أصدر “مرصد العمران” تقريراً بعنوان “من يبنى الإسكان فى مصر؟ – حقائق حجم البناء غير الرسمى” ضمن سلسلة من المقالات الخاصة بقانون التصالح فى بعض مخالفات البناء.
وقال التقرير إن السوق المصرى يشهد بناء مليون وحدة سكنية سنوياً موزعة على القطاع غير الرسمى والقطاع الخاص والقطاع العام.
ورصد التقرير استحواذ القطاع غير الرسمى على نسبة 77% من الوحدات السكنية المنفذة خلال العشر سنوات الماضية مقابل 15% للقطاع الخاص و8% للقطاع العام.
وقال المهندس يحيى شوكت الباحث العمرانى وكاتب التقرير إن قانون التصالح فى بعض مخالفات البناء من المتوقع أن يكون له أثر كبير على عمران ومساكن مصر حال تطبيقه بعد دخوله حيز التنفيذ فى شهر يونيو الماضى.
أضاف أن نحو مليون وحدة سكنية تبنى فى مصر كل عام، وهو عدد ضخم مقارنة بمعدل الزيادة السكانية، ومنذ خمسينيات القرن الماضى تتشارك ثلاثة قطاعات رئيسية فى بناء المساكن وتضم القطاع الخاص غير الرسمى، والذى يقوم بالبناء بدون ترخيص، والقطاع الخاص الرسمى، أى البناء بعد إصدار رخصة، والقطاع العام الذى يمثله عدة هيئات وأجهزة وشركات تابعة لجهات حكومية.
أوضح شوكت أن القطاع الخاص غير الرسمى، يضم قطاعًا واسعًا من فقراء وأغنياء مصر، ما بين أهالى ومستثمرين، صغار وكبارى وخلال العقد الماضى استحوذ هذا القطاع على 77% من الوحدات السكنية التى تم بناؤها، مقابل 15% للقطاع الخاص الرسمى والذى يضم الأفراد حتى كبرى شركات التطوير العقارى وحاز القطاع العام على المركز الثالث بنحو 8% من إنتاج المساكن، والتى من بينها الإسكان الاجتماعى المدعَّم، بالإضافة إلى آلاف الوحدات التابعة لمشاريع استثمارية.
وتابع “يمكن قياس حجم الإسكان حتى وإن كان أغلبيته غير رسمى وذلك عبر ما يحصى بشكل سنوى من خلال الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ويضم أعداد الوحدات السكنية التى يقوم ببنائها القطاع الخاص الرسمى والقطاع العام ولكن لا توجد بيانات رسمية عن القطاع الخاص غير الرسمى، ولكن يقدر جهاز التفتيش الفنى على أعمال البناء، التابع لوزارة الإسكان، أعداد المبانى التى بنيت بطريقة غير رسمية ومخالفة للقانون بنحو ثلاثة ملايين عقار منذ سنة 2000 وهو ما يمثل عددًا غير واضح من الوحدات السكنية، ولكنه يقدر بعدة ملايين، حيث يحتوى كل عقار على ثلاث أو أربع وحدات سكنية على أقل تقدير”.
وقال شوكت “هذه البيانات استندت إلى تجميع المحاضر التى حررت لعمليات البناء المخالفة من قبل السلطات الإدارية، ولكنها لعقارات وليس لوحدات، وربما عدد منها للعقار نفسه، كما أنها لفترة زمنية طويلة وغير متوفرة على مستوى سنوى ولكن توجد بيانات أخرى يمكن استخدامها لمعرفة حجم القطاع الخاص غير الرسمى فوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة تعلن إحصاءات المشتركين للأغراض المنزلية كل عام ومن خلال مقارنة زيادة أعداد المشتركين من عام إلى آخر، يمكن إظهار إجمالى أعداد الوحدات السكنية الجديدة التى تم إضافتها مع خصم عدد الوحدات التى بناها القطاعين الخاص الرسمى والعام من هذه الأعداد، يتبقى ما بناه القطاع الخاص غير الرسمى”.
أضاف أن فى الفترة من 2007 – 2008 وحتى 2017 – 2018 شيدت 10.7 مليون وحدة منها 8.2 مليون وحدة من قبل القطاع الخاص غير الرسمى و1.5 مليون وحدة من قبل القطاع الخاص الرسمى، و858 ألف وحدة قامت ببنائها الحكومة.
وتابع شوكت “إذا ركزنا على النسب فقط، فيتضح لنا أن الأغلبية العظمى من عملية الإسكان يقوم بها القطاع الخاص غير الرسمى وبشكل منتظم حيث لم ينخفض عن ثلثى البناء، سوى فى عام 2014 – 2015 واستحوذ على 90% من الوحدات فى 2012 – 2013 وفى المقابل تراوح إنتاج القطاع الخاص الرسمى إلى ما بين 6% فقط من الوحدات، و20%، بمتوسط 15% خلال فترة الدراسة وتراوح إنتاج القطاع العام بين 2.3% و21% بمتوسط 8%”.
أوضح شوكت أن عدة أسباب وراء تصنيف العقارات على أنها غير رسمية أو مخالفة منها التجاهل الرسمى للبناء الذاتى ورغم تعود المصريين على بناء مساكنهم بأنفسهم فيما يسمى بالإنتاج الاجتماعى للمسكن خاصة فى الريف والذى يسكنه أكثر من نصف السكان فإن الحكومة لا تشجع هذا النمط من البناء فتعد الأراضى المخصصة والمقسمة رسميًّا للبناء نادرة، كما أن معدل تخصيص الحكومة لأراضى رسمية فى المدن الجديدة يقل بنحو الربع عن معدَّل تبوير الأراضى الزراعية وأقل أراضى هيئة المجتمعات العمرانية تكلفة، تظل خارج إمكانيات الفقراء ومحدودى الدخل.
وأشار إلى عدم واقعية قوانين البناء رغم سن الدولة المئات من التشريعات العمرانية خلال نصف القرن الماضى والتى رسمت موادها الأرض والعمران وعملية البناء بشكل مُفصَّل، ونصَّت على عقوبات بالسجن وغرامات تم تغليظها عبر السنوات لتردع من يخالف هذه المثالية، فقد قامت الدولة أيضًا بوقف العمل بها من خلال قوانين استثنائية للتصالح مع ما رصدته من مخالفات للقوانين الأساسية، والتي كانت غير واقعية التطبيق.
القطاع الخاص غير الرسمى استحوذ على 77% من الوحدات خلال العشر سنوات الماضية
وتابع “حتى من رغبوا فى البناء حسب قوانين البناء واستخراج التراخيص اللازمة وجدوا أنفسهم أمام رحلة غير مضمونة العواقب من حيث المُنتَج النهائى أو التكاليف المادية والمعنوية وهى عملية أدت إلى نشوء بيئة خصبة للفساد فى المحليات عن طريق شبكات من العلاقات التى تتعامل مع الملاك المتقدمين للحصول على تراخيص فى مقابل أتعاب تدفع بعيدًا عن القانون من أجل تسهيل الإجراءات”.
وقال إنه خلال العقدين الأخيرين تفاقمت ظاهرة تغيير نشاط مساحات من الأراضى التى خُصصت من الأصل للاستصلاح على جانبى عدد من الطرق الصحراوية، أشهرها طريقا القاهرة الإسكندرية والقاهرة الإسماعيلية الصحراويين بينما سمحت قرارات التخصيص الأصلية بالبناء على 2.5%من مساحة الأرض كحد أقصى للإنشاءات الخاصة بنشاط الزراعة، والتى تم زيادتها فى بعض الأحوال إلى 7%، نظرًا إلى قرب هذه الأراضي من المدينة، وعدم جدوى زراعتها فى بعض الأحيان، وانخفاض سعرها بشكل كبير بالمقارنة بالأراضى المخصصة للبناء في المدن الجديدة، وتحول العديد منها إلى منتجعات من الفيلات الفارهة والبعض منها ظل محترمًا النسبة البنائية، ولكن دون زراعة جادة، والبعض الآخر تعدى هذه النسبة بأضعاف.
أضاف أن الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية وهى الجهة التابعة لوزارة الزراعة والتى قامت بتخصيص أراضى الاستصلاح، استهدفت 67 مليار جنيه من مخالفات تغيير النشاط على أراضيها، ولكن حتى عام 2016 حصلت فقط 204 ملايين جنيه منها لامتناع كبار المُلاك عن تسديد الغرامات أو بيع الأراضى لمُلاك آخرين اعترضوا على سداد مخالفات عن أعمال لم ينفذوها.