إذا تم تأكيد مؤشرات النمو الاقتصادى المخيبة للآمال فى منطقة اليورو، فسيقوم البنك المركزى الأوروبى بتخفيف السياسة النقدية بشكل أكبر فى سبتمبر.
وفى الأسبوع الماضى، أشار رئيس البنك المركزى الأوروبى المنتهية ولايته ماريو دراجى إلى خفض محتمل آخر فى سعر الفائدة لدى البنك على ودائع البنوك التجارية بين عشية وضحاها والذى هو بالفعل -0.4%.
وبالإضافة إلى ذلك، يناقش البنك المركزى الأوروبى برنامجًا جديدًا لشراء الأصول.
وتوجد حاجة واضحة إلى التحفيز الاقتصادى فالتضخم السنوى أقل بكثير من هدف البنك المركزى الأوروبى «أقل من 2 %»، وتتوقع الأسواق المالية أن تظل كذلك لسنوات حيث نمت منطقة اليورو بشكل أبطأ من الاقتصاد الأمريكى منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وتباطأ النمو منذ أن بلغ ذروته فى الربع الثالث من عام 2017، وتباطأ مرة أخرى فى الربع الثانى من هذا العام.
ومن الواضح أيضًا أن الحكومات الوطنية فى منطقة اليورو تحجم عن توفير حوافز مالية منسقة، على الرغم من مطالبات البنك المركزى الأوروبى والعديد من الاقتصاديين وعن غير قصد، لا يزال المركزى الأوروبى اللعبة الوحيدة فى المدينة.
والسؤال هو ما إذا كانت السياسة النقدية وحدها يمكن أن تساعد فى تحسين النمو الحقيقى وتوقعات التضخم فى منطقة اليورو حيث يمكن أن تكون السياسة النقدية أداة قوية.
ولم يكن السبب الرئيسى لجهود الرئيس فرانكلين د. روزفلت الناجحة فى إنعاش الاقتصاد الأمريكى فى ثلاثينيات القرن الماضى، هو العجز فى الإنفاق بل كان التحفيز النقدى الكبير الناجم عن مغادرة أمريكا معيار الذهب قبل دول القارة الأوروبية واليوم، يحتاج البنك المركزى الأوروبى إلى تصميم شىء مشابه بأدوات مختلفة.
ومن حيث المبدأ، ينبغى أن يؤدى رفع سعر الفائدة على ودائع البنك المركزى الأوروبى إلى المنطقة السلبية إلى إزالة القيود المفروضة على أسعار الفائدة قصيرة الأجل المتوقعة فى المستقبل والتى ستصبح سلبية.
كما يجب أن يؤدى خفض سعر الفائدة إلى الضغط على سعر صرف اليورو، مما قد يجعل مصدرى منطقة اليورو أكثر قدرة على المنافسة.
ولكن مثل هذه الخطوة ستكون مثيرة للجدل، على وجه الخصوص لأنها ستؤثر على ربحية البنوك التى لا يمكنها تمرير أسعار الفائدة السلبية على ودائع البنك المركزى الأوروبى لعملائها.
وهذه السياسات لها تأثيرات غير متجانسة فى جميع أنحاء البنوك، وتساهم فى التخفيف من الإجراءات، رغم أنه يمكن أن يتطلب ذلك هندسة معقدة.
ووفقاً لتحليل أجراه موظفو البنك المركزى الأوروبى، فإن بنوك منطقة اليورو «القوية» قادرة على نقل تكاليف أسعار الفائدة السلبية إلى عملائها من الشركات؛ ولكن البنوك «الضعيفة» لا تستطيع ذلك.
وبالتالى فإن البنك المركزى الأوروبى يفكر فى طُرق لتخفيف ذلك خاصة عن طريق منح شروط مواتية للغاية على القروض الخاصة التى سيقدمها بموجب برنامج «TLTRO III»، والتى من المرجح أن تتخذها البنوك «الضعيفة».
بالإضافة إلى ذلك، يتم النظر فى نظام تحديد المستويات الذى لا يخضع فيه للاحتياطيات التى تقل عن عتبة معينة لمعدلات سلبية.
لكن من المحتمل أن يفيد هذا أقوى البنوك فى بلدان منطقة اليورو الأساسية مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا، والتى تحتفظ مجتمعة بحوالى ثلث إجمالى الودائع فى البنك المركزى الأوروبى.
ووراء هذه الاعتبارات التقنية، يجب على صانعى السياسة أن يتعاملوا مع سببين رئيسيين للطلب الزائد على احتياطيات البنك المركزى بين بنوك منطقة اليورو القوية، أحدهما هو ارتفاع الطلب على الأصول الآمنة بشكل عام، والبنوك فى دول منطقة اليورو الأساسية ليس لديها حافز كبير للاحتفاظ بديون حكوماتها عندما يكون سعر الفائدة أقل من معدل ودائع المركزى الأوروبى.
وسبب آخر هو تجزئة سوق ما بين البنوك فى منطقة اليورو، والذى إذا نفذ البنك المركزى الأوروبى خطواته، سيمنع البنوك القوية من الاستفادة من فرص الموازنة عن طريق إقراض البنوك الضعيفة بمعدل أعلى من %-0.4.
كلا السببان هما نتيجة النظام المصرفى المختل بمنطقة اليورو، والذى ينطوى فيه الطلب على الأصول الآمنة والديون السيادية للبلدان الأساسية.
وفى هذه الظروف، لن يجد البنك المركزى الأوروبى أنه من السهل تنفيذ سياسة من شأنها إزالة قيود الحد الأدنى الصفرى على أسعار الفائدة، مع ضمان أن تكون الآثار التوزيعية للسياسة على البنوك والدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى محايدة.
وسيشمل القيام بذلك العديد من الأدوات والتصميم المعقد، بعيدًا عن الإطار البسيط للأداة الواحدة والذى كان أفضل ممارسة قبل الأزمة المالية.
وعلاوة على ذلك، تصبح الفائدة السلبية أقل فعالية مع مرور الوقت، وإذا طال أمدها، فقد يكون لها آثار غير مرغوب فيها، على سبيل المثال، عن طريق تحفيز المدخرين على التخلص من المخاطر، مما يحتمل أن يولد فقاعات فى أسعار الأصول ويزيد من الوساطة المالية.
ويمكن أن يعوض التحفيز الإيجابى الناتج عن انخفاض سعر صرف اليورو هذه الآثار، لكن فقط إذا لم تتراجع البنوك المركزية الأخرى وخاصة الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى فى نفس الوقت.
وفى 31 يوليو، أعلن بنك الاحتياطى الفيدرالى عن تخفيض متوقع بنسبة ربع نقطة مئوية فى سعر الفائدة المرجعى، بينما لا يمكن استبعاد المزيد من التخفيضات المستقبلية.
لكن المشكلة الرئيسية هى أنه لا يمكن للفائدة السلبية أو التيسير الكمى بمفردهم معالجة تجنب المخاطر الذى يعيق اقتصاد منطقة اليورو. ويحاول المركزى الأوروبى تثبيط الطلب على الأصول الآمنة بجعلها أكثر تكلفة للاحتفاظ بها، لكنه لا يستطيع معالجة أسباب الزيادة فى هذا الطلب.
وهذا هو الاتجاه العالمى الذى تحركه عدة عوامل، بما فى ذلك التغيرات الديموغرافية، وعدم اليقين على نطاق واسع المرتبط بالتحول التكنولوجى، والمخاطر السياسية مثل الحروب التجارية والقومية، لكن فى منطقة اليورو يتفاقم الوضع بسبب عدم وجود إصلاح للعملة الموحدة.
وبعد مرور أكثر من 10 سنوات على الأزمة المالية العالمية، لا تزال الأسواق المالية فى منطقة اليورو مجزأة، والأصول الآمنة محدودة بسبب السياسة المالية المحافظة لبلدان شمال أوروبا، وخاصة ألمانيا. لذلك، يجب أن يجد صانعو السياسات فى منطقة اليورو الإرادة السياسية لتصميم مجموعة شاملة من التدابير المالية والنقدية التى تهدف إلى ضخ طاقة جديدة فى المشروع الأوروبى، مثل هذا النهج المشترك ضرورى للتصدى لنمو النفور من المخاطر المتجذر فى منطقة اليورو.
وفى الثلاثينيات من القرن الماضى، كان الحافز الرئيسى لأمريكا نقديًا وليس ماليًا، ولكن العنصر الأساسى للنجاح كان مجموعة شاملة من الإصلاحات إلى جانب رسالة قوية قادرة على توحيد البلاد.
اليوم، تحتاج أوروبا إلى نسخة القرن الحادى والعشرين من تلك السياسة.
بقلم: لوكريزيا ريشلين
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجيكت سينديكيت