بالنسبة للاقتصاد الغنى، فإن معدل النمو الاقتصادى، الذى يبدأ بـ%5، يكون سبباً للشعور بالنشوة والبهجة، ولكن تلك المعدلات تشكل خيبة أمل كبيرة لبلد مثل الهند، التى سجلت نمواً سنوياً نسبته %5.8 فقط فى الربع اﻷول من العام، وهو التباطؤ الفصلى الرابع على التوالى.
وتعد نسبة النمو السنوى التى سجلتها الهند أبطأ من الصين، التى سجلت نمواً سنوياً قدره %6.2 فى الربع الثانى من العام الحالى بانخفاض عن %6.4 فى الربع اﻷول، كما أنها نسبة أبطأ بكثير من توقعات الهند.
وتشير البيانات الحديثة، إلى أن التباطؤ تعمق منذ ذلك الحين، كما يشير تحليل نشره مستشار سابق فى الحكومة الهندية فى يونيو الماضى، إلى أن معدلات النمو الشبيهة بالصين التى نشرت فى الماضى القريب قد تعكس إحصاءات محفوفة بالمخاطر، وبالتالى إذا كان من المنطقى تحسن أداء الهند، فقد أثبتت التجربة فى أماكن أخرى أنه كان من السهل جداً أن تسجل البلاد أداءً اقتصادياً أسوأ.
وأفادت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية، أن هذا التباطؤ يعد علامة أخرى على أن قصص الأسواق الناشئة التى اعتاد عليها العالم بحاجة إلى مراجعة جادة، وخلال معظم القرن العشرين، تفوق نمو الاقتصادات المتقدمة على نظيرتها الفقيرة، ولكن فى مطلع الألفية الجديدة حدث تحولاً كبيراً.
فوفقاً لبيانات الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى للفرد المعدل حسب تعادل القوى الشرائية، استطاعت %24 فقط من الدول التى يصنفها صندوق النقد الدولى الآن على أنها «أسواق ناشئة»، النمو بشكل أسرع من الولايات المتحدة فى فترة الثمانينيات بأكلمها، ولكن تلك النسبة ارتفعت إلى %76 فى بداية اﻷلفية، كما انخفضت معدلات الفقر فى الدول النامية وأعيد صياغة النظام الاقتصادى العالمى.
وأوضحت المجلة، أن تقارب اﻷداء الاقتصادى لايزال مستمراً، فخلال العشرة أعوام الماضية نما نحو %60 من الاقتصادات الناشئة بشكل أسرع من الولايات المتحدة، ولكن النطاق الجغرافى للحاق بركب النمو بدأ فى الانخفاض، فقد انخفض الناتج الحقيقى للفرد فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011 وفى أمريكا اللاتينى منذ 2013، وفى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ 2014.
وتشير التقديرات إلى تراجع نمو الاقتصادات الناشئة فى أوروبا هذا العام، تاركة آسيا كمحطة أخيرة للتقارب الاقتصادى، إذ تعد آسيا منطقة كبيرة ومهمة بلا شك، وبالتالى فإن تأرجح أداء اقتصاد الهند يمثل أكثر من مجرد ضربة لكبرياء البلاد.
وهناك نوعان من التفسيرات المتعارضة لتباطؤ تقارب اﻷداء الاقتصادى بين العالم المتقدم والناشئ، أولهما يتمثل فى عدم دوام اﻷوقات الجيدة إلى اﻷبد، كما أن التنمية أمر صعب، ولهذا السبب تحول عدد قليل من الدول الفقيرة لتصبح دول غنية خلال القرن العشرين، ولكن بحلول عام 2000 قام مزيج غير متوقع من الرياح المعاكسة بتعليق هذه الحقيقة مؤقتاً.
ووجد العالم الناشئ نفسه محاطاً بتجربة التنمية الاقتصادية اﻷكثر إثارة للدهشة فى التاريخ، وسجل العالم اﻷكثر اكتظاظاً بالسكان نمواً سنوياً على مدى 4 عقود.
وفى الوقت نفسه، تمتع العالم بتوسعات غير مسبوقة فى التجارة العالمية، مدعوماً بالتغييرات التكنولوجية التى مكنت الشركات من بناء سلاسل التوريد عبر عشرات الحدود الوطنى، كما تعلمت الحكومات فى العالم الناشئ من أزمات الماضى أفضل السبل لإدارة رأس المال الأجنبى، مما يعنى أنهم كانوا فى وضع جيد عندما سعى المستثمرون إلى عوائد أفضل من تلك الضئيلة فى جميع أنحاء العالم الغنى، ومع ذلك، لم تتمكن الصين من تحقيق معجزة اقتصادية سوى مرة واحدة.
وتشير النظرية الثانية إلى أن اﻷسواق الناشئة لايزال أمامها مجالاً للنمو، ويمكن للدول الفقيرة اللحاق بركب نظيرتها الغنية عند ارتفاع معدلات الإنتاجية ورأس المال للعمالة إلى مستويات العالم الغنى.
ويتعلق ارتفاع الإنتاجية، من ناحية، بنقل العمال من القطاعات التى تنخفض فيها إلى تلك التى ترتفع فيها، فعلى سبيل المثال يمكن نقل العمال من زراعة الكفاف إلى تصنيع المنسوجات، ومن ناحية أخرى تتعلق بتسجيل نمو ثابت فى الإنتاجية داخل القطاعات.
وخلال طفرة النمو فى العقدين الماضيين، شهدت العديد من الدول زيادة فى رأس المال، وعدد لا بأس به من فترات التحضر والإصلاح الاقتصادى التى ساعدت على جذب العمال إلى وظائف المصانع والمكاتب، بمستويات إنتاجية أعلى، وفى بعض الاقتصادات أرسيت أسس النمو المستدام خلال الطفرة.
وكانت سلاسل الإمداد الكثيفة، التى نشأت فى جميع أنحاء الصين، بمثابة قنوات لفهم العناصر التكنولوجية، إذ تنقل عناصر الابتكار المستدام إلى الاقتصادات المتخلفة، وبالنسبة للهند لعبت صادرات الخدمات التجارية نفس الدور تقريباً.
وإذا لم يكن تقارب اﻷداء الاقتصادى قد انتهى، فإن تباطؤ معدلات النمو الاقتصادى يبعث على القلق، فربما أصبحت الحكومات راضية عن نفسها، مما قد يدفعها للتخلى عن الإصلاحات اللازمة وتخطى الاستثمارات اللازمة لتعزيز الإنتاجية مثل التعليم.
وأوضحت «ذا إيكونوميست»، أن الهند ترغب فى التفوق على الصين، ولكن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة، البالغ %70 تقريبا لديها، أقل مما عليه الصين منذ 30 عاماً.
والأسوأ من ذلك، أن المسيرة التى استمرت لعقود نحو مزيد من الانفتاح العالمى ربما تنتهى.. ففى ظل تصاعد العداء الاقتصادى، خصوصاً من الولايات المتحدة، ستفكر شركات العالم الغنى بشكل طبيعى جيداً قبل الاستثمار فى الخارج، وإذا انهارت التجارة العالمية بشكل كبير فيمكن أن يلحق ذلك الضرر آفاق نمو الأسواق الناشئة لعقد أو أكثر، كما أن هذا السيناريو سيخلف تكلفة كبيرة على نحو مدمر، فى ظل التغييرات المناخية، التى ستجدها الدول الفقيرة أكثر صعوبة للإدارة من نظيرتها الغنية.
ومع ذلك، لايزال هناك أمل، فقد تختفى العقبات التى انتشرت فى طريق التنمية، فربما يرحل الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب خلال 18 شهراً، كما يمكن للحكومات غير المستقرة اكتشاف فرص جديدة للإصلاح والاستثمار والتحرير، ولكن أياً كانت النظرية الصحيحة، وجد أن هيمنة الأسواق الناشئة أمراً حتمياً، وأن إعادة الدول النامية إلى مسار دخول العالم الغنى سيحتاج من الحكومات والشركات والعمال حول العالم بذل جهود كبيرة، فضلاً عن أنه سيحتاج جرعة كبيرة من الحظ.