سلاسل الإمدادات معرضة للخطر والأزمة تدق ناقوس قطاع صناعة السيارات
خلال العام الماضى، كان قادة الأعمال وصانعو السياسة فى أوروبا الوسطى يتساءلون عن المدة التى يستطيعون فيها تحدى التباطؤ المحيط بهم.
ظلت اقتصادات المنطقة فى السنوات القليلة الماضية فى قبضة طفرة مستدامة مدفوعة بمزيج من أسعار الفائدة المنخفضة وارتفاع الإنفاق الاستهلاكى والانتعاش في منطقة اليورو، ولكن منذ الخريف الماضى، كانت ألمانيا الشريك التجارى الأكبر لكثير من دول أوروبا الوسطى تتجه نحو الركود ولذلك يخشى الكثيرون من حدوث تأثير غير مباشر.
وقال وزير المالية المجرى ميهالى فارغا، في مؤتمر عقد مؤخراً لتعزيز الاستثمار فى بلاده “هناك مقولة شائعة تفيد بأنه إذا عطست ألمانيا، فإن الدول الأصغر المجاورة تصاب بالزكام، وهذا صحيح”، وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، أن اندماج اقتصادات أوروبا الوسطى مع ألمانيا كان أحد العوامل الرئيسية فى النمو السريع فى المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية.
وعلى الرغم من تميزها بقوة عمل ماهرة، إلا أنها رخيصة نسبيًا، حيث يتدفق رواد صناعة السيارات وتجار التجزئة والبنوك والمصنعون من ألمانيا وأقاموا آلاف المصانع والمكاتب للمساعدة فى ملء دفاتر طلبات الشركات المحلية، وكانت النتيجة أن دول مثل بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك جميعها ترسل ما بين 20 و30% من صادراتها إلى ألمانيا، لكن فى الوقت الذى حقق فيه كل منها نمواً قوياً فى عام 2018 يقول قادة الأعمال، إن التباطؤ في أكبر اقتصاد فى الاتحاد الأوروبى بدأ ينتشر عبر سلاسل التوريد.
وقال المحللون، إن الأمر يحتاج إلى سنوات قليلة حتى ينتشر التباطؤ الألمانى فى وسط وشرق أوروبا ويشعر قادة الصناعة الآن بتأثيره، وأوضح فارغا، إنه ينبغى التركيز على تجنب مصيدة الدخل المتوسط، حيث انتهى وقت القوى العاملة الرخيصة ويجب إيجاد برنامج يمكن أن يساعد ويدعم قطاعات القيمة المضافة.
وقال ميشال كروبنسكى، الرئيس التنفيذي لبنك “بيكاو”، ثالث أكبر بنك فى بولندا منذ 3 أشهر لم نر التباطؤ، لكنك الآن ترى ذلك فى البيانات، وعندما نتحدث مع العملاء فإنهم بالفعل يرون ذلك ويزداد تباطؤ الطلب ومخزونات السلع غير المباعة ترتفع”.
وأوضح ريتشارد يانكوفيتس، المدير الإدارى “جانكوفيتس” وهى شركة تصنيع أسطوانات هيدروليكية توظف 13 ألف شخص فى مصنعها أن التباطؤ يمكن رؤيته رغم أن شركته لم نشعر به بعد، وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن صناعة السيارات كانت حجر الأساس الاقتصادى للعلاقة بين غرب ووسط أوروبا.
وعلى مدار الـ30 عامًا الماضية، فتحت مجموعات مثل “فولكس فاجن” و”أودى” و”ديملر” و”بى إم دبليو” شبكة من المصانع فى جميع أنحاء المنطقة وحولتها إلى واحدة من أهم المراكز العالمية فى هذا المجال.
لكن مع تعرض شركات صناعة السيارات لخطر خاص بسبب الركود الذى يعصف بالتجارة العالمية وعدم اليقين المحيط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، أفاد الاقتصاديون بأن القطاع من المحتمل أن يكون أحد القنوات الرئيسية التى يتسرب من خلالها التباطؤ الألمانى شرقًا وجنوبًا.
وقالت كاترينا موتشوفا، الخبيرة الاقتصادية فى “سلوفينسكا سبورتيلينا”: “إذا نظرنا إلى الأرقام الصناعية هذا العام فإن التباطؤ الألمانى هو العامل الأكبر فى التباطؤ في سلوفاكيا”، وأضافت “يعد قطاع السيارات هو القطاع الرئيسى المتضرر، ولكن هناك أيضًا قطاع التوريدات”.
يأتى التباطؤ الاقتصادى الألمانى فى الوقت الذي تواجه فيه أوروبا الوسطى مزيجاً من الرياح المعاكسة الأخرى، حيث بدأت أزمة العمالة فى الانتشار فى جميع أنحاء المنطقة ومن المرجح أن تحصل الاقتصادات على مساعدة من أموال الاتحاد الأوروبى فى الميزانية المقبلة.
وأوضح أندراس فيرتس، رئيس “جيه كيه آى” الاستشارية إن المنطقة شهدت في السنوات السابقة “وضعًا رائعًا” بسبب أموال الاتحاد الأوروبى والنمو العالمى وارتفاع الأجور الذى يسمح بزيادة الاستهلاك ولكن تغير كل شىء فى الوقت الحال، ويتزامن التباطؤ مع نقاش أوسع نطاقاً فى أوروبا الوسطى حول كيف يمكن لاقتصاديات المنطقة أن تتخطى نموذج توفير العمالة الرخيصة للمستثمرين الأجانب الذين ساهموا فى نمو الـ30 عاماً الماضية.
وفى محاولة لدعم هذا التحول، أعلن وزير خارجية المجر بيتر زيجارتو، مؤخراً أن حكومته ستبدأ في تقديم إعانات نقدية لاستثمارات القطاع الخاص حتى لو لم تخلق وظائف جديدة طالما تركزعلى الابتكار، لكن بالإضافة إلى الارتقاء بسلسلة القيمة أفاد الاقتصاديون، بأن المنطقة يمكنها أيضًا تعزيز قدرتها على مواجهة الصدمات الخارجية من خلال إيجاد شركاء تجاريين جدد ومصادر استثمارية تكمل شركاء ألمانيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا هو ما يحدث بالفعل، ففى النصف الأول من عام 2019 ولأول مرة تفوقت كوريا الجنوبية على ألمانيا كأكبر مستثمر أجنبى فى البلاد، ومع ذلك، يقول قادة الأعمال إنه لايزال هناك مجال أمام الشركات فى المنطقة لفعل المزيد.