قناعتى الشخصية أن الضامن لنجاح المبادرات هو آلية تنفيذها، فكثير ما يطلق بعض الأفراد، خاصةً الباحثين عن الشهرة وتسليط الأضواء مسميات مبهرة لمبادرات فردية، وحينما تبحث عن أثر لتنفيذها تجد أن الأمر لا يتعدى نطاق الشو الإعلامى، لينتقل فكر المبادرات إلى أروقة الحكومة، لتصبح وسيلة جيدة للتصدى لعدد من المشكلات بل والتغلب عليها وحلها من خلال آلية التنفيذ الإيجابية، فهناك عدد من المبادرات التى لا يمكن إغفالها ومنها مبادرة رئيس الجمهورية 100 مليون صحة، والتى استفاد منها أكثر من 50 مليون مواطن مصرى، لتصبح قصة نجاح يحتذى بها فى مختلف أرجاء العالم.
وكذلك مبادرة الـ 200 مليار جنيه، والتى أطلقها البنك المركزي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لمحاولة إنعاش الإنتاج المحلى، والتى استفاد منها نحو 86 ألف مشروع صغير ومتوسط، وهو الأمر الذى انعكس على أداء الاقتصاد بتوفير المزيد من فرص العمل للشباب الراغب فى العمل الحر، لينخفض معدل البطالة بصورة إيجابية ويصل إلى ما دون 7.5% وفقاً لأحدث الإحصائيات مقارنة بأكثر من 13% عقب أحداث 2011.
وعلى الرغم من تلك الجهود، إلا أن أرقام صادراتنا الصناعية مازالت متواضعة، والسبب فى ذلك يعود إلى سببين أحدهما متعلق بالآثار التى تركتها أحداث 2011 على الاقتصاد المصرى، والسبب الثانى يرجع إلى توجهاتنا الاقتصادية فيما قبل 2011، لأحلل لسيادتكم من خلال هذا المقال عدداً من الأسباب المؤثرة على تواضع الصادرات الصناعية المصرية قبل وبعد 2011.
فقبل 2011، وعلى الرغم من تجاوز الصادرات المصرية حاجز الـ 30 مليار دولار، إلا إننى أرى أن هذا الرقم كان متواضعاً، مقارنةً بما اتخذته الدولة منذ بداية التسعينيات من القرن الماضى من إجراءات للإصلاح الاقتصادى، والتى استهدفت حرية الأسواق، فجاءت الخطوات الحكومية خلال تلك الفترة مدعمة بعقد الاتفاقات التجارية الداعمة لحرية التبادل التجارى كأحد الأركان الرئيسية اللازمة لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، وهو الأمر الذى أعطى الفرصة بالتوسع فى مزيد من الواردات دون تركيز فعلى على تشجيع الإنتاج الصناعى ذو القيمة المضافة المرتفعة، ومن ثم جاء متوسط نصيب صادراتنا من المنتجات أولية الصنع والنصف مصنعة يدور حول النسبة 70% من إجمالى قيمة صادراتنا وذلك خلال الفترة 1991 وحتى 2010، في حين أن نصيب وارداتنا من المنتجات نهائية الصنع خلال نفس الفترة جاءت فى حدود نفس النسبة، وهو الأمر الذى يؤكد على أن مقدار الاستفادة من الاتفاقيات التجارية جاء في صالح الدول المصدرة إلينا ولم يصب في مصلحتنا كدولة مصدرة، وأن جهود تنمية صادراتنا دعمت بشكل كبير تصدير المنتجات أولية الصنع من المواد الخام البترولية وغير البترولية وبخاصةً المنتجات الزراعية، لتبقى المنتجات الصناعية ذات القيمة المضافة المرتفعة أمراً بعيد المنال، لتساهم على استحياء بنصيب لا يتجاوز نسبته 30% من إجمالى الصادرات المصرية خلال الفترة سالفة الذكر، فتلك هى الصورة الإجمالية لصادراتنا الصناعية قبل 2011.
ليمر الاقتصاد المصرى بأحداث 2011، والتى جاءت على كل ما هو أخضر ويابس، فنتيجة طبيعية لانفلات الأوضاع الأمنية فى تلك الفترة، تم إغلاق الآلاف من المصانع العاملة فى الاقتصاد المصرى، وانسحبت الاستثمارات بشكل مفاجئ، لتتوالى الأحداث المستنزفة لموارد الدولة المصرية الاقتصادية، والتى أدت مجتمعة إلى ضرورة اتباع الإجراءات الأصعب من الإصلاحات الاقتصادية، وهو تعويم العملة المحلية، لترتفع قيمة العملة الأجنبية، مقارنة بالمحلية، وهو الأمر الذى انعكس على ارتفاع فاتورة الواردات، ومنها ارتفاع فاتورة مدخلات الإنتاج للمصانع التى تمسكت بالبقاء، وهو الأمر الذى انعكس على فقدانها لتنافسية منتجاتها التصديرية، فلم ترتفع حصيلة الصادرات المصرية جراء التعويم لسببين أولهما التضرر المسبق من تداعيات أحداث 2011، والتى أثرت بشكل كبير على انخفاض حجم الإنتاج المحلى، نتيجة تعثر الكثير من المصانع وغلقها، والسبب الثانى يكمن فى ارتفاع أسعار الإنتاج المحلى المعتمد على استيراد مدخلات الإنتاج، ليستقر متوسط حصيلة الصادرات المصرية السلعية غير البترولية عند الرقم 15 مليار دولار خلال الفترة 2015-2018.
لتتدخل الحكومة بالتعاون مع البنك المركزى لإجراء جراحة استئصال عاجلة للمسببات الكبرى المؤثرة على الإنتاج المحلى وبالطبع الصادرات، ليتم إعفاء قرابة الـ 8500 مصنع متعثر من تراكم الفوائد وإسقاط قضاياهم مع البنوك ليصل إجمالى الاموال المعفاة إلى حوالى 31 مليار جنيه، بالإضافة إلى إطلاق مبادرة جديدة لتمويل الأنشطة الصناعية بـ 100 مليار جنبه، وبفائدة 10% متناقصة مع إعطاء الأولوية للصناعات التى يتم استيرادها من الخارج، لدعم الصناعة المحلية، وتخفيف ضغوط الاستيراد وتشجيع التصدير.
ومروراً بمختلف الأسباب المؤثرة سلباً على الصادرات الصناعية المصرية سواء قبل أو بعد 2011، والمحاولات الجادة للتغلب عليها، أرى أن هناك إجراءات ضرورية يجب اتخاذها، أهمها توجيه الإنتاج وفقاً لاحتياجات الأسواق، فهل سألنا أنفسنا عن أسباب هيمنة المنتجات الصينية على الأسواق العالمية، فالإجابة تكمن فى أن إنتاجهم يخاطب المجتمعات وفقاً لاحتياجاتهم وثقافاتهم، وفى ذات الوقت آلياتهم الداخلية تدعم ذلك التوجه، بمعنى الربط بين التوجهات الابتكارية والتدريبية للإنتاج المحلى والشرائح المجتمعية المستهدف وصول الإنتاج لها، على أن يتم توفير القنوات التسويقية اللازمة لذلك.
لذا هناك ضرورات يستلزم اتباعها لتحقيق تنمية الصادرات الصناعية بصفة عامة، ومبادرات المركزى بصفة خاصة، ألا وهى اكتمال المنظومة، بربط التوجهات الإنتاجية والتدريبية والابتكارية مع احتياجات الأسواق الخارجية المستهدفة والوصول لها والجهود التسويقية لتلك المنتجات، لنصل إلى الهدف المنشود لنمو الصادرات الصناعية، وخلاف ذلك ستكون الجهود منتقصة.
د/ شيماء سراج عمارة
خبير اقتصادى
[email protected]