على الرغم من الاضطرابات السياسية الحالية والعقد الاقتصادى المتعثر منذ اﻷزمة المالية العالمية، تشهد إسبانيا تدفق متزايد من الاستثمارات الخارجية.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن إسبانيا تأتى ضمن أكبر المستفيدين من خروج بريطانيا من الاتحاد اﻷوروبى، فقد ارتفع الاستثمار فى دول الاتحاد اﻷوروبى منذ نتائج استفتاء الخروج عام 2016، على حساب اﻷموال اﻷجنبية المتجهة إلى بريطانيا.
وارتفع إجمالى رأس المال المقدر المستثمر فى مشاريع الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى المجالات الجديدة التابعة لدول الاتحاد اﻷوروبى الـ27، بنسبة 43% فى 3 أعوام حتى نهاية الربع الأول من عام 2019، مقارنة بـ3 أعوام سابقة، بينما عانت المملكة المتحدة من انخفاض بنسبة 30% فى استثماراتها الجديدة فى الفترة نفسها، وفقاً لقاعدة بيانات “إف دى آى ماركتس” التابعة لـ”فاينانشيال تايمز”.
وارتفع الاستثمار الأجنبى المباشر فى المجالات الجديدة، وهو الاستثمار الملموس على أرض الواقع الذى يجلب منشآت مادية جديدة أو موسعة وموظفين جدد، إلى إسبانيا بشكل حاد، فقد بلغ عدد المشاريع الواردة 552 مشروع فى عام 2018، مقارنة بـ299 مشروعاً فى 2014، بينما نمت الاستثمارات المعلن عنها من 7 مليارات دولار إلى 18.5 مليار دولار.
وقالت ماريا جيسوس فرنانديز، المديرة التنفيذية للمعهد الإسبانى للتجارة الخارجية، إن تطور اجتذاب إسبانيا للمستثمرين الأجانب أمراً لافت للانتباه، مشيرة إلى أن إسبانيا تمتلك مستوى قياسى من التدفقات الرأسمالية عاماً بعد عام، على خلفية تراجع الاستثمار اﻷجنبى فى العالم.
وأضافت أن هذا الاتجاه مستمر ومهم ويشير إلى أن إسبانيا أثارت اهتماماً كبيراً فى مجتمع الاستثمار الدولى.
وأشارت الصحيفة إلى أن اﻷمر اﻷهم هو جودة الاستثمار، فقد اجتذبت إسبانيا 43 عملية استثمار فى مقراتها الرئيسية بالفعل فى عام 2019، مقارنة بـ14 عملية فى 2014، بالإضافة إلى ذلك، ارتفع الاستثمار فى مشاريع التصميم والتطوير والاختبار من 154 مليون دولار فى 2014 إلى 1.1 مليار دولار فى 2018، مع ارتفاع أعداد المشاريع بمقدار 3 أضعاف، بجانب استثمار ما يصل إلى 3.6 مليار دولار فى مجال تكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية للإنترنت منذ عام 2014، واستثمار 246 مليون دولار فى مجال البحث والتطوير منذ 2014 أيضاً.
ومن بين أحدث الاستثمارات التى شهدتها إسبانيا، انعقاد شراكة بين شركتى “يونيفرسال روبوتس” الدنماركية، العاملة على تطوير الروبوتات الصناعية، و”موبايل إندستريال روبوتس” الدنماركية، لافتتاح مركز متخصص فى مجال الروبوتات فى مدينة برشلونة على مساحة 1500 متر مربع، حيث يستهدف هذا المركز تعزيز الابتكار وسيستضيف صالة عرض لإيضاح التطورات الجديدة.
وفى الوقت نفسه، استثمرت شركة “فرى ناو” اﻷلمانية لخدمات النقل، وهى شراكة بين صانعى السيارات اﻷلمانيين “دايملر” و”بى إم دبليو”، ما يصل إلى 30 مليون يورو فى مركز الابتكار التابع لها فى برشلونة، فذلك المركز الواقع على مساحة 1400 متر مربع يحتوى على 100 عامل ومن المتوقع أن يوظف 50 عاملاً آخرين بحلول عام 2024.
أما مدريد، فقد شهدت قيام شركة “ناليج” اﻷمريكية بإطلاق مركز ابتكار، كما أن شركة “ديلويت” للخدمات المهنية افتتحت مركزاً للأمن السيبرانى بقيمة 18 مليون يورو والذى سيضم بدوره 570 موظفاً وسيوفر خدمات للأسواق فى أوروبا والشرق اﻷوسط وأفريقيا.
وحددت دراسة حديثة مدى ملائمة المدن الأوروبية للاستثمار فى الذكاء الاصطناعى بواسطة المؤشر المرجعى للاستثمار اﻷجنبى المباشر، وهى أداة تقييم تجمع البيانات حول العوامل التى تؤثر على القرارات الاستثمارية، لتجد أن مدينتى برشلونة ومدريد يأتيان بعد لندن وباريس مباشرة وقبل برلين وميلانو وفرانكفورت، وتحتل المدن الإسبانية المرتبة الأولى والثانية على التوالى من حيث التكلفة والرابعة والخامسة فى مقاييس الجودة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مناطق أخرى فى إسبانيا جاذبة للاستثمار القائم على الابتكار، فعلى سبيل المثال تخطط شركة “أكسنتشر” للاستشارات الإدارية والخدمات المهنية، ومقرها مدينة دبلن الأيرلندية، زيادة استثمارتها فى مركزها التكنولوجيا الرئيسى فى مدينة مالقة الإسبانية.
وقالت المديرة التنفيذية للشركة إن إسبانيا تستهدف التحول لتصبح واحدة من مراكز الابتكار الرئيسية فى العالم، فاﻷمر كله مجرد مسألة وقت، مشيرة إلى وجود منافسين لإسبانيا، فدولة الجوار البرتغال تقوم أيضاً بعمل جيد لتصبح مركزاً للابتكار فى شبه جزيرة أيبيريا والتمتع بطفرة فى الاستثمار الأجنبى المباشر.
وتأتى المنافسة الشرسة من جميع أنحاء أوروبا، وفى الواقع، من معظم أنحاء العالم الذى يتمتع بالاستثمار فى التكنولوجيا ذات القيمة المضافة العالية، لذا فإن نجاح إسبانيا يتطلب جهوداً كثيفة للحفاظ على تمويل التعليم والعلوم والأبحاث بشكل جيد، مع تنمية البيئة الديناميكية الحرة التى يزدهر فيها الإبداع.