يعد صمود الاقتصاد الأمريكى، خلال العام الماضى مبهراً، فى بداية 2018، كانت توحى المؤشرات الرئيسية بازدياد مخاطر الركود فى 2019 و2020.
وفى بداية العام انقلب منحنى العائد، وهى علامة على أن الركود وشيك (وعكس المنحنى اتجاهه منذ ذلك الوقت، ولكن هذا عادة ما يحدث عندما يذهب النمو للمنطقة الحمراء).
وتعد أسباب الانزلاق فى ركود واضحة مثل تباطؤ الصين، بجانب حرب الرئيس دونالد ترامب التجارية، وبالفعل بدأ النمو فى الدول مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، اللتان تصدران السلع المصنعة للصين، فى التراجع.
ولكن رغم تشكل كل الظروف الملائمة للركود، لكنه لم يحدث، ويعد التوسع الذى تشهده أمريكا فى الوقت الحالى هو الأطول فى تاريخ ما بعد الحرب، وتجاوز فترة الطفرة الطويلة المشهودة فى تسعينيات القرن الماضى، ولاتزال البطالة منخفضة، ويواصل معدل السكان إلى العمالة فى سن العمل – أفضل مؤشر على قوة سوق العمل – فى الارتفاع.
ورغم تحمله التكلفة الكاملة للتعريفات، صمد المستهلك الأمريكى الذى كان محركاً تقليدياً للنمو الاقتصاد فى العقود السابقة، وساعد الاستهلاك، على مواصلة دفع النمو الاقتصادى بنسبة غير مذهلة ولكن ثابتة عند 2%، وعلى خلاف ما حدث فى 2008، كان أداء الولايات المتحدة أفضل من الدول الآخرى، ما جعلها ينطبق عليها المثل القائل أفضل منزل فى حى سىء.
ومع ذلك، هناك علامات على أن 2020 قد تكون قصة مختلفة، فالاستثمار التجاري على سبيل المثال بدأ فى التراجع، وخفضت الشركات الكبيرة النفقات الرأسمالية، واستشهد العديد منهم بعدم اليقين السياسى والحرب التجارية (رغم أن بيانات أكتوبر تبدو أفضل)، وتترجم اتجاهات انخفاض الاستثمار إلى ضعف في نمو الأجور والطلب والتوظيف. وفي الوقت نفسه، ارتفع الاستثمار الخاص في قطاع الإسكان خلال الربع الثالث من 2019، ولكنه تراجع منذ نهاية 2017.
كما بدأت الأسواق المالية تبدو أكثر هشاشة، بما في ذلك سوق القروض المضمونة، الذي يضم القروض الخطيرة، والتى بدأت تحل محل السندات دون الدرجة الاستثمارية فى الولايات المتحدة.
ويقلق المراقبون منذ فترة، من تراجع المعايير فى سوق القروض المضمونة، وفى الوقت نفسه، تشير الاضطرابات في سوق الريبو، والتى تطلبت تدخلات متكررة من قبل الفيدرالى، إلى مشكلات فى السيولة.
وربما لا توجد أزمة مالية كبيرة على طول الطريق، مثلما كان الأمر فى 2008، وأيضاً لا توجد فقاعة أصول واضحة يمكن أن تنفجر مثلما حدث فى عام 2000، ولكن إذا اكتشفت الشركات أنها اقترضت الكثير جداً من الأموال وفى الوقت نفسه تحقق مكاسب منخفضة بسبب الحرب التجارية وعدم اليقين السياسى، فإن الألم المالى سيفاقم مخاطر وقوع ركود.
وفى الوقت نفسه، من غير المرجح أن تقدم السياسة الحكومية الدفعة المطلوبة، فأسعار الفائدة بالفعل أقل من 2%، وبالتالى هناك مساحة أقل للخفض، كما لم تفعل تخفيضات الضرائب الكثير لتعزيز الاستثمارات، وبالتالى المزيد من خفض الضرائب لن يساعد، وقد تحفز الاستثمارات الكبيرة فى البنية التحتية الاقتصاد، ووعد ترامب بحزمة استثمارات، ولكنه لم يفعل شيئاً.
وبالنسبة للتيسير الكمى، من غير المرجح أن يستخدم الفيدرالى هذه الأداة إلى إذا كان الاقتصاد فى مشكلة كبيرة، ومع ذلك قد يهزم الاقتصاد الأمريكى التوقعات الكئيبة ويهرب من الركود ويمدد أطول فترة توسع على الإطلاق.
ومن المكمن أن يكون الركود ضحلا بما يكفى لتجنب الاعتراف الرسمى به كركود، والتعريف المتعارف عليه للركود هو ربعين متتاليين من النمو الاقتصادى السلبى، رغم أن المكتب القومى للأبحاث الاقتصادية يستخدم معايير اكثر دقة قليلاً.
وفى بعض الأحيان لا تقابل فترات الركود الخفيفة جميع المعايير، ويعد ما حدث فى آواخر 2015 وأوائل 2016 مثالاً على ذلك عندما ارتفعت أسعار الموارد، وانهار سوق الأسهم الصينية وتباطأ قطاع التصنيع ما بدا كعلامات على ركود محتمل، ولم ينقلب منحنى العائد ولكن انخفضت استثمارات الشركات وتباطؤ النمو، وهو ربما ما ساعد ترامب على الفوز بالانتخابات الرئاسية، ولكن بنهاية 2016، تحسنت الأوضاع واستئأنف التعافى طريقه، وقد يحدث نفس الشىء هذه المرة.
ومن الممكن أيضاً أن يؤدى الضعف الاقتصادى والاضطرابات السياسية فى بقية العالم إلى هروب رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة باعتبارها ملاذ آمن، مما سيخفض أسعار الفائدة على المدى البعيد، ويعطى الشركات وأسواق الديون محفزاً قوياً.
وقد تكون فترة الراحة مؤقتة وتقود إلى ديون سيئة تسبب ركود أكبر فى المستقبل، ولكن فترة الراحة تلك قد تؤجل الركود لفترة طويلة بما يكفى لمساعدة ترامب على الفوز بفترة رئاسية ثانية وهو ما قد يغير مسار السياسات الأمريكية والمجتمع بكل الطرق.
بقلم: نواه سميث، كاتب مقالات رأى لد “بلومبرج”
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”