المنطقة الحرة لدول الآسيان تقدم مثالاً لتكامل القارة السمراء
شهد شهر مايو، إطلاق اتفاقية التجارة الحرة القارية اﻷفريقية، التى ساهمت فى إنشاء سوق واحدة تضم 1.3 مليار شخص، ستزداد أعدادهم لتصل إلى 2.5 مليار بحلول عام 2050، وتقل فى هذا السوق أعمار 60% من السكان عن 25 عاماً، وتزداد فيه الرغبة فى ارتفاع مستويات استهلاك السلع الاستهلاكية سريعة التداول، ومع ذلك، لايزال هناك تحدى يتمثل فى طريقة عمل هذا السوق.
وتخلق اتفاقية التجارة الحرة، التى وقعت عليها 54 دولة من أصل 55 دولة أفريقية (صدق عليها أكثر من نصف الموقعين) فرصة حقيقية لأفريقيا لتحرير أكثر من 90% من التعريفات بين الدول اﻷفريقية وتحقيق نمو كبير فى القارة السمراء.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن التنفيذ الناجح للاتفاقية قد يساهم فى تحويل إفريقيا إلى مركز تصنيع عالمى، مما قد يؤدى فى النهاية إلى نقل نحو 80 مليون وظيفة فى آسيا إلى أفريقيا.
ويعتقد الرؤساء التنفيذيون للشركات الأفريقية، أن هذه الاتفاقية تشكل تقدماً ملموساً نحو سوق متجانسة واحدة، ولكنهم لايزالوا متشككين فى إمكانية تنفيذ هذا الاتفاق الطموح بنجاح، بالنظر إلى النجاح المحدود الذى حققته مناطق ومبادرات التجارة الحرة الأفريقية السابقة.
وكانت الخطوة الأولى لنجاح اتفاقية التجارة الحرة اﻷفريقية، هى تحقيق مستوى عال من المشاركة رغم كل الصعاب. أما الخطوة الثانية، المقررة في يوليو 2020، فتتمثل فى تنفيذ الممارسات والعمليات التجارية والبنية التحتية اللازمة، لإنشاء منطقة عمل حرة عبر 54 دولة واعتمادها بشكل عملى، وهو ما سيمثل “عام الحسم” لدفع القارة نحو التصنيع.
وشهد العالم إتمام مثل هذه المهمة الكبيرة من قبل، من خلال إنشاء منطقة التجارة الحرة لدول الآسيان التي حققت نجاحاً ملحوظاً، والتى ساهمت فى إنشاء منصة للتصنيع والتجارة الإقليمية ومجموعة من الحوافز لتعزيز الوظائف والازدهار.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن التجارة الإقليمية داخل أفريقيا تصل حاليا إلى أدنى مستوياتها، فالتجارة العابرة للحدود تمثل 15% فقط من التجارة الأفريقية، فى حين تمثل التجارة عبر الحدود 65% تقريباً من التجارة مع الأسواق المتقدمة، وأضافت أن انتقال البضائع بحرية، يمكن أن يساهم فى إحداث طفرة فى التصنيع وتحول أفريقيا إلى مركز عالمى للتصنيع.
بدأ تحول آسيا إلى محرك اقتصادى عالمى، من خلال إنتاج سلع رخيصة في الدول ذات الأجور المنخفضة والعمالة الوفيرة، وما جاء بعد ذلك هو تطوير سلاسل القيمة الإقليمية المعقدة ونقل المعرفة وتحسين المهارات، والانتقال من اقتصادات تقودها الصادرات إلى اقتصادات أكثر توازنا مع الاستهلاك المحلى المتزايد.
ولم تشهد أفريقيا، حدوث أمر مثل هذا من قبل، فالافتقار إلى التجارة العابرة للحدود اليوم يؤدي إلى خنق التصنيع في جميع أنحاء القارة، ويقيد الإنتاج فى الأسواق المحلية التي يصعب توسيع نطاقها، ولكن إلغاء التعريفات سيساهم فى تحفيز التجارة، بما يمكن الشركات من التوسع والتطور لأنها تتعامل مع أسواق إقليمية أكبر.
بالإضافة إلى ذلك، سيبدأ قطاع التصنيع في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما سيؤدى إلى زيادة حجم الإنتاج وجذب كفاءات جديدة، مما قد يمنح عمليات التصنيع الأفريقية القدرة على المنافسة، ليس فى الأسواق المحلية والإقليمية فقط بل أيضاً فى اﻷسواق العالمية، وبحلول عام 2040، سيكون عدد سكان أفريقيا القادرين على العمل أكبر من الصين والهند مجتمعين.
وتجذب الأجور المتدنية في القارة، المصنعين من الصناعات التي تحتاج نسب توظيف عالية، مثل قطاع الملابس، إذ يمكنهم إتمام عمليات التصنيع بتكلفة أقل في أفريقيا مقارنة بمراكز التصنيع الآسيوية التقليدية.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” ، إلى أن التباطؤ الحالي في الأسواق المتقدمة، يدل على وجود أعداد متزايدة من الشركات متعددة الجنسيات، مهتمة حقا بأفريقيا كسوق وكقاعدة تصنيع عالمية.
وبالنسبة ﻷفريقيا، يعد التنفيذ الناجح لاتفاقية التجارة الحرة بمثابة أداة لتغيير اللعبة، إذ يمكن نقل الملايين من مجتمع قائم على الزراعة إلى مجتمع صناعي في مراحله المبكرة، خصوصاً أن اﻷجور فى قطاع التصنيع تساهم فى نمو الناتج المحلى الإجمالى 5 أضعاف الزراعة.
ويبدو أن العديد من المعايير اللازمة لأفريقيا لتحقيق الازدهار تبدو متوائمة، فهي تشتمل على القوى العاملة الشابة ذات القدرة التنافسية العالية والاستعداد والقدرة على اعتماد تكنولوجيا جديدة واحتضان الثورة الصناعية الرابعة، بجانب زيادة الاستقرار السياسى فى القارة والقدرة على اكتشاف موارد الطاقة الواسعة غير المستغلة التي تجذب مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية.
وتتمتع اتفاقية التجارة الحرة اﻷفريقية، بالقدرة على ربط كل هذه المعايير سويا وتحقيق نمو حقيقي.
يمكن أن تكون الصين أول منفذ لهذه اﻷمور، فهى تتفاعل مع القطاعين العام والخاص في أفريقيا لتحقيق الفوائد المتوقعة من اتفاقية التجارة الحرة. كما أن مبادرات التصنيع الصينية تنتشر الآن فى جميع أنحاء القارة لتتصدر بالفعل طليعة مشاريع البنية التحتية في أفريقيا.
وتقوم الشركات الصينية بنقل مراكز التصنيع الخاصة بها من الصين إلى إفريقيا، في ظل انتظارهم لتنفيذ اتفاقية التجارة الإقليمية المعفاة من الرسوم الجمركية وأسواق التصدير التنافسية.
كما أن تحقيق التعاون بين أفريقيا ومبادرة الحزام والطريق الصينية، تتصدر الآن كافة المناقشات الحكومية الدولية بين الصين والقارة السمراء.
إذا تمكنت أفريقيا من تنفيذ الاتفاقيات بشكل عملي، وحذت الدول الأخرى والكتل التجارية حذو الصين، فإن اتفاقية التجارة الحرة اﻷفريقية سيكون أمامها فرصة جيدة للوفاء بوعدها ودفع أفريقيا إلى صدارة التصنيع العالمي.