قدم آيداى تومر، زميل معهد بروكنجز لاستراتيجيات تخطيط المدن، إفادة للكونجرس فى تقرير تحت عنوان “البنية التحتية الأمريكية.. فجوات اليوم وفرص الغد والحاجة إلى استثمارات فيدرالية”، وفى البداية شدد على أهمية معالجة هذا الموضوع المهم فى إطار رسم مستقبل البنية التحتية الأمريكية، وأطر السياسة الفيدرالية التى تدير وتستثمر فى هذه الشبكات.
وقال “تومر” فى كلمته: “يوجد إجماع متزايد حول الحاجة إلى دعم تطوير البنية التحتية من خلال عمل الكونجرس المؤسسى، وهذا تطور مهم؛ حيث تعد البنية التحتية عنصراً أساسياً فى تمكين النمو الاقتصادى سواء كانت بمثابة منصة للابتكار الصناعى، أو تعزيز الفرص الاجتماعية والاتصال، أو حماية البيئة الطبيعية، وببساطة، فإنَّ سياسات البنية التحتية الفعالة هى التى تقود النجاح الوطنى”.
وأضاف أنه فى خضم هذه الدعوات لإصلاح البنية التحتية، يواجه الكونجرس فرصة لمرة واحدة كل جيل لتشكيل مستقبل البلد على الأرض، على حد قول البروفيسور الأمريكى، مشيراً إلى أنه للقيام بذلك، يجب أن يسأل المسئولون أنفسهم: كيف يبدو الإصلاح الحقيقى؟ وما النتائج التى ينبغى أن نأمل فى تحقيقها؟
وقال إنه يقدر بكل احترام الإجابة الأساسية المعروفة، وهى “إنفاق المزيد”، لكن لا يمكن أن تكون كذلك فى الوقت الراهن، فصحيح أن بعض أنظمة البنية التحتية الخاصة بالولايات المتحدة تتطلب توسعات فى القدرات وتحديثات كبيرة، لكن المبلغ الذى ينفق على البنية التحتية يجب ألا يكون السبب الرئيسى لتحفيز الإصلاح، ولا يمكن اعتبار إنفاق البنية التحتية من الموازنة الفيدرالية نتيجة طبيعية للنجاح الاقتصادى أو الاجتماعى أو البيئى، فالإنفاق ليس نتيجة تستحق الإشادة بل هو وسيلة.
وطالب “تومر” بسن إصلاح حقيقى بداية من الاستعداد لإعادة النظر فى الأهداف الأساسية التى يأمل صانعو القرار فى تحقيقها، وإجراء تقييم صادق لما إذا كانت أطر السياسة الحالية تشترك فى هذه الأهداف.
وأوضح أن الخبراء السابقين استجابوا عند وضع الأطر القديمة لتحديات عصرهم؛ مثل توصيل المدن عبر خطوط الولاية، وتقديم خدمة الهاتف والكابلات، ووقف الطرق القديمة للتخلص من مياه الصرف.
وأكد أن تلك الأطر لم تكن مصممة أبداً للتصدى لتحديات اليوم، وهى أقصى درجات عدم المساواة فى الدخل والثروة منذ العصر الذهبى للاقتصاد الأمريكى؛ حيث تحول النطاق العريض للاتصالات إلى منصة اقتصادية واسعة النطاق، وكذلك الضغوط الوجودية؛ بسبب التغير المناخى.
ويرى “تومر”، أن البلد يحتاج إلى إصلاح البنية التحتية الفيدرالية؛ لأنه حان الوقت لتطوير وسن أطر جديدة تستجيب لتحديات اليوم إذا كان هناك رغبة فى زيادة القيمة العائدة من شبكات البنية التحتية التى جرى بناؤها بالفعل، وتحديد أولوياتها بشكل استراتيجى للشبكات التى سيجرى إنشاؤها فى المستقبل.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى الهروب من تبعيات المسار الذى وضعته لنفسها، وتبنى مجموعة جديدة من الاقتصاديات والاستراتيجيات الاجتماعية والأهداف البيئية، كما يجب أن تكون على استعداد للتشكيك فى مدى صلاحية أطر عملها الحالية القصيرة والطويلة الأجل، وأن تكون مستعدة للبدء من نقطة الصفر إذا لزم الأمر.
“أطر منتهية الصلاحية”
وفقاً لتقرير “تومر”، يمكن رؤية أدلة على عصر صناعى رقمى جديد فى جميع أنحاء البلاد؛ حيث تتحول الشركات بسرعة إلى آلات ومعدات حوسبة جديدة، بما فى ذلك أشكال مبتكرة من الذكاء الاصطناعى نجحت فى الوصول إلى مرحلة الممارسة التجارية.
وتعمل القوة العاملة الأمريكية على مواكبة الرقمنة بالسرعة نفسها، واكتسبت مجموعة جديدة من المهارات للوفاء بمجموعة متزايدة من التعقيدات فى المهن المختلفة، وتحولت حياتنا اليومية الآن إلى الحركة فوق منصات رقمية بداية من الاتصالات إلى التسوق، وصولاً إلى الترفيه، ومع تسارع هذا التحول الرقمى، لا تزال أطر البنية التحتية الفيدرالية الحالية مصممة للاستجابة لتحديات عصر فائت.
وتمثل أطر النقل على سبيل المثال فى الولايات المتحدة تراثاً لعصر يركز على تشييد الوصلات بين المدن باستخدام أحدث التقنيات فى القرن العشرين، فيما قضى الكونجرس ما يقرب من عقدين من الزمن فى تصميم إطار من شأنه أن يجلب طرقاً سريعة محدودة الوصول فى كل ركن من أركان البلاد.
وعلى مدار 6 عقود من قانون الطرق الفيدرالى الخاص بالمساعدات الفيدرالية لعام 1956، يتحمل نظام الطرق السريعة الوطنى الآن 55% من جميع أميال السيارة التى سافرت، والتى لا تزيد أصلاً على 9% فقط من جميع مسافات السفر الوطنية، والسبب طفرة قطاع الطيران الداخلى.
وأدى الابتكار السريع فى قطاع الطيران إلى تصميم نظام مراقبة الحركة الجوية الوطنى، الذى شجع على السفر الآمن والمتكرر بين المطارات المحلية، ونتيجة ذلك، ازدهر قطاع الطيران الأمريكى.
وتشير البيانات إلى أنه منذ عام 1975 إلى عام 2017 زاد عدد المسافرين فى مجال الطيران التجارى الداخلى بمعدل 6 أضعاف نمو السكان.
وبينما كانت أمريكا تتجه بسرعة إلى ضواحى المدن بفضل التوسع فى إنفاق الدولارات على إنشاء الطرق السريعة، انتشرت ظاهرة امتلاك الأسر للسيارات؛ كى يتمكنوا من السفر يومياً من ضاحيتهم إلى قلب المدينة حيث عملهم، ويفضل أولئك السكان العيش فى الضواحى؛ نظراً إلى السعر المناسب للمنازل الخاصة بأسرة واحدة.
البنية الرقمية تحتاج إلى عمالة عالية المهارة لمواكبة التكنولوجيا
وبدأت الحكومة الفيدرالية فى دعم استثمارات النقل العابر واسعة النطاق، بدءاً من ولايتى أتلانتا، وسان فرانسيسكو، وصولاً إلى واشنطن العاصمة التى تستخدم فى المقام الأول لربط الضواحى بالمدن.
وجلب القرن العشرون، أيضاً، نوعاً جديداً من انعدام الأمن المناخى والتلوث الغالب لموارد أمريكا المائية.
واستجابة لذلك، أقر الكونجرس قوانين المياه النظيفة ومياه الشرب المأمونة لحماية وتحسين الجودة البيئية لأنظمة المياه وحفَّز الاستثمار فى البنية التحتية للمياه المحلية وبحلول عام 1976، تجاوزت مخصصات برنامج المنح السنوية 30 مليار دولار مع الأخذ فى الاعتبار شروط حساب عامل التضخم.
ومع ذلك، تم التخلص التدريجى من برامج منح البناء الخاصة بالمياه النظيفة فى الثمانينيات والتى تم استبدالها ليحل محلها صناديق القروض الدوارة، ولم يكن يوجد فى التسعينيات من القرن الماضى، الدعم الفيدرالى الكبير لمياه الشرب، وانخفض معها مخصصات الاستثمار وانتقل هذا التراجع بشكل متزايد فى الولايات ومحليات المدن.
ولكن من المهم، أيضاً، النظر فى فرص البنية التحتية الضائعة التى لم تتصد لها سياسات القرن العشرين لتحقيق الاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن.
أولاً:
كانت الرقمنة لا تزال خيالاً تقنياً مستقبلياً فى القرن العشرين، وكان من الصعب على صانعى السياسة فى منتصف القرن أن يتنبأوا بالحجم الكبير للبيانات الرقمية فى عالم اليوم وصعودها اللوغاريتمى من حيث الإنشاء والتوزيع.
ومع ذلك، تركز بنية سياسة الاتصالات فى المقام الأول على تقديم خدمة الهاتف والتلفزيون للأسر والأعمال، ونتيجة لذلك ترسخ نهج خليط لسياسة النطاق العريض دون الحاجة الواضحة إلى دور الحكومة الفيدرالية فى إعداد العمال لمستقبل رقمى أو كيفية ضمان قدرة كل أسرة على استخدام اتصال النطاق العريض الشخصى واستغلاله بشكل جيد.
ثانياً:
لا تعمل السياسات الفيدرالية الحالية بشكل متسق أو استباقى لتوسيع نطاق استغلال الفرص بالكامل والتى يمكن أن توفرها القوى العاملة فى البنية التحتية، فعلى مدى أجيال استخدم السياسيون وظائف قطاع البناء كوسيلة لجذب الدعم لفواتير البنية التحتية، بما فى ذلك الرئيس جورج بوش الأب.
ودعم بوش قانون كفاءة النقل السطحى المتعدد الوسائط لعام 1991 كما دعم الرئيس باراك أوباما قانون الانتعاش وإعادة الاستثمار الأمريكى لعام 2009، ومع ذلك يوجد 77% من العاملين فى البنية التحتية يعملون فى وظائف طويلة الأجل تتعلق بالتشغيل والإدارة والتحكم.
ولا تزال هناك فرصة لتجنيد ملايين العمال وتدريبهم والاحتفاظ بهم كجزء من استراتيجية قطاعية شاملة تهدف إلى دعم المسارات الوظيفية فى أنشطة البنية التحتية التى توفر رواتب تنافسية بالإضافة إلى نقل المهارات لأجيال جديدة.
أخيراً:
لا تعكس سياسات البنية التحتية اليوم حجم متطلبات المناخ الملزمة فبينما توضح الأخبار السنوية مدى التغير المناخى المدمر الذى سيحدث لكل مجتمع فى جميع أنحاء الولايات المتحدة، فإن أطر السياسة الحالية إما تتبنى نهجاً قديماً أو لا توجد أصلا سياسة موضوعة.
وعلى سبيل المثال، يواصل برنامج تخفيف الازدحام وجودة الهواء، أحد أكبر برامج النقل البرى، تمويل توسعات الطرق السريعة، وبالمثل، لا يزال هناك القليل من الإرشادات للحكومات المحلية التى قد ترغب فى تمويل بنية تحتية أكثر مرونة لإدارة مخاوف الفيضانات وغيرها من المخاوف المتعلقة بالمياه الناجمة عن العواصف، وهذان مثالان موجزان فقط.
وبالاختصار، فإن أسس أطر السياسة المتوفرة حالياً فى أمريكا والتى صممت قبل عقود باتت قديمة ولأن أسسها كانت تهدف إلى متابعة مجموعة مختلفة من الأهداف، فقد عفا عليها الزمن أيضاً.
ولوضع البلاد على طريق التنافسية الصناعية، والفرص العادلة، والأمن المناخى، تحتاج البلاد إلى مجموعة منقحة من أطر سياسة البنية التحتية، التى تعمل مباشرة لدعم الأهداف الوطنية للقرن الحادى والعشرين.
“النتائج والاحتياجات”
فى كثير من الأحيان، تركز مناقشات البنية الأساسية بشكل ضيق على قيود أنظمة البنية التحتية المحددة مثل الطرق السريعة المزدحمة وانقطاع المياه الرئيسى وسرعات النطاق العريض البطيئة.
وفى حين أن هذه التحديات حقيقية وتستحق الاهتمام، فإن معالجتها لا تعكس بالضرورة أهداف شبكات البنية التحتية لأنها ليست غاية فى حد ذاتها حيث يجب أن تخدم مشروعاتها مجموعة أوسع من النتائج المشتركة.
ونظراً لأن واشنطن تبحث عن مقاربة جديدة لسياسة البنية التحتية فينبغى على الحكومة الفيدرالية أن تبدأ بتحديد النتائج الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التى تريد أن تعالجها عبر تلك الأطر.
ومن الناحية الوجودية، ليست هناك حاجة ملحة أكثر من معالجة انعدام الأمن المناخى وتصف وزارة الدفاع التغير المناخى بأنه تهديد أمنى كبير يواجه البلاد، وتواصل قيادة الوزارة إصدار هذا الإعلان خلال فترة من عدم الاستقرار السياسى العالمى.
وليس من الصعب فهم السبب، لأن الجيمع يشاهد بالفعل المزيد من الفيضانات المتكررة فى المناطق الساحلية والداخلية والعواصف الشديدة والجفاف والمزيد من ارتفاع درجة حرارة الأرض فى كل مكان تقريباً وهذه هى المؤشرات الرئيسية لعدم استقرار المناخ فى البلاد كما يقول البروفيسور “تومر”.
ويمكن ربط الكثير من هذه المخاطر بنظام النقل الأمريكى حيث لا تزال مستويات التلوث فى ارتفاع والآن هو مسئول عن 29% من انبعاثات الغازات الحرارية محلياً.
وأصبح انعدام الأمن المناخى بسرعة هو المأساة النهائية على كافة الاصعدة حيث تضيف الخصائص المتعلقة بحركة الأفراد وحياتهم إلى حد كبير عوامل خطر إضافية، فالحكومة الفيدرالية فى وضع فريد يسمح لها باستيعاب كل هذه التكاليف وإعادة توجيه السلوك بطرق مناسبة للتغير المناخى، ويشمل ذلك بالتأكيد السعى الحثيث لتوليد طاقة أنظف واستهلاك الوقود الأنظف من قبل الأسر وهى مجالات تتواصل فيها بالفعل جهود كبيرة.
ويجب أيضاً إضافة استخدام الأرض إلى تلك القائمة، نظراً لأن اهتمام إحدى المناطق المحلية بتطوير مساحة مفتوحة يمكن أن يؤثر سلباً على مساحة جغرافية أكبر بكثير.
وتظهر البيانات الأمريكية هذا الأمر، حيث انخفض متوسط الكثافة السكانية فى الأحياء الحضرية فعليا فى وقت النمو السكانى الإجمالى وتعد إدارة مساحة الأرض الطبيعية التى يجري تحويلها إلى بيئة سكنية مبنية ضرورية لإدارة تأثيرات المناخ.
ويرى “تومر” أن عدم المساواة فى الدخل والثروة يمثل تهديداً كبيراً آخر للفرص الأمريكية، وبينما يتذكر العديد من الأجيال القديمة المكاسب الاقتصادية المشتركة فى حقبة ما بعد الحرب، فإن متوسط دخل الأسرة فقط تجاوز مستويات عام 1999 فى عام 2016، بناءاً على البيانات المعدلة حسب التضخم.
ويتركز بناء الثروة المترابط بشكل متزايد بين مجموعة مختارة فعلى سبيل المثال أعلى 1% من الأسر يسيطرون على 29% من الثروة أو أكثر بما يعادل نحو 25 تريليون دولار من ثروة الأسرة فى عام 2016، فى حين أن الطبقة المتوسطة كانت تملك فقط 18 تريليون دولار.
وهنا يجب الانتباه إلى أن إنفاق المستهلك ونتائج سوق العمل ومعدلات الإدخار ليست سوى جزء من الآثار التى تحدثها مثل هذه اللامساواة.
ويعتبر النمو الحقيقى فى الأجور المتوقف تقريباً والافتقار إلى شبكة أمان مالى يعنى أن العديد من الأسر تواجه واقعاً غير متكافئ الاستفادة فى البنية التحتية.
وتعد القدرة على تحمل تكاليف السكن تحدياً فى المناطق الحضرية بكافة أنواعها، وليس فقط مجموعة مختارة من المناطق الساحلية الكبيرة، وتكون أكثر وضوحاً بشكل خاص فى المدن المركزية.
وتحتل تكلفة النقل المرتبة الثانية فى المصاريف المنزلية بعد المسكن والسبب الأساسى هو تكلفة امتلاك المركبة.
ويعد ارتفاع الأسعار عقبة للحصول على خدمات المياه وخدمات الاتصال للنطاق العريض وهى من الخدمات الأساسية.
ولوضع هذه التحديات فى منظورها الصحيح يمكن النظر فى البيانات الرسمية التى تكشف أنه غالباً ما تتجاوز التكلفة الإجمالية للإسكان والنقل وخدمات البنية التحتية الأخرى الدخل بالكامل.
وتعد القدرة التنافسية الصناعية دائماً مصدر قلق وطنى، حيث يمكن للبنية التحتية إما إطلاق نمو الأعمال أو تقييده.
وكما هو الحال، فإن أطر النقل فى الولايات المتحدة تتوافق تماماً مع هذه الحاجة، حيث يوفر تمويل الطرق السريعة صيغة الوصول السريع للطرق إلى معظم الأماكن، ولكن فى جانب آخر، تنقص أطر العمل الحالية عنصر التكنولوجيا الرقمية وإكساب القوى العاملة المهارات التقنية. وللحفاظ على قدرتها التنافسية فى العصر الرقمى، تحتاج الصناعات الأمريكية للوصول إلى قوة عاملة عالية المهارة، وأمن رقمى حقيقى، وشبكات اتصالات سريعة وموثوقة.
ويجب أن يعالج إصلاح البنية التحتية الوطنية هذه العوامل الدافعة للتنافسية، ولا يزال هناك ملايين الأمريكيين الذين لا يتمتعون بمهارات رقمية أساسية، وليس لديهم إمكانية الوصول المباشر إلى أجهزة الحوسبة، وليس لديهم إمكانية وصول خاصة إلى اتصال واسع النطاق.
وسواء فى المجتمعات الريفية أو أحياء المدينة المركزية، لا يزال الكثير من الناس لا يملكون الوصول إلى النطاق العريض السلكى بالسرعة التى تتطلبها الأعمال الحديثة، مما يضع كل عمل فى وضع غير موات بهذه المناطق.
وأخيراً، يعد الاختلاف الاقتصادى الإقليمى والصحة المالية من التحديات الناشئة فى جميع أنحاء البلاد ويشبه إلى حد كبير عدم المساواة فى الأسرة، فقد شهد العقد الماضى أن المناطق الحضرية التى تضم نحو مليون من السكان تمثل 72% من نمو العمالة الوطنية، مما يشير إلى الزخم الاقتصادى المتزايد فى مجموعة صغيرة نسبياً من الأماكن.
29% من الثروة فى يد 1% من الأسر الأمريكية بنحو 25 تريليون دولار
وتوجد ظاهرة مماثلة داخل المجتمعات أيضاً، حتى فى المناطق الحضرية الأكثر ازدهاراً، حيث شهدت بعض المدن المستقلة والضواحى القديمة انخفاضاً فى عدد سكانها ومستوياتها الصناعية، وقد تشردوا بسبب النمو فى أماكن أخرى داخل منطقتهم الحضرية، وفى الوقت نفسه، ارتفع الإنفاق العام للبلديات بجميع أنحاء البلاد بوتيرة أسرع من نمو الإيرادات، وهو نمط ملئ بالمخاطر.
ويمكن أن تؤدى المجتمعات البطيئة والمتقلصة فى عواصم الولايات أو المدن الصغيرة إلى حلقة مفرغة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على البنية التحتية الأساسية.
وبدون قاعدة إيرادات مستقرة، يجب على القادة المحليين فى كثير من الأحيان اتخاذ قرارات صعبة، بما فى ذلك تأخر الصيانة أو إحداث تغييرات فى الخدمة أكثر حدة.
وتعد تجربة “فلينت الحديثة” فى مجال المياه مثالاً عملياً لهذه الظاهرة، حيث ساهم نقص مالى طويل الأجل فى فشل عام بمرفق المياه.
ويمكن أن يؤثر العجز المالى فى ولاية واحدة أيضاً على مناطق حضرية بأكملها، مثل تدهور الطرق المنكوبة وتعدد حفرها ما يسبب أضراراً فى المركبات لكل من يستخدم الطرق سواء من سكان الولاية أو ممن يمرون عليها.
وبصفة الحكومة المالك الرئيسى للبنية التحتية العامة بما فى ذلك معظم الطرق وسلطات المياه والمطارات والموانئ فمن مصلحة البلد مساعدة الحكومات المحلية للحفاظ على الخدمات المادية الأساسية.
ومما تقدم، يرى “تومر” أنه يجدر بالحكومة الفيدرالية عدم الاكتفاء بالنظر إلى النتائج أكثر من العوامل التحفيزية حول المناقشات السياسية الأخرى ومتابعة جودة البنية التحتية والجلوس وسط حركة المرور ومشاهدة العمل فﻻ محطة رئيسية للمياه.
وقد يكون من السهل التركيز بدقة على الأصول المادية نفسها لكن يجب أن ننظر إلى أبعد من تلك الإشارات البصرية.
“أهداف جديدة”
واصل البروفيسور “تومر” حديثه إلى لجنة الموازنة حول التخطيط لمستقبل سياسة البنية التحتية الفيدرالية مطالباً بالبدء فى التفكير بشكل خلاق.
وقال “يجب أن يكون الكونجرس على استعداد للبدء من نقطة الصفر على الأقل فيما يتعلق بالتصميم التشريعى والاحتفاظ فقط بالسياسات الحالية التى تستجيب مباشرة لمجموعة جديدة من الأهداف الحديثة”.
أضاف أن نطاق هذه الجلسة يتجاوز تحديد كل عنصر من عناصر حزمة إصلاح البنية التحتية الشاملة، إلا أنه يمكن تقديم عدد من الأفكار التطورية، حول مجموعة من الأهداف الوطنية الأوسع التى يجب على الحكومة الفيدرالية السعى لتحقيقها.
وبالرغم من أن الأفكار جديدة، لكن المفهوم مباشر ويدور حول المفاهيم المشتركة لإطلاق أساليب جديدة تماماً لوضع أطر سياسة البنية التحتية.
1- المرونة البيئية:
ضريبة قيمة الأراضى الوطنية ورسوم التأثير:
تقليدياً، تدير الحكومات المحلية استخدام الأراضى وتبقى الحكومة الفيدرالية فى المقام الأول بعيدة عنها ومع ذلك، فى عصر من انعدام الأمن المناخى وعدم المساواة فى الدخل وتغير المالية العامة، فإن الحكومة الفيدرالية لديها حجة قوية لاتخاذ نهج أكثر فعالية لاستخدام الأراضى فى المناطق الحضرية.
ويمكن أن تشكل ضريبة قيمة الأراضى ورسوم الضرائب الفيدرالية سياستين مزدوجتين لتوجيه استخدامات الأراضى بشكل مباشر نحو غايات أكثر مرونة، مع ميزة إضافية تتمثل فى تشجيع المزيد من الإسكان بأسعار معقولة وخيارات نقل أوسع واقل تكلفة.
ومن شأن رسوم الأثر الوطنى أن تحد من التطوير فى الحقول الخضراء وغيرها من المواقع منخفضة الكثافة، وتركيز التطوير فى الأماكن التى توجد فيها البنية التحتية بالفعل، وتعزيز القرب المادى منها بشكل فعال.
وفى الوقت نفسه، فإن ضريبة قيمة الأراضى من شأنها أن تحفز المزيد من التطوير فى الأماكن التى تتمتع باقتصادات مزدهرة، مما يؤدى فعلياً إلى زيادة كثافة الإسكان والكثافة التجارية فى الأماكن التى تحتاج إليها، وفى حين أن الضرائب ستوجه التنمية، فإن العائدات التى تجمعها يمكن إعادة استثمارها فى البنية التحتية لتشجيع الإصلاح الجيد والتوسعات المستهدفة.
المرونة داخل المناطق المهددة:
أدت الآثار المناخية الأخيرة إلى تكبد تكاليف مالية باهظة للمجتمعات دون وجود دفاعات كافية ضد الطقس غير المتوقع، ولتشجيع المزيد من الاستثمار المرن، يمكن للحكومة الفيدرالية إنشاء إطار مؤسسى جديد يحفز تقديم المشاريع البديلة وتمويلها مع زيادة الاستثمارات الإجمالية فى بنية تحتية أكثر مرونة.
وبدءاً من البنية التحتية لتصريف مياه العواصف، ينبغى أن تتعاون مختلف الوكالات الفيدرالية مع القطاع الخاص بما فى ذلك الممولين ووكالات التصنيف لتحديد المنافع البيئية والاقتصادية للبنية التحتية المرنة بشكل أفضل، وتطوير الفهم التقنى والقدرات حول أدوات التمويل الجديدة، وتحديد هيئات الإدارة المناسبة لتعزيز نطاق المشاركة.
وضع إطار شامل للمركبات الكهربائية:
بالنظر إلى دور النقل فى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، يوجد إجماع متزايد بين عامة الناس وصناع السيارات على أن كهربة المركبات ضرورية للتخفيف من أسوأ آثار تغير المناخ، ومع متوسط مسافة الرحلة التى تزيد عن 10 أميال، ستشعر العديد من العائلات بأنها عالقة فى سياراتها.
وبينما تقوم شركات صناعة السيارات بالفعل برسم مسار للعمل، يمكن للحكومة الفيدرالية اعتماد إطار عمل شامل لزيادة تسريع عملية التحول.
ويجب أن يشمل ذلك استثمار كبير فى البحث والتطوير المتعلقين بالبطاريات ومواد التصنيع بما فى ذلك تحمل مخاطر عالية وتقديم حوافز نقدية لشراء المركبات الكهربائية والتجارة القديمة فى المركبات، سواء بين الأسر والشركات خاصة مشغلى أساطيل النقل مع تطوير البنية التحتية العامة الواسعة للشحن الكهربائى وبرمجة القوى العاملة لموابكة قطاع النقل المتطور.
2- تحمل التكاليف:
البطاقة الوطنية لتعريف البنية التحتية:
تثبت البرامج الفيدرالية مثل برنامج المساعدة التغذوية التكميلية بالفعل قيمة استخدام نظام مركزى لنشر الفوائد لمن هم فى أمس الحاجة إليها، وبالمثل، فإن النقل والنطاق العريض والمرافق التقليدية لديها بالفعل خبرة فى استخدام أنظمة تحديد الهوية الشائعة، بدءاً من بطاقات النقل العامة إلى تحديد الائتمان لخدمة عملائها.
وسيكون البرنامج الوطنى لتحديد البنية التحتية وسيلة لتوحيد جميع خدمات البنية التحتية فى ظل نظام واحد للدفع المشترك، وهو تطور جارى فى مجموعة واسعة من البلدان.
ويمكن للنظام الجديد أن يساعد فى توزيع الفوائد التى تم اختبارها بالوسائل المختلفة، مما يسمح بالتسعير التدريجى وتتبع البيانات من قبل مقدمى البنية التحتية المحلية، كما يمكن استخدام تصميم يقوم على تجهيل الهوية أو الهوية المشفرة لترويج الثقة بين جميع السكان فى عصر المخاوف الأمنية وأمن البيانات، ويمكن لهذا النظام أيضاً الارتباط بخدمات أخرى بداية من المكتبات إلى الإسكان المدعوم.
برامج مساعدة العملاء:
لا ينبغى لأحد أن يفقد وظيفته أو يفشل فى إعالة أطفاله لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف خدمات البنية التحتية الأساسية، وباستخدام الدروس المستفادة من قطاع المياه وبرمجة مساعدة العملاء، يمكن للحكومة الفيدرالية أن تحدد وبشكل أفضل معدلات البنية التحتية المعقولة التكلفة حتى على المستوى الإقليمى.
وقد يؤدى ذلك إلى مزيد من استراتيجيات المساعدة المخصصة، بما فى ذلك اختبار القدرة على تحمل التكاليف عبر خدمات النقل والمياه والكهرباء والنطاق العريض.
وينبغى على لجنة الخبراء التى يعينها الكونجرس أو الرئيس تحديث معدلات المساعدة هذه بانتظام لتعزيز القدرة على تحمل التكاليف، وملاءة مقدمى الخدمات، والحصول على الفرص الاقتصادية الوطنية على نطاق واسع.
تسعير النقل:
كما هو الحال، تقدم وسائل النقل إشارات سعرية غير واضحة للمستهلكين وتستخدم تدفقات دخل منفصلة لتغطية النفقات العامة، وينطبق هذا بشكل خاص على القيادة، حيث لا توجد وسيلة لرصد تحركات الأسعار لتحديد الطلب فى ذروته على الطرق فى أى وقت معين.
ويتيح العصر الرقمى، وخاصة تكنولوجيا تحديد الموقع “GPS” والحوسبة المحمولة، تثبيت أسعار النقل الوطنية، ويمكن البدء بمجموعة محددة من قادة المركبات، وبالاقتران مع التحليلات السابقة، يمكن أن تؤدى القدرة على تقديم تسعير تم اختباره واستخدام العائدات لإعادة الاستثمار فى البدائل المشتركة إلى تقليل عبء تكلفة النقل على الأسر الأكثر حرماناً فى الولايات المتحدة مع تشجيع حركة المرور التى تتدفق مجاناً على الطرق ذات الطلب الأعلى.
3- التنافسية الاقتصادية:
شراكة قطاع البنية التحتية:
يتطلب إعداد العاملين فى المسارات الوظيفية طويلة الأجل للبنية التحتية تمويلاً إضافياً ومرونة ودعماً لفرص التعلم القائمة على العمل التى تتخطى قطاعات البنية التحتية المتعددة بالإضافة إلى التلمذة الصناعية وإنشاء أوراق اعتماد إضافية ذات طبيعة تراكمية للخبرات مع وضع استراتيجية وطنية جديدة وشبكة تضم شراكات قطاع البنية التحتية.
ويعتبر هدف إقامة روابط أقوى بين صاحب العمل والمنظمات التعليمية والمجتمع والعمالة حول قطاع البنية التحتية بالكامل أساسيات لتعزيز التنسيق البرنامجى ورسم خرائط أكثر شمولاً للمهارات.
وظهرت جهود مماثلة فى الماضى، بما فى ذلك الشبكة الوطنية للقوى العاملة للنقل من قبل وزارة النقل الأمريكية حيث وضعت برامج توجيهية بهذه الطريقة، ومع ذلك يجب أن تتضافر وكالات متعددة بداية من وكالة حماية البيئة إلى وزارة الزراعة إلى وزارة الطاقة لتبادل الخبرات وقيادة التحول فى هذه القضايا.
برنامج محو الأمية الرقمية والمهارات:
فى العصر الرقمى، ستكون المهارات الرقمية المشتركة بين جميع الأسر بمثابة سقف للإمكانات الاقتصادية للبلد، وللمساعدة فى معالجة الفجوة المستمرة فى محو الأمية الرقمية الأساسية، يجب على الحكومة الفيدرالية اعتماد مجموعة برامج للوصول إلى المناطق المعزولة رقمياً.
وهذه البرامج ستشمل التمويل المستمر للمنظمات غير الربحية المحلية الموثوقة لاستضافة فصول التدريب والدعم المالى لمعدات الحوسبة والتطوير النشط مع نظرائهم فى وزارتى التعليم والعمل لتطوير مناهج التعلم مدى الحياة.
إعداد المستوى الاقتصادى:
تميل الوكالات العامة المتعلقة ببيئة البناء بداية من النقل إلى استخدام الأراضى وصولاً للإسكان، إلى قياس الأداء بدقة من خلال عدسة خبرتها الثابت، ومع ذلك، لتحقيق درجة أكبر من الفطنة الاقتصادية لتلك الوكالات، فإنها تتطلب أنواعًا جديدة من الأطر لترجمة الأهداف الاقتصادية الوطنية والإقليمية إلى نمط جغرافى يقيس بالفعل الأداء البيئى للبناء فى المناطق المختلفة. وبناء على تجربة “بروكنجز التعاونية الحديثة” فى منطقة “بورتلاند – فانكوفر – هيلسبورو” توجد فرصة لبناء نهج قابل للتطوير لرسم خرائط للبيانات الاقتصادية المحلية والبيئية المحلية.
ويمكن لهذا النهج فى نهاية المطاف أن يطلع على استراتيجيات التنمية الاقتصادية الشاملة والتخطيط طويل المدى، وغيرها من المجالات مثل الإسكان وبرامج حوافز التمويل المحلية.
4- وكالة للتصميم:
إدارة بيئة المنشآت:
أى إصلاح للبنية التحتية الكبيرة لا ينبغى أن يعامل كتصميم ثابت وفى حين تتمتع الإدارات المعنية بكفاءة عالية سواء كانت وسائل النقل مختلفة أو حتى الإسكان فإن هناك حاجة لاتباع نموذج عالمى لدمج متعدد لهذه الإدارات فى شكل وكالة تسمى “إدارة البيئة المبنية” وتجمع بداخلها جميع المؤسسات والمرافق ذات الصلة لتنظيم الأنشطة فى الفروع التنفيذية على نطاق فيدرالى.
ويحافظ هذا النموذج على الخبرة الفنية المحددة لخدمة هياكل التوظيف الحالية داخل الإدارات لكن يستخدم مستوى إدارة أكثر تكاملاً لتعزيز القيم والأهداف المشتركة.
ويمثل خلال السنوات القليلة المقبلة إصلاح البنية التحتية فرصة عميقة لتشكيل المشهد المادى لأمريكا لعدة أجيال مقبلة، ولكن وببساطة يعنى إنفاق المزيد من الأموال دون إعادة النظر فى النتائج التى يجب تحقيقها والمزيد الفرصة الضائعة.
ويجب أن يرى الكونجرس تحديد النتائج الوطنية المشتركة كطريق للوفاء باحتياجات البنية التحتية وكفرصة تشتد الحاجة إليها لإعادة تعيين الطريقة التى يجرى التعامل بها مع البنية التحتية فى المقام الأول.
ومع الاعتراف بقوة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الهائلة لكن أمريكا لديها الموارد اللازمة للتصدى لها من خلال الالتزام المستمر بجهود الإصلاح والنهج المنفتح والموجه نحو تحقيق النتائج، ويمكن للكونجرس تقديم إصلاح البنية التحتية التى ستدعم البلاد بطريقة أكثر شمولية وتنافسية ومرونة فى العقود القادمة.