يثير الإعلان المفاجئ لوزارة الخزانة الأمريكية الذى يصنف الصين رسمياً كـ”متلاعب بالعملة” الكثير من الأسئلة، وإجابة اثنين منها بالأخص سوف تلقى الضوء على كيف ستتطور التوترات التجارية على الأرجح بين أكبر اقتصادين فى العالم.
هل هذا الوصف مبرر؟ الصين لا تقع حالياً ضمن المعايير المتفق عليها للمتلاعب بالعملة، ورغم أنها لا تزال تدير فائضاً تجارياً، فإن مركزها الإجمالى الحالى لم يكن فى فائض دائم، وانخفضت احتياطياتها الأجنبية فى السنوات القليلة الماضية، وكذلك ممتلكاتها من أذون الخزانة الأمريكية.
وفيما يتعلق بتدخل السلطات للتأثير على عملية تحديد سعر الصرف فبالتأكيد هم تدخلوا، لكنَّ تدخلهم كان لإبطاء وتيرة الضعف فى العملة وليس زيادة حدتها، وإذا وصمت وزارة الخزانة الأمريكية الصين كمتلاعب بالعملة، فكان يتعين عليها القيام بذلك منذ سنوات.
ولكن عرض هذه المشكلة بوصف محدد يتجاهل نقطة أوسع أكثر أهمية، فكل من الصين والولايات المتحدة قد سلحتا أدواتهما الاقتصادية، والتركيز الأولىّ كان على التجارة والاستثمار الأجنبى ثم انتقل إلى العملات وكل ذلك يشير إلى أى مدى امتدت الدوافع إلى ما وراء الاقتصاد لتشمل الأمن الوطنى والسياسات المحلية.
ومن وجهة نظر الحكومة الأمريكية، لطالما تجاوزت الصين المعايير الدولية التى تتعلق بالملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا، ودعمت شركاتها المحلية، وترتبط شركاتها التكنولوجية المتنامية سريعاً والمتوسعة بالحكومة، بالإضافة إلى وجهة النظر بأن الصين تنخرط بحدة وبشكل متزايد مع دول العالم الثالث، من خلال مبادرة الحزام والطريق والبنية التحتية والقروض، وهو ما يثير مخاوف الأمن الوطنى الأمريكى ويوحد التحالفات السياسية عبر الأحزاب الأمريكية وكذلك مواقف القطاعين العام والخاص.
ويصاحب منطق النهج الاكثر تشدداً تجاه الصين مشكلة توقيت، وهى افتراض “إذا لم يكن الآن فمتى”، فالصين قد شرعت فى عملية تنمية سريعة ذاتية التغذية وهو ما أعطاها أهمية نظامية أكبر فى الاقتصاد العالمى والأنظمة المالية، وبالتالى يُنظر لفرص تسوية ملعب اللعب على أنها تتقلص وتنفلت.
ويكمن القلق فى بكين أن الولايات المتحدة خرجت لـ”احتواء” الصين، وهو ما يضع الحكومة هناك فى وضع حرج بشأن كيفية اتخاذ ردود أفعال لما تراه تنمراً واستفزازاً أمريكياً، وربما ذلك يفسر أن الاستجابة الكلامية العنيفة لمحافظ المركزي الصينى – قائلاً إن قرار الولايات المتحدة “يضر بشدة بالقواعد الدولية” – لم يصاحبها ردود أفعال عنيفة وبدلاً من ذلك حدد البنك المركزى النقطة الوسطية لتداول العملة دون 7 يوانات للدولار بطريقة ساعدت على ارتفاع العملة محلياً وخارجياً يوم الثلاثاء الماضى.
ما هو تأثير وصم الصين بهذا التصنيف؟.. فى بيانها الصحفى أشارت وزارة الخزانة الأمريكية إلى أنه بناء على هذا القرار سوف يعمل وزير الخزانة ستيفين منوشين، مع صندوق النقد الدولى للقضاء على الميزة التنافسية غير العادلة التى خلقتها الأفعال الصينية الأخيرة، ولكن صندوق النقد الدولى لم يجد أى دليل على التلاعب بالعملة عندما نظر فى الأمر خلال الشهور القليلة الماضية.
ومع ذلك، فإن هذا التصنيف قد يفتح على الصين باب المزيد من الأفعال من قبل القطاعين العام والخاص الأمريكيين، كما يمكن أن تستخدمه الولايات المتحدة للضغط على الحلفاء المقربين لاتخاذ موقف أكثر تشدداً تجاه ما يرونه تظلمات شرعية ضد الصين خاصة فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا، ولا يمكن استبعاد المزيد من الضغوط المباشرة فى المستقبل من قبل الولايات المتحدة.
وتشير الدوافع والعواقب المحتملة على حدٍ سواء إلى أن إعلان وزارة الخزانة خطوة ملحوظة فى تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة والتى قد تسوء قبل أن تتحسن، كما تشير إلى أن أفضل ما يمكن أن يأمله المرء هو مجموعة من الهدنات وليس أوقاتاً هادئة فى العلاقات التجارية الدولية، أما النتيجة الأكثر ترجيحاً فى الشهور القادمة – إن لم يكن السنوات – فهى تصاعد النزاعات التجارية ويصاحبها تزايد فى توترات العملات.
بقلم: محمد العريان، مستشار اقتصادى لمجموعة أليانز ورئيس كلية “كوينز” بجامعة كامبريدج
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”