“ماكينزي”: شركات اليوم تبحث عن قاعدة المواهب وجودة البنية التحتية
تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي
في عام 2010، كان يمكن للشركات حول العالم، أن توظف 8.3 عامل صناعي صيني بأجر عامل أمريكي واحد.
ولكن بحلول عام 2018 انخفض الرقم إلى 2.9 عامل، وفقًا للحسابات المستندة إلى مكاتب الإحصاء في البلدين.
جاء ذلك بعد ارتفاع متوسط الأجور الحقيقي في البلدان المتقدمة بنسبة 9% بين عامي 1999 و 2017.
وفي الوقت نفسه، تضاعفت هذه المعدلات في الدول الناشئة، وفقًا لمنظمة العمل الدولية.
قال رئيس قسم الأبحاث العالمية الكبرى في شركة “أكسفورد ايكونوميكس”، غابرييل ستيرن، إن قارة آسيا تنمو سريعًا وأصبحت أكثر ثراءً بشكل أسرع من أي مكان آخر.. وهذا يعني أن ميزتها التنافسية تتناقص بسرعة كبيرة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تتوافر فيه بدائل منخفضة الأجور، للوجهات التقليدية في الخارج، ومنها على سبيل المثال، أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والتى غالباً ما يقوضها ضعف البنية التحتية والحوكمة، فضلاً عن مستويات التعليم والمهارات المنخفضة.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، أنه كان هناك القليل من البيانات الموثوقة التي تحدد مباشرة نقل الوظائف إلى الاقتصادات ذات الأجور المنخفضة مع مرور الوقت. لكن الوكلاء يشيرون إلى تضاؤل هذا الاتجاه فى الوقت الحالى.
وكشفت بيانات معهد التمويل الدولى، أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض في الأسواق الناشئة إلى 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أدنى مستوى في القرن الحالى، من ذروة بلغت 4.4% عام 2007 قبل الأزمة المالية العالمية.
وانخفض معدل العائد على الاستثمار الأجنبي المباشر فى العالم الناشئ بشكل أسرع منه في الأسواق المتقدمة، وفقًا للبيانات الصادرة عن “يونيكتاد” ذراع التجارة والتنمية بالأمم المتحدة.
وأوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” أن النمو الضعيف في التجارة العالمية، أدى أيضًا إلى تباطؤ نقل العمالة إلى الخارج، وهي العملية التى كانت ملحوظة في سلاسل التوريد العالمية خلال العقدين الماضيين.
والأهم من ذلك، يبدو أن نسبة الانخفاض كانت مدفوعة من قبل الشركات العاملة في الخارج، للاستفادة من انخفاض تكاليف العمالة.
وقالت مؤسسة “ماكينزي” العالمية، إنه في عام 2017 كانت نسبة 43% من تجارة المنسوجات والملابس تعتمد على العمالة من الخارج.
وبالنسبة لصناعة الأثاث ولعب الأطفال والسلع الأخرى كثيفة العمالة، انخفض الرقم من 43% إلى 35% خلال الفترة نفسها.
وذكرت سوزان لوند، المؤلفة المشاركة في تقرير “ماكينزي”، أن صورة العولمة باعتبارها شركات تبحث عن عمالة بتكلفة أقل في جميع أنحاء العالم، أصبحت قديمة.
وأضافت: “تنظر الشركات في مجموعة كاملة من العوامل مثل قاعدة المواهب والقوى العاملة وجودة البنية التحتية والخدمات اللوجستية والقدرة على الاستفادة من النظم الإيكولوجية للابتكار”.
وأوضح المساعد الاقتصادي في شركة “أكسفورد ايكونوميكس” للاستشارات، بيتر كولسون :”تحولت الطاولات من حيث رغبة الشركات المصنعة الأمريكية في تحويل الإنتاج إلى الصين، مع بدء نشاط إعادة الامتصاص في الاتجاه المعاكس”.
ويشير كولسون، إلى أن الفجوة في تكاليف وحدة العمل بين الولايات المتحدة والصين، ستكون أصغر مما تشير إليه الفجوة في الأجور في الساعة، بالنظر إلى زيادة الإنتاجية في الولايات المتحدة.
وقال تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين لدى “رينيسانس كابيتال”، إن ضغط الأجور ليس هو السبب الوحيد لتباطؤ نقل العمالة إلى الخارج، إذ قدمت الصين فرصة رائعة لمليار شخص يمكن توظيفهم كلهم عمالة رخيصة ويتعاملون بمستوى لائق.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك شيء من رد الفعل العنيف من قبل المستهلكين ضد نقل العمالة إلى الخارج، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمراكز الاتصال وموظفي الدعم في المكتب الخلفي الذين يقعون في أجواء بعيدة المنال.
وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن دفع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لإلغاء عقود عمليات النقل إلى الخارج من قبل الشركات الأمريكية، يؤتي ثماره على الأقل فيما يتعلق بمنع الشركات من نقل المزيد من الوظائف إلى الخارج حيث تسعى إلى تجنب التعريفات التجارية .
ومع ذلك، لم يتوقف الاتجاه إلى الخارج تمامًا حيث لا يزال المغرب يجتذب شركات السيارات الأجنبية في حين أن فيتنام التى تقل فيها أجور الصناعات التحويلية عن ثلثها في الصين وبعض دول الجوار في جنوب شرق آسيا تتمتع أيضًا بموجة من الاستثمار.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن الاتجاه الأخير تأثر بتحول الشركات متعددة الجنسيات للإنتاج من الصين من أجل الهروب من الوقوع في نظام التعريفة الجمركية للإدارة الامريكية.
ويعتقد روبرتسون، أن القوى الاقتصادية الأعمق تلعب دورًا كبيرًا، إذ يشجع النمو السريع للأجور في شرق أوروبا والصين، المصنعين على البحث عن فرص في الاقتصاديات ذات الأجور المنخفضة شمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
وأضاف:”ربما يكون الاتجاه الجديد فى الوقت الحالي، هو التحول من الأسواق الناشئة ذات الأجور المرتفعة إلى الأسواق ذات الأجور المنخفضة”.