“فاينانشيال تايمز”: دلائل على إمكانية اقتراب الانكماش من نهايته
شهدت أسواق المال انتعاشاً كبيراً فى نوفمر الحالى، مما يشير إلى مزيد من التفاؤل بشأن الاقتصاد العالمى، بعد أن وصفه صندوق النقد الدولى، قبل أسابيع قليلة فقط، بأنه “محفوف بالمخاطر”.
ورغم العلامات المؤكدة على أن العالم، سيشهد بنهاية العام الحالى أسوأ أداء اقتصادى منذ عقد من الزمن، وسط التوترات التجارية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين وتأثيرها على الصادرات والإنتاج الصناعى، يرى المستثمرون بوادر انتعاش ممكنة فى العام المقبل ولا يرغبون فى إضاعة المكاسب المحتملة.ومع ذلك، لا تعتبر هذه اﻷمور غريبة، إذ توقع صندوق النقد الدولى وغيره من المتنبئين أن يكون عام 2020 أفضل من عام 2019، لكن تحركات السوق فى الأسابيع الأخيرة تثير تساؤلاً مهماً الآن، حول ما إذا كانت التوقعات تحسنت كثيراً.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن تفاؤل المستثمرين قد يكون مبالغاً فيه، فاﻷدلة الحالية تشير حتى الآن إلى إمكانية اقتراب انكماش الاقتصاد العالمى من نهايته، ولكن قد تكون وتيرة الانتعاش ضعيفة.
الأسواق تتوقع طفرة كبيرة
تفتخر أسواق المال، بكونها استباقية ولديها قدرة على تعقب الاتجاهات قبل وضوحها فى البيانات الاقتصادية، فقد كانت الأسواق تشير بالتأكيد إلى انتعاش واسع.
ومع اقتراب العديد من أسواق الأسهم، من الوصول إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، يعتقد المستثمرون أن فرص ربحية الشركات تحسنت بشكل حاد منذ بداية الربع السنوى الرابع.
كما ارتفعت عوائد السندات الحكومية، وهو مؤشر جيد للتفاؤل الاقتصادى، فى جميع أنحاء الاقتصادات المتقدمة، مما يشير إلى أن البنوك المركزية لن تضطر إلى بذل جهود كبيرة لتحفيز النمو الاقتصادى والتضخم.
وقال ريك ديفيريل، الاقتصادى لدى بنك “ماكوارى” الاستثمارى: “مع اقتراب عام 2019 من نهايته، استوعب السوق بالفعل الانتعاش الاقتصادى، إذ بلغت الأسهم فى الولايات المتحدة مستويات قياسية جديدة والعائدات بعيدة للغاية عن المستويات المنخفضة الأخيرة”.
التجارة العالمية تظهر علامات على الاستقرار
جاء أغلب الخوف المتعلق بالاقتصاد العالمى فى أكتوبر الماضى، من احتمالية تصاعد الحروب التجارية العالمية، ولكن اﻷخبار كانت إيجابية فى العموم فى الشهر الماضى.
وفى الوقت نفسه، تراجعت فرص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى دون صفقة، بشكل حاد، بعد أن سحب رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون اعتراضاته على الحدود الجمركية فى البحر الأيرلندى، وخفت حدة التوترات التجارية بين واشنطن وبكين.
كما أن الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب، لم يفرض تعريفات جمركية على السيارات الأوروبية بحلول الموعد الذى حدده فى منتصف نوفمبر الحالى، وأصبحت هذه الاتجاهات واضحة في البيانات التجارية، حيث نما حجم تجارة السلع العالمية فى بيانات شهرى يوليو وأغسطس الماضيين.
كما شهد مؤشر طلبيات التصدير التابع لبنك “جى.بى مورجان” الاستثمارى، الذى يتتبع طلبيات الشركات من السلع والخدمات الأجنبية، تحسناً كبيراً- الأكبر منذ 4 أعوام- خلال نوفمبر الحالى.
توقف توقعات نمو الناتج المحلى الإجمالى لعام 2020 عن الانخفاض
رغم مساهمة التوقعات التجارية المحسنة فى تعزيز الأسواق المالية، إلا أنها لم تستطع شق طريقها بعد للتوقعات الاقتصادية، فرغم توقف توقعات النمو فى عام 2020 عن التدهور، إلا أنها لاتزال ضئيلة، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن مؤسسة “كونسينسيس إيكونوميكس”، التى تمثل متوسط توقعات خبراء الاقتصاد المستقلين.
بعد أن شهد العالم انزلاق الاقتصاد العالمى على مدار الـ 18 شهراً الماضية، أشار بيتر هوبر، كبير الاقتصاديين فى “دويتشه بنك”، إلى أنه كانت هناك علامات أولية على تخفيف اتجاهات الهبوط الاقتصادى فى الأسابيع الأخيرة، ورغم أن الدلائل لاتزال حديثة، إلا أن البعض يحتفل بنهاية التشاؤم فى التوقعات الاقتصادية.
وقال إينيس مكفى، المدير الإدارى فى قسم خدمات الاقتصاد الكلى وخدمات المستثمر لدى مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس” الاستشارية، إن ثمة دلائل واضحة بين مؤشرات النشاط العالمى، على مرور أسوأ فترة للتباطؤ الاقتصادى.
الإنتاج الصناعى الأوروبى يفوق التوقعات
رغم استمرار العديد من المؤشرات النموذجية الاستطلاعية فى التدهور، مثل مؤشر الثقة الاقتصادية التابع للمفوضية الأوروبية، توجد مؤشرات أخرى تظهر الآن إشارات أكثر إيجابية، فقد تحسنت بيانات مؤشر مديرى المشتريات للتصنيع فى أكتوبر الماضى لدى معظم دول العالم، بما فى ذلك القوى الصناعية الكبرى مثل ألمانيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
وفى أوروبا، شهدت بيانات الإنتاج الصناعى ارتفاعاً فى آخر شهرين على التوالى، لتقطع بذلك فترة الانكماش الحاد، كما سجلت ألمانيا، التى عانت من الركود الصناعى أكثر من غيرها فى المنطقة، ونمو أكبر من المتوقع فى صادراتها وطلبياتها الصناعية فى سبتمبر الماضى، ويعتبر تحسن القوى الاقتصادية المحركة لمنطقة اليورو أمراً مهماً.
وقالت كاثرينا أوترمول، كبيرة خبراء الاقتصاد فى أوروبا لدى شركة “أليانز” للتأمين، إن المؤشرات الألمانية ترتبط بشكل كبير بديناميكيات التجارة العالمية، ولكن رغم هذه الارتفاعات، لاتزال التوقعات متواضعة، ولايزال الإنتاج الصناعى فى منطقة اليورو يسجل انكماشاً سنوياً، كما انخفض ناتج التصنيع الألمانى بنسبة 5% فى سبتمبر الماضى، مقارنة بالشهر ذاته من 2018.
“عدم اليقين” يستمر حتى نهاية العام
لا يقدم الانتعاش المتواضع فى البيانات الاقتصادية، دليلاً مقنعاً على انتعاش عالمى كبير، فالبيانات الشهرية لاتزال متقلبة، كما أن كثيراً من المؤشرات الصناعية الإيجابية، لا تستحوذ سوى على نسبة ضئيلة فقط من الاقتصاد العالمى.
وعندما سمح خبراء الاقتصاد لخوارزمية حاسوبية بتقييم البيانات، لم تبد التوقعات الاقتصادية أى تغييرات كبيرة، وأفاد تحليل حديث أجراه موقع “Now-casting.com” الذى يعمل على مراقبة الاقتصاد الكلى، بأن البيانات الحديثة الصادرة من العالم بأسره، كانت مختلطة ولا تشير بوضوح إلى تحسن توقعات الربع الرابع الحالى، كما أن التحسن الذى شهدته منطقة اليورو تقابله بيانات اقتصادية أضعف فى الولايات المتحدة وكندا واليابان.
ويتوقع نيل شيرينج، كبير الاقتصاديين لدى “كابيتال إيكونوميكس”، نمو الاقتصاد العالمى فى العام المقبل، ولكن وتيرة الانتعاش ستكون ضئيلة وفقاً للمعايير السابقة، مؤكداً ضرورة الحفاظ على السياسات التيسيرية.
ومع ذلك، لاتزال هناك حاجة لمزيد من التحسن فى البيانات الاقتصادية، قبل أن يؤيد خبراء الاقتصاد اعتقادات أسواق المال بأن أسوأ تباطؤ اقتصادى عالمى قد انتهى.