تطوير صناعة البطاريات يعكس الاهتمام بتعزيز المنافسة مع واشنطن وبكين
فى منطقة الغابات على بعد 100 كيلومتر غرب مدينة ستوكهولم، بدأت صناعة جديدة تمامًا فى القارة الأوروبية، حيث يسارع المئات من العمال لإكمال أول خط إنتاج مملوك من قبل أوروبا لخلايا البطارية، لاستخدامها فى السيارات الكهربائية والشبكات بالعديد من المناطق الأخرى، ومع بدء الإنتاج بحلول نهاية العام الحالى، فإن شركة “نورثفولت” وسط السويد تعج بالحركة والنشاط.
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، أن شركات صناعة السيارات الأوروبية كانت بطيئة فى الاستجابة لثورة السيارات الكهربائية، إذ تعتمد بالكامل تقريباً على خلايا البطارية المستوردة.
ويهيمن على الإنتاج العالمى كل من شركة “باناسونيك” اليابانية، و”سامسونج” الكورية الجنوبية، إلى جانب “بى واى دى” الصينية، فى حين تمثل المصانع الأوروبية 3% فقط، ومعظمها مملوكة لآسيويين.
ومع ذلك، تشير بعض التقديرات إلى أن الطلب الأوروبى على البطاريات يمكن تقدير قيمته بما يصل إلى 250 مليار يورو سنويًا بحلول 2025.
أشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن هذا المعدل ترك صناع السياسة والشركات فى الاتحاد الأوروبى، يتدافعون للتأكد من أن الشركات الأوروبية تتعامل مع شريحة كبيرة من النشاط، ومن ثم تعزيز الوظائف والمهارات.
ومن المقرر أن تقوم شركة “نورثفولت” بإطلاق مصنع “فاستيراس” بتمويل قيمته مليار يورو من شركة “فولكس فاجن” وبنك “جولدمان ساكس” و”إيكيا”، كتجربة للمصنع الضخم الأكبر فى مدينة سكيلفتيا، شمال السويد، وسيبدأ الإنتاج فى عام 2021.
قال بيتر كارلسون، السويدى الذى أسس شركة “نورثفولت” المنافس الأوروبى لشركة “تسلا”: “لقد علمنا أنه سيتم إنشاء مصانع للبطاريات فى أوروبا”.
وتستكشف “فاينانشيال تايمز”، جهود أوروبا لتعزيز القدرة التنافسية، إذ تتعرض شركاتها لضغوط من الولايات المتحدة والصين.
ذكرت الصحيفة البريطانية، أن مصنع البطاريات الجديد، يعد أحد الخطوات الأولى فى تحول كبير فى الطريقة التى تفكر فيها أوروبا حول كيفية تطوير صناعات جديدة لتعزيز المنافسة مع واشنطن وبكين.
ويعد كارلسون، ومشروعه “نورثفولت” فى طليعة جهد طموح لم يكن من الممكن تصوره قبل عقد من الزمان، لإنشاء صناعة بطاريات كاملة على الأراضى الأوروبية مملوكة لشركات أوروبية، وتمتد المبادرة من تعدين وتكرير المواد الخام ومنها الليثيوم، إلى تصنيع البطاريات وإعادة تدويرها.
وتضافرت جهود الحكومات والجامعات ومؤسسات الاتحاد الأوروبى وعشرات الشركات بما فى ذلك كبار صانعى السيارات، فى حملة سياسية صناعية جديدة يمكن أن تصبح مخططًا للعديد من التقنيات والقطاعات الأخرى.
وتبنى قادة ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبى، سياسة صناعية متجددة كأداة لتأكيد الاستقلال التكنولوجى للقارة، وضمان بقائها الاقتصادى خوفاً من سحق الصناعة الأوروبية، بفعل التفوق التكنولوجى الأمريكى والحمائية المتزايدة لواشنطن، ورأسمالية الدولة الصينية.
أوضحت الصحيفة، أن إعلان شركة “تسلا” الأخير بأنها ستبنى مصنعها الضخم لتصنيع السيارات والبطاريات، بالقرب من مدينة برلين الألمانية، يزيد الضغط على أوروبا من أجل توحيد أنشطتها.
وتعتبر الأخبار التى تشير إلى قيام شركة “أودى” بخفض 9500 وظيفة فى ألمانيا، بمثابة تذكير آخر بأن التحول إلى السيارات الكهربائية قد يضر بصناعة كانت بمثابة العمود الفقرى للعمالة الصناعية في العديد من الدول الأوروبية.
وإلى جانب الجهود التى يبذلها الاتحاد الأوروبى لضمان مشاركة البلدان الأخرى فى عبء تخفيض انبعاثات الكربون وتحريكها مجددًا لتحدى سيادة الدولار الأمريكى، فإن ذلك يمثل محاولة جريئة لوضع المصالح الاقتصادية لأوروبا فى المرتبة الأولى.
وقال برونو لو ماير، وزير المالية الفرنسى: “أفكر حقًا فى هذه القضية من حيث السيادة، فصناعة السيارات أمر حيوى للقاعدة الصناعية فى أوروبا”.
وأضاف: “إذا كان ينبغى على القارة استيراد البطاريات التى تمثل حوالى 40% من تكلفة السيارة الكهربائية، فإن أوروبا تخاطر بفقدان الجزء ذى القيمة المضافة من سلسلة الإنتاج، والمعرفة التكنولوجية التى تنبع منها”.
أشارت الصحيفة إلى أن الجمع بين التعاون الصناعى والأبحاث الممولة من القطاع العام والإعانات المؤقتة، ووضع المعايير العالمية لتشجيع سلسلة قيمة أوروبية واسعة النطاق، بمثابة إعادة تفسير ذكية لسياسة صناعية قديمة للاستثمار الموجه من الدولة.
وقبل بضع سنوات دعت فرنسا وبعض الدول الأخرى، إلى القيام بدور نشط للحكومة فى دعم هذه الصناعة، لكن كان الاتحاد الأوروبى أكثر اهتمامًا ببناء أسواق مفتوحة وتنافسية مع وجود ضوابط صارمة على الإعانات العامة، لكن التفوق التكنولوجى للولايات المتحدة والتقدم الصينى دفع القارة العجوز إلى إعادة التفكير.
وتمثلت نقطة التحول، فى إنشاء تحالف “البطارية الأوروبى” فى عام 2017 وهى مجموعة تضم صانعى السياسة وعشرات الشركات، بهدف إنشاء “نظام بيئى” مبتكر وتنافسى للبطاريات فى أوروبا.
وتمثل التحدى فى إقناع شركات صناعة السيارات بأن الموردين الأوروبيين الناشئين، يمكنهم زيادة الإنتاج بشكل كبير، بينما يطمئنون شركات تصنيع البطاريات بدورهم إلى أن شركات صناعة السيارات ستصبح مشترين على المدى الطويل.
وعندما أعلنت “نورثفولت” فى عام 2017 أنها ستبنى مصنعًا قيمته 4 مليارات دولار بالقرب من الدائرة القطبية الشمالية، بعيدًا عن مصانع تجميع السيارات الرئيسية فى أوروبا، ولكنها قريبة من الطاقة الكهرمائية الوفيرة والرخيصة، كان المستثمرون والعملاء متشككون.
وقالت “فاينانشيال تايمز”، إن مصنع “نورثفيلت” سيكون أول منتج محلى واسع النطاق فى أوروبا، لكن بالنسبة لواضعى السياسات، فإن هذا مجرد البداية.
وتوقعت وحدة “بلومبرج” للطاقة المتجددة أن تنمو صناعة خلايا البطارية الأوروبية بـ10 أضعاف متجاوزة طاقة الولايات المتحدة بحلول عام 2023.
وتضخ الحكومتان الفرنسية والألمانية، أموال دافعى الضرائب فى اتحادين للبطاريات فى الاتحاد الأوروبى وتسعى باريس لضم 7 دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبى، و17 شركة أخرى للحصول على موافقة بروكسل لجلب مليار يورو من المساعدات الحكومية لهذه المبادرة.
وعلى الجانب الآخر تقود ألمانيا تنظيم مشروعات مهمة ذات أهمية أوروبية مشتركة، من خلال نظام يقره الاتحاد الأوروبى ويسمح بالإعفاءات من المساعدات العادية وقواعد المنافسة للمشاريع متعددة الجنسيات التى تعتبر مهمة من الناحية الاستراتيجية.
واعتمدت بروكسل سياسة مماثلة للإلكترونيات الدقيقة والأجهزة المتصلة العام الماضى، إذ وافقت على 1.75 مليار يورو من المساعدات الحكومية لمثل هذه المشروعات.
وقالت مفوضة المنافسة فى الاتحاد الأوروبى، مارجريث فيستجر، فى أكتوبر الماضى: “أنا مقتنعة بأن استراتيجيتنا الصناعية يجب أن تشمل مجموعة أدوات لدعم تطوير سلاسل القيمة والتقنيات ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للكلتة الموحدة”.
وأوضح وزير المالية الفرنسى: “لقد تمكنا فى أقل من عام من بناء صناعة جديدة فى أوروبا”، فى إشارة إلى صناعة البطاريات، مضيفًا: “عندما يكون لدينا اتجاه قوى وعزم وشراكة بين القطاعين العام والخاص فيمكننا القيام بذلك بسهولة”.
وفى “نورثفولت” يسابق كارلسون، الزمن حيث تنمو الشركة بسرعة كبيرة، لدرجة أنه يشعر بالقلق إزاء الاختناقات المحتملة للمواد الخام بالنظر إلى الانفجار المتوقع فى الطلب، وقال كارلسون، إن التحدى فى هذه الصناعة، يكمن فى أنه لا يوجد طريق وسط، ولذلك ينبغى أن تمتلك الفرصة كاملة للوصول إلى نطاق كبير من النجاح.