تقترح شبكة «برايس ووترهاوس كووبرز» التى تنشر توقعاتها حول النمو المستقبلى فى الناتج المحلى الإجمالى الذى يُقاس بقوة الشراء، امتلاك مصر كافة الإمكانات والمقومات التى تؤهلها للانضمام إلى مجموعة العشرين بحلول عام 2050.
لاشك أن مصر قد أحرزت تقدماً اقتصادياً كبيراً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بعد تخطى العديد من التحديات التى أعقبها تراجع أسعار الصرف بفضل برنامج إصلاح اقتصادى طموح، لتصبح مصر «أفضل قصة إصلاح فى الشرق الأوسط» كما وصفها خبراء الاقتصاد، حيث سجل الاقتصاد المصرى أسرع معدلات النمو فى العالم العربى، تكاد بذلك تنافس الهند! فإذا كان الإصلاح الاقتصادى ممكن فى غضون 3 سنوات فتحقيق الرخاء الاقتصادى خلال 3 عقود ليس من ضرب الخيال!
بصفة ماجد الفطيم أحد أكبر المستثمرين فى السوق المصرى، فالإمكانات التى رأيناها منذ سنوات عديدة بدأت تؤتى ثمارها، فاليوم ينظر العديد من المستثمرين والحكومات إلى مصر كوجهة استثمارية متميزة، وقد قمنا فى ماجد الفطيم هذا الشهر بالافتتاح الرسمى لأحدث مجمع تجارى فى القاهرة، «سيتى سنتر ألماظة»، رابع مجمع تجارى فى البلاد، صمم فى جوهره لدعم الاستدامة الاقتصادية والبيئية طويلة الأمد.
بعد عقدين من الاستثمارات المتواصلة فى السوق المصرى، فإننا فى ماجد الفطيم نرى أنه حجم الفرص الاستثمارية التى يوفرها الاقتصاد المصرى تحتّم على المستثمرين وضع مصر على قمة أولوياتهم، ولكن مفتاح النجاح يكمن فى: اتباع منهجية استثمارية تتحلى بالثقة والجرأة، رؤية طويلة الأمد لتوجيه رؤس الأموال نحو القطاعات ذات معدلات النمو المرتفعة، وتحقيق التعاون المشترك بين القطاعين العام والخاص.
الزخم المتزايد
يرتكز قطاع كبير من الفرص الاستثمارية الهائلة للاقتصاد المصرى على التوجهات السائدة فى التركيبة السكانية (الديموغرافية) والتوسع الحضرى وإمكانات الطبقة الوسطى. وتعد مصر أكبر الدول العربية من حيث التعداد السكانى، كما تنعم بجيل شاب يتمتع بمستوى عالٍ من التعليم ويتميز بالطموح والذكاء الرقمي. وبالتالى فإن هذا الجيل سيدعم النهضة الاقتصادية فى البلاد وسيفتح المجال لتدفق مقدار كبير من الدخل القابل للإنفاق مما يوفر الطلب على السلع عالية الجودة والتجارب الترفيهية والشرائية المتميزة.
يشير تقرير البنك الدولى أن قطاعات تجارة التجزئة والتنمية العقارية هى أحد المحركات الرئيسية لمعدلات النمو فى مصر. لكن الطلب المحلى لا يشكّل الدافع الوحيد للنمو العام. ففى العام الماضى أيضاً سجل قطاع السياحية المحورى للاقتصاد المصرى رقماً قياسياً وصل إلى 11 مليون زائر، حيث ارتفعت عائدات السياحة إلى 14 مليار دولار، وهى أكبر زيادة على الإطلاق فى هذا المجال الذى طالما استقطب الزوار منذ 4000 عام.
وقد وضعت صحيفة الإندبندنت مصر على قمة ترشيحاتها لوجهات السفر خلال عام 2020 حيث تقدم مصر باقة متنوعة من الأنشطة التى تتضمن سياحة الشواطئ، السياحة الترفيهية والسياحة التراثية وزيارة المواقع الفرعونية والإسلامية والقبطية وغيرها وسوف يساهم الافتتاح المرتقب للمتحف المصرى الكبير فى 2020 فى إعطاء دفعة هامة للقطاع فى الأعوام القادمة. كل هذه المقومات تجعل من مصر وجهة سياحية متميزة لا يمكن تجاهلها.
يعكس هذا الزخم الثقة المتزايدة فى مصر، ليس فقط من جانب السائحين، بل أيضاً من جانب المستثمرين الذين يقدرون تحسّن الاستقرار فى البلاد. وقد أعلن البنك الأوروبى للإنشاء والتعمير (إى بى آر دي) مؤخراً عن استثماره فى 99 مشروعاً فى البلاد بقيمة 5.3 مليار يورو، بلغت فيها نسبة مشاريع القطاع الخاص %58.
وعلى نحو مماثل، استثمرت شركة ماجد الفطيم 26 مليار جنيه فى البلاد عبر مجموعة واسعة من القطاعات بما فى ذلك التنمية العقارات والتجزئة والترفيه. بالإضافة إلى ذلك نمتلك خطة لضخ رؤوس أموال إضافية من خلال عدد من المشروعات لتصل إجمالى استثماراتنا إلى 44 مليار جنيه فى السنوات القادمة.
إن الإشارة إلى انضمام مصر إلى مجموعة العشرين تعكس ما قد نراه فى المستقبل القريب من استثمارات أجنبية قد يتم ضخها فى الاقتصاد المصري. وتشير التقديرات أن تحقق تقدماً اجتماعياً واقتصادياً ملحوظاً يتطلب استقطاب ما يقرب من 500 مليار جنيه. فى رأيى إن هذا النوع من الفرص سيساهم فى إحداث تحولاً جذرياً.
التميز فى ظل التنافسية
على المستثمر الناجح امتلاك رؤية طويلة الأجل واتباع منهجية استثمارية تصل إلى عشرات السنين ولكن ما الذى يحتاجونه المستثمرون لفهم الفرص المتاحة والاستفادة منها؟ من وجهة نظرى، هناك عدد من العوامل الرئيسية.
أولاً، يتعين على المستثمرين التعمق فى فهم طبيعة السوق. حيث نرى أن وجهة النظر المحلية أمر فى غاية الأهمية للنجاح. فعلى سبيل المثال، هناك فرص عديدة لعروض البيع بالتجزئة فى البلاد، وهى واحدة من أقل الفرص استغلالاً فى العالم. ويتطلب الاستغلال الناجح لتلك الفرص مزيجاً من المعرفة والخبرة المحلية، التواجد الإقليمى، أفضل الممارسات العالمية.
ثانياً، تجربة العميل تعدّ أمراً مهماً. فعلى المستثمر وضع تجربة العميل واستدامة الأصول على قمة أولوياته.
وعلى الرغم من أن مصر تعد سوقاً كبيراً ومتنامياً، إلا أنه فى وقت ما، سيكون هناك موارد كافية لمواكبة الطلب.
ثالثًا، بمجرد الوصول إلى مرحلة التوازن، يصبح التميز أمرًا بالغ الأهمية. سيكون عملاؤنا المستقبليين أكثر فطنةً وتطلبًا من الجيل السابق لأنهم أكثر اتصالاً بالعالم. فهم أكثر فهماً لما ستكون عليه تجربة العميل رفيعة المستوى سواءً من الناحية المادية أو الرقمية، وهم أكثر ميلاً نحو الاستدامة والوعى البيئي. فلن يبحثوا على مجرد مكان للعيش أو مكان للتسوق فحسب، بل يسعون للعيش فى مجتمعات ومدن متكاملة.
ولذلك نحن نحرص دائماً على التأكيد بأن يكون لشركاتنا تأثير اقتصادى واجتماعى إيجابى أينما ذهبنا. فنحن فى متاجر كارفور على سبيل المثال، نحصل على %95 من المنتجات من مصادر محلية، وكذلك فى مراكزنا التجارية يحتل المشغلون المحليون نصف المساحة.
نهج تعاوني
فى الوقت الذى نقوم فيه برسم ملامح هذه الاستثمارات، يجب علينا أن نتوقع حجم الفرص المستقبلية، ونتأكد من أن ما ننشئه الآن يلبى احتياجاتنا لـ 10 أو 20 عامًا. ويتطلب القيام بذلك قدراً أكبر من الاستثمار بالإضافة إلى زيادة فى الالتزام بجودة واستدامة ما يقدمه هؤلاء المستثمرون.
وقد وضعت الحكومة المصرية رؤية واضحة للنمو والتعاون مع القطاع الخاص. ونحن نرى بأنه يتعين على رأس المال الخاص والشراكات العامة العمل معاً لضمان عموم فائدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المجتمعات التى تخدمها فى مصر.
إضافة إلى ذلك، يجب أن تقوم أى شراكة على نهج تدريجى طويل الأمد حتى نتمكن من دعم أهداف التنمية المستدامة فى مصر. وقد يتضمن ذلك إنشاء مجتمعات جديدة ودفع عجلة التطور المدنى وتعزيز خلق فرص العمل وريادة الأعمال.
إن التعاون مع المؤسسات الحكومية من شأنه ترسيخ الأعمال فى السوق المحلية وتمكين الشركات من المساهمة الفعالة فى الاقتصاد.
مجتمع مزدهر
فى شركة ماجد الفطيم، لا نبنى من أجل الربح فحسب، بل أيضاً من أجل خلق تأثير إيجابى تحدثه أصولنا وعروضنا على المجتمعات. نحن نبتكر لخلق تجارب متميزة لها تأثير إيجابى فى المجال الاقتصادى والاجتماعى على المدى البعيد.
ومن وجهة نظرنا فلهذه التطورات دور كبير فى تحسين صحة الناس ورفاهيتهم وأسلوب حياتهم بشكل عام. وهذا أمر فى غاية الأهمية بالنسبة لكل الأفراد المعنيين، بما فيهم فريق عملنا الذى يضم 7400 موظف فى مصر، بالإضافة إلى 126000 وظيفة غير مباشرة أوجدتها استثماراتنا على مدى السنوات الخمس الماضية، و37 مليون عميل نخدمهم فى مختلفة وجهاتنا فى مصر.
ولكن من المهم أيضاً بالنسبة لنا كمستثمرين أن نرسى أسس مجتمع سليم، فهذه الخطوة هى واحدة من الطرق التى تضمن تحقيق النمو المتوقع.
إن اتباع هذا النهج الشمولى فى التعامل مع الفرص الاستثمارية يمكننا من تحقيق الرخاء الاقتصاد والوصول إلى أقصى معدلات النمو.
وإننى أتطلع قدماً لمشاركتنا فى كتابة قصة النمو المذهلة هذه وإلى تحوّل مصر إلى واحدة من الاقتصادات الرائدة على مستوى العالم. فقد حان الوقت وها هى الفرص أمامنا.
آفاق تحقيق الرخاء الاقتصادى فى مصر 2050
بقلم- أحمد جلال إسماعيل
الرئيس التنفيذى لماجد الفطيم العقارية