدمر للقيود على الصادرات بشركة «هواوى تكنولوجيز» الصينية فاعلية هذه الأسلحة.
وبالتالى، رغم أن الحمائية الأمريكية أضرت بالولايات المتحدة، فقد تكون أيضاً أضرت بمنافسها الرئيسى أكثر، وسواء كان ذلك يستحق التكلفة أم لا، فالإجابة تعتمد على وجهة نظر المرء فى الجغرافيا السياسية وأهمية استمرار الهيمنة الأمريكية.
وعلى المدى الطويل، سوف يكون أهم تأثير للحرب التجارية أيديولوجياً، فقد انهار السد النفسى، وتحول الإجماع المريح بين النخبة على فعل ما هو فى صالح التجارة الحرة فى الاتجاه المضاد، وفى اليسار السياسى، تروج المرشحة الرئاسية، إليزابيث وارن، لدولار أضعف وتمديد المساعدات الحكومية للمصدرين الأمريكيين، بالإضافة إلى موقفها الأكثر حذراً تجاه الاتفاقات التجارية المستقبلية، وعلى اليمين، يحذر المفكرون من تدخل الحكومة نيابة عن الصناعات الرئيسية.
ولا يمكن تقييم هذه الأفكار الجديدة بسهولة حتى الآن، وهناك خطط مختلفة متنافسة للحمائية والسياسة الصناعية الحكومية، وسوف يحكم على كل واحدة منها وفق جدارتها، والعديد منها جديد ولم يجرب، ولكن هناك شيئاً واحداً أكيداً وهو أن هيمنة فكرة التجارة الحرة فى الولايات المتحدة انتهت.
بقلم: نواه سميث ؛ كاتب مقالات رأي لدى بلومبرج ؛ وأستاذ التمويل المساعد في جامعة ستوني بروك سابقا.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج