يبدو أن الحروب التجارية التى نشبت العام الماضى كانت هادئة تمامًا مقارنة بالغارات الجوية فى الشرق الأوسط التى اندلعت مطلع عام 2020.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” أن بداية العام الجديد كانت مزدحمة بالنسبة للسياسة التجارية للولايات المتحدة مع تصويت لجنة مجلس الشيوخ على تعزيز التجارة مع كندا والمكسيك.
ولكن سوف تتركز القضايا الرئيسية خلال الفترة المقبلة على التداعيات الاقتصادية للتوترات المتزايدة فى الشرق الأوسط.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن الكثير من الحديث يدور حول إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، المنفصلة اقتصاديًا عن الصين، فى ظل تفكك علاقات واشنطن الاقتصادية بالشرق الأوسط وسط دق طبول الحرب فى المنطقة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه ترامب، إمكانية فرض عقوبات لم يسبق لها مثيل على إيران، وهدد بمعاقبة العراق إذا تجرأت على طرد القوات الأمريكية من البلاد.
وعلى الرغم من أن بغداد عانت بالفعل من العقوبات الأمريكية فى عهد الرئيس السابق صدام حسين، إلا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة بما فى ذلك ترامب، تعهد بدعم الحكومة العراقية الهشة اقتصاديًا.
ولكن بعد التوترات الأخيرة أشار ترامب، إلى أنه مستعد لتهديد العلاقة التجارية الأمريكية مع العراق بالإضافة إلى تحالفهما الدبلوماسى والعسكرى فى أعقاب اغتيال الولايات المتحدة للقائد العسكرى الإيرانى قاسم سليمانى.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن التجميد الاقتصادى لبغداد لن يكون حدثًا مدمرًا للاقتصاد العالمى، وقد لا يتخذ ترامب هذا القرار لكن مجرد التهديد بفرض عقوبات يشير إلى أن الولايات المتحدة يمكنها فك الارتباط الاقتصادى مع بلد رئيسى آخر فى الشرق الأوسط الأمر الذى من شأنه أن يخلق فراغًا فى المنطقة قد تملؤه الصين وروسيا.
وأضافت “فاينانشيال تايمز” أن العلاقة الاقتصادية أصبحت مختلفة بشكل ملحوظ بين الولايات المتحدة والخليج عما كانت عليه فى الماضى.
وقالت إليزابيث روزنبرغ، مسؤولة سابقة فى وزارة الخزانة الأمريكية، “فى هذا الفراغ، ستتحرك الصين وروسيا بالتأكيد من خلال تقديم الطمأنينة بأنهم يمكن أن يكونوا شركاء تجاريين أقوياء”.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن المصالح الاقتصادية والتجارية للولايات المتحدة فى العراق ليست تافهة حيث يعد العراق أحد أهم مصادر الخام الأمريكى على الرغم من أن الولايات المتحدة قلصت اعتمادها على البترول الأجنبى بما فى ذلك القادم من دول الخليج.
يأتى ذلك فى الوقت الذى أصبح لشركات الطاقة الأمريكية وجود قوى فى البلاد، بما فى ذلك “شيفرون” التى أمرت بإجلاء موظفيها الأمريكيين الأسبوع الماضى مع اندلاع التوترات.
وأوضحت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن العراق يعد أحد كبار مشترى القمح الأمريكى فى الشرق الأوسط الأمر الذى سيؤثر على الأسعار والمخزون خلال الفترة المقبلة.
“فاينانشيال تايمز”: واشنطن تكافح لاستعادة أى فقدان للنفوذ مع إيران والعراق فى أماكن أخرى بالمنطقة
وبالنسبة لإيران، تتعلق القصة الاقتصادية والتجارية بالاتفاق النووى بعد أن وافق الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، على الاتفاق عام 2015 الأمر الذى مهد الطريق أمام الشركات الأمريكية للقيام بأعمال تجارية فى البلاد أكثر بكثير من أى وقت مضى منذ ثورة 1979 مع حدوث توسع كبير فى التجارة.
وقبل أكثر من 3 سنوات بقليل أبرمت شركة “بوينج” صفقة لبيع طائرات بقيمة تبلغ 17 مليار دولار لشركة طيران إيران، لكن هذا الاتفاق سرعان ما تفكك بعد تولى ترامب، منصبه وانسحابه من الاتفاق النووى.
وكان مقتل سليمانى، والتصعيد العسكرى بين واشنطن وطهران ضربة جديدة لأى آمال بأن الولايات المتحدة قد تعيد الاتصال اقتصاديًا بإيران فى أى وقت قريب ويمكن أن تتعقد هذه العملية حتى لو استعاد ديمقراطى السيطرة على البيت الأبيض، العام القادم.
وقد تأمل الولايات المتحدة أن تتمكن من تعويض أى خسارة للنفوذ الاقتصادى والعلاقات التجارية مع إيران والعراق من خلال تعزيز العلاقات مع بلدان أخرى فى المنطقة، لكن الإشارات ليست واضحة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى رفعت فيه الولايات المتحدة بالفعل التعريفات على الصلب التركى وهدد ترامب، بإحداث دمار اقتصادى على أنقرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن القتل الوحشى للصحفى جمال خاشقجى، المقيم فى الولايات المتحدة على أيدى عملاء سعوديين قد يجعل المشاركة الاقتصادية مع الرياض صعبة بالنسبة للشركات الأمريكية ولذلك ربما تكون مصر أرضًا خصبة لمزيد من العلاقات التجارية الأمريكية فى المنطقة.
وفى أوقات التوتر والحرب السابقة فى الشرق الأوسط، كان بوسع الولايات المتحدة أن تخسر نفوذها الاقتصادى فى المنطقة ولكن مع صعود الصين كقوة عالمية سوف ترتفع تكاليف فك الارتباط بشكل حاد.