يقع حى هارلم فى مانهاتن التى كانت فى وقت ما مرادفاً للفقر والجريمة والفشل بالمناطق الحضرية، وكان المكان الذى عاش فيه الرجال السود عام 1980 عمراً أقل من متوسط العمر المتوقع فى بنجلاديش، لكن أجزاء كبيرة منه تبدو مختلفة اليوم حيث ارتفع متوسط العمر المتوقع وتحسن الحى بشكل كبير على الرغم من أن نسبة كبيرة من الأطفال هناك بنحو %35 مازالوا فقراء، إلا أن فرص حياتهم لاتزال أفضل بكثير من جيل سابق.
هذا ليس جزئياً بسبب الجهود التى تبذلها منظمة «منطقة هارلم للأطفال» وهى مجموعة غير ربحية تبنت 100 منطقة وحددت لنفسها هدف كسر سلسلة الفقر بين الأجيال من خلال تقديم مشورة جيدة عن الأبوة والأمومة الغذاء والتعليم.
ويتعلم أولياء الأمور الجدد الذين يلتحقون بكلية Baby College فى المنطقة عادات التغذية والقراءة المناسبة لأطفالهم ويمكن للأطفال الأكبر سناً حضور رياض الأطفال مجاناً لمدة يوم كامل والبعض الآخر يذهبون للحضور فى شبكة مدارس ابتدائية أسستها المنظمة وتعتبر النتائج الأولية المثيرة للإعجاب نموذجاً وطنياً.
وتخدم المنظمة 14 ألف طفل و14 ألف شخص بالغ بتكلفة فقط 4600 دولار للفرد الواحد فى السنة ويتم جمعها من مزيج من المصادر العامة والخاصة وهذا ليس مبلغاً كبيراً، كما تشير آن ويليامز إيسوم رئيسة المنظمة، مقارنة بإنفاق 167 ألف دولار على سجين فى سجن «ريكارز» مثلاً.
وأضافت أنهم يستخدمون الأموال لتوسيع نطاق نشاطهم والأموال مهمة لتكرار كل ذلك فى مناطق أخرى فالحصول على نصف هذا المبلغ الهائل يكفى لخدمة الصف الثالث لتوفير ما يحتاجه الأطفال هم وأسرهم، ويؤكد تقرير مجلة «إيكونوميست”، أن العمل الخيرى بمثل هذا النموذج يكمل الجهود العامة، ويسد الثغرات فى شبكة الأمان الأمريكية.
وأشار إلى أن هناك برنامجين رئيسيين لمكافحة الفقر للأمهات المعيلات الجدد هما برنامج المساعدة التغذوية التكميلية (Snap)، والمعروف باسم بطاقات الطعام للنساء والرضع والأطفال بجانب برنامج ويك (wic) الذى يقدم خدمات عينية لا تغطى تكلفة الحفاضات التى لن تقبل العديد من دور الحضانة رعاية الأطفال الصغار ما لم يوفرها الآباء، كما تقول آن مارى ماتيس، التى تدير المؤسسة الخيرية Twice as Nice Mother & Child التى توزع الحفاضات فى إلينوى.
ويتم سد مثل هذه الفجوات من قبل الجمعيات الخيرية مثل هذه الجميعة التى توزع 350 ألف حفاضة فى السنة ولاتزال هناك حاجة كبيرة إلى بنوك الطعام التى تقدم خدمات كثيرة على غرار توفير ملابس صغيرة كملحق لمخصصات قسائم الطعام التى يبلغ متوسطها 1.40 دولار لكل وجبة.
وفى عام 2017 أظهرت بيانات من المسح السنوى لمكتب الإحصاء حول الأمن الغذائى أن ما لا يقل عن 15.9 مليون أمريكى أبلغوا عن استخدام بنوك الغذاء فى تلك السنة بزيادة قدرها %65 منذ عام 2002 بسبب لجوء الأشخاص ذوى الدخل المنخفض لها وقد يكون الاستخدام الفعلى أعلى من ذلك، وتقدر أكبر شبكة لبنك الطعام فى البلاد وهى Feeding America أنها تساعد 46 مليون شخص على الأقل مرة واحدة فى السنة.
وتستفيد الجهود الخيرية أيضاً من النزعة الأمريكية المثالية، كما لاحظ قبل 200 عام الكاتب الفرنسى ألكسيس دو توكفيل، حيث رأى أشخاص يوفرون الطعام لجيرانهم من خلال جمعيات خيرية خاصة، ومع ذلك لا يمكن للمؤسسة الخيرية وحدها أن تحل محل شبكة أمان عامة.
وفى عام 2018 بلغت قيمة جميع التبرعات الخيرية الأمريكية – وليس فقط لمنظمات مكافحة الفقر – 428 مليار دولار، وهذا ليس مبلغًا صغيرًا، لكنه يضيف ما يصل إلى ثلثى التكلفة الحالية لبرنامج Medicaid وهو برنامج التأمين الصحى للفقراء وبرامج كبيرة أخرى منها الرعاية الصحية والضمان الاجتماعى وائتمان ضريبة الدخل المكتسب وطوابع الغذاء والمساعدة السكنية.
ويمكن القول أن التبذير العام مزاحم للأعمال الخيرية الخاصة، ولكن عند حوالى %2.1 من الناتج المحلى الإجمالى ظل العطاء الخيرى كما هو تقريبًا لمدة 40 عامًا.
16 مليون أمريكى استفادوا من بنوك الطعام فى 2017
وعلى الرغم من أن مشكلة الفقر فى أمريكا تثير خلافات عميقة، إلا أن كل خبير تقريباً فى هذا الموضوع يوافق على أن المخرج المثالى هو العمل المستقر والمستمر ذى الأجور الجيدة وليس الاعتماد الدائم على الدعم العام.
ويمثل البالغين فى سن العمل أغلبية أقل بين الفقراء بسبب التمثيل الزائد للأطفال ومن بين هؤلاء حوالى %20 معاقين جسدياً وتعمل الغالبية بالفعل أو يذهبون إلى المدرسة بدوام كامل، لكن المشكلة هى أنهم يعملون ساعات قليلة جداً أو أن أجورهم منخفضة للغاية، وبالنسبة لهذه المجموعة، فإن البديل هو عدم الحصول على وظيفة، ولكن الحصول على وظيفة سيئة أفضل بالنسبة لهم.
وبالنسبة للعمال ذوى المهارات المتدنية وذوى المؤهلات التعليمية المحدودة حتى فى ظل ظروف سوق العمل الحالية الضيقة تكون فرص التقدم محدودة والمشكلة الأخرى هى أن الأماكن الفقيرة باستمرار لديها القطاع الخاص ضعيف ويفتقر إلى مثل هذه الوظائف ومنها بلدة باين ريدج الرئيسية وهى محمية أمريكية أصلية فى ساوث داكوتا ووفقًا لبعض المقاييس تعتبر هى أفقر مكان فى البلاد وبالكاد يكون القطاع الخاص فيها عبارة عن بضع محطات بنزين فقط، وغالباً ما يتم تمويل الوظائف الجيدة القليلة الموجودة فى القطاع العام سواء فى المكاتب الحكومية المحلية أو فى المدارس أو المستشفيات أو السجون.
ولقد أراد صانعو السياسة منذ فترة طويلة استخدام الدولارات العامة لبدء الاستثمار الخاص فى المناطق الفقيرة، لكن هذا الأمر سجل خيبات أمل من هذه البرامج باستمرار.
ولم تجد معظم تقييمات المتابعة لاستراتيجية «مناطق المؤسسات» التى تم إنشاؤها فى الثمانينيات لتوفير اعتمادات ضريبية للشركات فى المناطق التى تعانى من الفقر الشديد أى نمو فى فرص العمل أو الحد من الفقر، ولكن حدث ارتفاع فى أسعار المنازل.
4600 دولار تكلفة سنوية لرعاية طفل الابتدائى
ويبدو أن استراتيجية «مناطق الفرص» وهى أحدث تكرار لسياسة قائمة على المكان وقعتها إدارة ترامب وفق قانون خاص بها، متجهة إلى مصير مماثل.
ويوجد القليل من الرقابة على المناطق المؤهلة للحصول على حوافز ضريبية وليس هناك خطة لتتبع النتائج بشكل منتظم، ما يعنى أن نتائج جهود مكافحة الفقر من خلال هذه الاستثمارات قد تكون ضئيلة.
ويبدو أن برامج إعادة التدريب الممولة من الحكومة الفيدرالية للعمال المشردين لم تحقق سوى القليل أيضاً على الرغم من أن بعض الاقتصاديين يجادلون بأن ذلك لم يتم تمويله بشكل صحيح، ومن سلبيات البرامج الفيدرالية التى تمول وفق قانون الاستثمار فى القوى العاملة، المطبق فى الفترة من 1998 إلى 2014، والذى أدى فى الواقع إلى تخفيض دخل العمال البالغين النازحين.
وكان لسلفه قانون شراكة التدريب على العمل عوائد ضعيفة بالمثل ومن العجيب أن الإصدار الحالى وهو قانون ابتكار القوى العاملة وفرصها لديه تمويل أقل وهو نفس النموذج الأساسى دون تغيير.
من جهة ثانية تعكس النتائج المختلطة اتجاهاً عاماً فى أبحاث الفقر ومع تقدم الناس فى السن يصبح من الصعب التمييز بين السياسات الأفضل ويصبح أيضاً أكثر تكلفة للإصلاح.
وتعد الجهود الخاصة سواء أكانت إنسانية أو برامج إعادة التدريب أكثر فعالية ومفيدة للغاية عندما تظهر مناهج مبتكرة للحد من الفقر والتى يمكن بعد ذلك دعمها بأموال الحكومة ويمكن أن يساعد هذا فى تجنب مشكلة واحدة من الاعتماد على الأعمال الخيرية وحدها فالمؤسسات الجيدة تركز على محنة المدن فقط وليس حتى المدن الصغيرة.