فى الماضى كانت التوترات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط تشعل النار تحت أسعار البترول، حتى إذا لم تؤثر بشكل فورى على مستقبل الإمدادات.
والآن، التهديدات للطلب هى ما ترسل موجات من الصدمة عبر أسواق البترول، وربما يكون هناك المزيد منها، وكان لسلسلة الهجمات على حاويات البترول، وإسقاط الطائرات بدون طيار، والمناوشات حول مضيق هرمز تأثير ضعيف على أسعار البترول، ربما لأن متداولى البترول لا يصدقون أن أهم ممر للبترول فى العالم سيغلق فعليا أمام الحاويات، وهو شعور شاركته معهم.
ويعد احتجاز سفينة “ستينا إمبريو” مشكلة بريطانية خالصة، ومن غير المرجح أن نرى المزيد من السفن الاجنبية يتم احتجازها قبالة إيران، وبينما قد تستمر مضايقة السفن التى تمر عبر المضيق، فمن غير المرجح أن يحدث تصعيد أكثر جدية، على الأقل بدون المزيد من الاستفزاز.
وعلى النقيض، كانت تغريدة من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بأنه سيفرض تعريفه إضافية صغيرة بنسبة 10% على بقية البضائع والمنتجات بقيم 300 مليار دولار القادمة من الصين كافية للتسبب فى انهيار أسعار البترول، وانخفض خام غرب تكساس الوسيط بحوالى 4% فى أول 15 دقيقة من التغريدة، وأغلق تعاملات ذلك اليوم منخفضا بحوالى 8%.
وتخلق هذه التعريفات الإضافية والاخرى القائمة بالفعل رياح معاكسة لحوالى 100 مليون برميل يومياً من الطلب العالمى على البترول، وهو مصدر قلق أكبر بكثير من التهديدات لإعاقة تدفقات الخام عبر مضيق هرمز، والتي يبلغ حجمها ثلث هذا الحجم وفقاً لبيانات تتبع الحاويات التى تجمعها بلومبرج، وخفضت وكالة الطاقة الدولية، التى يتابع المتداولون والمحللون توقعاتها عن كثب، تقديراتها لنمو الطلب على البترول للنصف الأول من 2019.
وفى بداية العام، توقعت الوكالة نموا ثابتا إلى حد ما عند 1.4 مليون برميل يومياً وأن يكون الطلب فى النصف الأول أقوى من النصف الثانى قليلاً، ولكن خلال الستة أشهر الماضية تغيرت الصورة تماماً، وتم تخفيض التوقعات لنمو الطلب فى الستة أشهر المنتهية من السنة إلى 560 ألف برميل يومياً، بينما ارتفعت التوقعات للنصف الثانى إلى حوالي 1.8 مليون برميل.
وعللت الوكالة هذا الارتفاع بـ”نمو اقتصادى قوى متوقع للدول الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية”، وحقيقة أن أسعار البترول أقل مما كانت عليه منذ عام تدعم التوقعات بنصف ثانى أقوى، ولكن هذا على الأرجح لن يدوم.
ويشير تقرير يوليو كذلك، إلى أن التوقعات تفترض أن الخلاف التجارى بين الصين والولايات المتحدة لم يتدهور على مدار الشهور المقبلة، ولكن منذ ذلك الوقت تدهور الوضع كثيراً.
وأحد المجالات التى ظل فيها الطلب قوياً هو “البتروكيماويات”، وهو أحد أجزاء سوق البترول الذى كان يرى كأحد محركات النمو الأساسية فى السنوات القادمة بسبب مواجهة قطاع المواصلات رياحاً معاكسة من المركبات الكهربائية وتطبيقات مشاركة السيارات.
ومع ذلك، هناك بعض العلامات المقلقة فى هذا الجزء أيضاً من السوق، إذ أصدرت شركة “بى إيه إس إف”، أكبر شركة كيماويات فى العالم، تحذيراً الشهر الماضى بسبب انخفاض أرباحها.
وأشار الرئيس التنفيذى لشركة “رويال داتش شل”، بين فان بيوردن، إلى “ركود متزامن” فى البتروكيماويات ما سيقود إلى “تدمير كبير” فى سلسلة التوريد، وذلك لن يساعد جانب الطلب فى الشهور المقبلة.
ويمكن أن نتوقع قريباً خفضاً كبيراً فى توقعات نمو الطلب، ضمن التقرير الجديد لوكالة الطاقة الدولية المفترض صدوره الجمعة المقبلة، وإذا لم تخفض توقعاتها، فسيأتى هذا التخفيض لا محالة فى المستقبل، إلا إذا تنازل القادة السياسيون فى واشنطن أو بكين، وهو أمر يبدو غير ممكن، وبينما يواصل منتجو البترول حول العالم، القتال على المعروض، فسيكون لأى علامة على الضعف فى الطلب تأثير متفاوت على الأسعار.
بقلم: جوليان لى، استراتيجى البترول لدى “بلومبرج”، ومحلل سابق فى مركز دراسات الطاقة العالمية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”