وضع اثنان من خبراء الاقتصاد فى معهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا” خطة جريئة ومهمة لإنعاش الاقتصاد الأمريكى، وهى خطة قد تنجح إذا نُفذت بشكل صحيح.
ويخلق تباطؤ النمو كثيراً من المشاكل، فهو يولد اليأس بجعل الأفراد أقل ثراءً من آبائهم، وربما يتسبب فى تفاقم أوجه عدم المساواة فى الثروة، ويخلق أيضاً عالماً يتصارع فيه الأفراد من أجل الربح، كما أنه من الصعب تسريع النمو الاقتصادى بطريقة مستدامة، فتطوير التنظيمات أو تغيير السياسات التجارية قد يؤدى فى أفضل الأحوال، إلى تعثر قصير الأجل لمرة واحدة على الأقل.
لذا يجب أن ينبع النمو الاقتصادى من التقدم التكنولوجى على المدى الطويل، رغم عدم توافر معلومات كثيرة عن كيفية تسريع الابتكار، ومع ذلك، لا يعتقد كل من جوناثان جروبر وسيمون جونسون، الاقتصاديين فى معهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا”، أن الحكومة بلا حول ولا قوة، وبالتالى وضعا ضمن كتابهم الجديد “تحفيز أمريكا: كيف يمكن للإنجازات العلمية إعادة إنعاش النمو الاقتصادى والحلم الأمريكى” برنامجاً قوياً لتعزيز الإنفاق الفيدرالى على العلوم والتكنولوجيا مع التركيز على مناطق تخلف النمو.
ويبدأ جروبر وجونسون بتحديد تاريخ العلوم السياسية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وكيف حفزت الاكتشافات، التى مولتها الأبحاث المتعلقة بقضايا الدفاع، على إنشاء قطاع خاص لصناعات التكنولوجيا، كما أنهما يفسران أسباب عدم استثمار القطاع الصناعى الخاص بشكل كافى فى طفرة العلوم والابتكار، وهى نقطة أُشير إليها أيضاً فى كتاب “الدولة الريادية” للخبيرة الاقتصادية ماريانا مازوكاتو.
ولاحظ جروبر وجونسون أن الحكومة الأمريكية تنفق بشكل أقل على البحوث والتطوير، بينما تنفق الحكومات الأخرى مزيداً من الأموال، فقد ازدهر الإنفاق البحثى لسنغافورة والصين، وأنشأ البلدين، على سبيل المثال، مركز بيوبوليس السنغافورى للبحوث والتطوير فى مجال العلوم الطبية الحيوية ومجمع تشونغ قوان تسون الصينى للعلوم.
وتتصدر كوريا الجنوبية العالم فى الهبات العلمية، فهى تنفق ما يصل إلى 4.23% من ناتجها المحلى الإجمالى على البحوث والتطوير، رغم أن الجزء الأكبر من ذلك يتم عبر القطاع الخاص الأقل كفاءة.
ويشعر جروبر وجونسون بالقلق من إمكانية تفوق هذه الدول على الولايات المتحدة فى مجال العلوم الحديثة، فنصيب الصين من براءات الاختراع والمنشورات والاستشهادات المتعلقة بتلك البراءات كلها إما تلحق أو تتجاوز بالفعل الولايات المتحدة.
والجدير بالذكر، أن مستويات المعيشة فى كل من كوريا وسنغافورة قد تحسنت بشكل أكثر بكثير، مما كانت عليه فى الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين.
وبالطبع، يمكن تقديم أعذار لأداء أمريكا المتراجع، فسنغافورة دولة صغيرة المساحة بينما لاتزال كوريا أقل ثراءً من الولايات المتحدة، ولكن كلا اقتصاديهما يرتبط بشكل وثيق بالنمو الصينى القوى.
ورغم ازدهار نتائج الأبحاث الصينية، إلا أنها أقل جودة مما تم إنجازه فى الولايات المتحدة، وبالتالى فإن مخاوف تفوق دول شرق آسيا على الولايات المتحدة فى مجال العلوم أمراً مبالغاً فيه بعض الشىء، ولكن هذا لا يعنى أن هذه الدول ليس لديها ما تعلمه للولايات المتحدة، بل إن مجمعات الأبحاث التى سلط جروبر وجونسون الضوء عليها قد تشكل إضافة مهمة إلى النموذج الأمريكى.
ويتصور جروبر وجونسون مجموعة من المجمعات البحثية الجديدة، تمولها الحكومة الفيدرالية، فى المناطق المتخلفة عن الركب فى الولايات المتحدة، كما أنهما حددا عدداً من المدن ذات الأداء الاقتصادى الضعيف والغنية بالخريجين والبرامج الجامعية عالية الجودة، والتى تتميز أيضاً بمنازل رخيصة ومستويات منخفضة من الجرائم العنيفة وتنقلات لمسافات قصيرة.
وتعد هذه الفكرة ممتازة ومن شأنها تعزيز النمو الأمريكى عريض القاعدة مع الحد من عدم المساواة الإقليمية، ولكن التنفيذ سيكون صعباً، فالحكومة الفيدرالية بحاجة لتحقيق عائد على استثماراتها لمواصلة التمويل على مدى عقود زمنية.
ويقترح جروبر وجونسون امتلاك الحكومة للأراضى التى سيشيد عليها المجمعات البحثية الجديدة، فهذه الفكرة مثيرة للاهتمام، ولكنها قد تؤدى إلى حوافز ضارة، فقد ترغب الحكومة – صاحب الأرض- فى إجبار الشركات على تحديد موقع على أو بالقرب من العقارات التى تمتلكها، حتى لو كان الانتشار فى مناطق جديدة أكثر منطقية من الناحية الاقتصادية.
ويمكن أن يكون هناك بديلاً عن ذلك وهو امتلاك الحكومة حصة من الملكية الفكرية التى تنجم عن الإنفاق الحكومى عليها، ولكن على عكس قانون براءات الاختراع والعلامات التجارية الأمريكية، الذى يُسند الملكية الفكرية للجامعات بدلاً من الحكومة، يمكن أن يقوض هذا البديل اهتمام الجامعات بالبرنامج.
وتواجه المجمعات البحثية تحديات أخرى، فتلك المجمعات لا ينبغى لها التنافس بشكل كبير مع بعضها البعض أو مع المؤسسات القائمة، كما أنه يتعين عليها التركيز على مجالات البحث والاستكشاف التى تعانى من نقص الخدمات، ولكنهم يخاطرون بالتحول إلى مشاريع “فيلة بيضاء” أى مشاريع باهظة الثمن وغير مجزية، مما يجعل المناطق مدمنة على الهبات الفيدرالية دون تعزيز الابتكار الفعلى.
وللتغلب على هذه المشكلات، يجب أن يندرج الإنفاق على الأبحاث الفيدرالية ضمن اختصاص وكالة حكومية جديدة من شأنها دمج الإنفاق مع السياسات الإنمائية المحلية.
ويمكن لمؤسسة التنمية الوطنية ذات الموازنة الثابتة لـ10 أعوام التنسيق مع مؤسسة العلوم الوطنية والمعاهد الوطنية للصحة ووكالات تمويل البحوث الأخرى لتحقيق مثل هذا النوع من الأهداف التى يقترحها جروبر وجونسون.
وتحتاج الحكومة الأمريكية إلى تعزيز إنفاقها على العلوم الأساسية والابتكارات الريادية، فالولايات المتحدة بحاجة إلى البقاء فى مركز الصدارة بمجال العلوم للحفاظ على ارتفاع مستويات المعيشة سواء كان ذلك من خلال تقديم مجموعة من الأبحاث الجديدة أو لا.
بقلم: نواه سميث، كاتب رأى بوكالة أنباء “بلومبرج”
إعداد: منى عوض
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”