من يتعامل مع البورصة يعلم تمام العلم أنها مرآة الاقتصاد، كما يعلم تماماً أنها تتأثر بأية أحداث قائمة في الدولة أو حتى مجرد تناثر الأخبار، فالخبر الواحد كفيل بأن يجعل مؤشرات البورصة في ارتفاع ليحلق بها إلى قمة المؤشرات، والشائعة الواحدة كفيلة بأن تهدم كافة المؤشرات المرتبطة بالبورصة.
وفي إطار اتباع الدولة برنامج الإصلاح الاقتصادي فإن الأمر يتطلب تحقيق حرية السوق، بمعنى أن يتم إزالة العوائق أمام دخول أو خروج المستثمرين من السوق المحلية، وبالتالي يستهدف الانسحاب التدريجي للحكومة من إدارة الأنشطة الاقتصادية، لتركز على الجوانب التشريعية والرقابية المرتبطة بالأسواق، وذلك كي نضمن تحقق الكفاءة الاقتصادية، ليصبح دور البورصة في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي هو جذب المزيد من الاستثمارات سواء أكانت محلية أو أجنبية، ومن ثم إتاحة الفرص لخلق السيولة إذا ما رغب المستثمر في ترك السوق المحلية.
وفي إطار هذا التوجه يوجه المتربصون الانتقاد إلى مكانة شركات الجيش في الاقتصاد المصري، ليدعون هيمنتها، وهو ما يتنافى مع الحقيقة، نظراً لأن وجود الجيش كأداة الاقتصادية هو صمام أمان الاقتصاد المصري برمته، فالأمن الاقتصادي عنصر رئيسي من عناصر الأمن القومي، وبدونه تنهار الدولة بأكملها، فلا يمكن إنكار الدور الذي لعبته شركات الجيش المصري وإداراته المختلفة من خلال مساهمته في خروج الدولة من العديد من الأزمات الاقتصادية مثل كسره للعديد من أوجه الاحتكار السوقي ليحافظ على توازن السوق، وإذا ما اتسعت نظرتنا إلى ما خارج النطاق المصري فسنجد أن وجود الجيش في الأنشطة الاقتصادية هو أمر ليس ببدعة على الاقتصاد المصري، فهو أمر بديهي في العديد من دول العالم الكبرى منها قبل الصغرى، ليتم توجيه الكثير من الاستثمارات إليه ويستحوذ على مكانة مميزة في اقتصادات تلك الدول.
ليأتي تصريح السيد الرئيس بشأن طرح شركات الجيش في البورصة ليقطع الطريق أمام هؤلاء المتربصين، والذين يغالطون في الحقائق ويتغافلون عن المسلمات العالمية في ذلك الشأن، ولمن يعرف ومن لا يعرف فإن الإقدام على تلك الخطوة سينعكس بشكل كبير على أداء البورصة المصرية بصورة إيجابية نظراً لعدة عناصر تتمثل في أن البورصة ستضم عددا أكبر من الشركات الكبرى العاملة في الاقتصاد المصري، وهو الأمر الذي سينعكس على تصنيف البورصة المصرية في المؤشرات الدولية المعنية ببورصات الدول الناشئة، والتي تستلزم ضمها لكيانات استثمارية كبرى عاملة في الدولة بالإضافة إلى زيادة عدد الشركات المقيدة بها على أن تتسم بكبر الحجم ورأسمالها السوقى – وزيادة أحجام التداول بالسوق لتكون البورصة مرآة حقيقةً للاقتصاد، فلا يخفى على المعنيين بالبورصة أن وضع مصر بين الأسواق الناشئة يعتبر ضعيفا نظراً لضآلة حجم وعدد الشركات المقيدة بها، وبإدراج شركات الجيش سينعكس ذلك بالإيجاب على اتساع رقعة الخيارات بين المستثمرين، ويتم اجتذاب شرائح جديدة من مختلف الفئات الراغبة في الاستثمار في مصر، والذين يضعون ثقتهم في قواتهم المسلحة، بالإضافة إلى أن نسبة تمثيل الشركات المصرية العاملة في البورصة سترتفع مقارنة بحجم الاقتصاد المصري وهو الأمر الذي سيعكس مبدأ الشفافية والإفصاح والذي سيتطلبه الطرح في البورصة من إعلان لقوائم الميزانيات وهو ركن رئيسي من أركان الطرح في الأسواق المالية، وهو ما يدعم رؤية الرئيس بأهمية الالتزام بمبدأ الشفافية في مختلف مؤسسات الدولة، فأولاً وأخيراً شركات الجيش هي شركات للشعب وإلى الشعب، وهو ذات التوجه الذي اتبعته شركة أرامكو عملاق البترول السعودي العالمي لتعلن عن الطرح المحلي لنسبة 2% من أسهمها في البورصة.
لذا أرى أن الطرح المحلي لنسبة ضئيلة من شركات الجيش سينعكس حتماً على تحسن أداء مؤشرات البورصة المصرية، لتكون شركات الجيش هي طوق النجاة لبورصتنا المصرية ولنقطع الطريق على المتربصين بالاقتصاد المصري ومؤسساته.
د/ شيماء سراج عمارة
خبير اقتصادي
[email protected]