كانت ثمة تحذيرات، تفيد بأن أعباء الديون المتزايدة، تجبر بعضا من أشد الدول فقرا، على خفض مستويات الإنفاق العام الضيئلة بالفعل بشكل أكبر.
وذكر “ائتلاف اليوبيل للديون” أن كافة الدول ـ باستثناء مجموعة واحدة مكونة من 15 دولة منخفضة الدخل تستهلك فيها تكاليف خدمة الدين 18% أو أكثر من الإيرادات الحكومية ـ خفضت الإنفاق العام غير المتعلق بالدين منذ عام 2015.
وأوضح الائتلاف المساهم في الحراك العالمي لإلغاء الديون غير العادلة وغير القابلة للسداد لدى أفقر الدول، أن نصيب الفرد من الإنفاق العام الحقيقي، انخفض إلى النصف في جمهورية الكونغو بين عامي 2015 و 2018، في حين انخفض بنسبة 35% في تشاد ، و 21% في موزمبيق.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن هذه النتائج جاءت بعد أن حذر صندوق النقد الدولي، في أكتوبر الماضي، من أن نصف دول الأسواق الحدودية إما معرضة بشكل كبير لخطر السقوط في أزمة الديون، أو أنها منكوبة بالفعل.
وأوضحت سارة جين كليفتون، مديرة حملة “اليوبيل للديون”، التي تعتبر نفسها جزءا من حركة عالمية تُطالب بتحرير الدول والأفراد من “العبودية” للديون ، إن العالم بحاجة إلى الاستيقاظ من أزمة الاقتراض المتنامية في الدول الفقيرة.
وبين عامي 2001 و2015، استطاعت 36 دولة، من بينهما 6 دول أفريقية، التخلص من 76 مليار دولار من الديون كجزء من مبادرات تخفيف أعباء الديون، التي أطلقها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وغيرهما من الدائنين متعددي الأطراف.
ومع ذلك، دفعت موجة جديدة من الاقتراض، مدعومة بزيادة إصدار السندات الأوروبية ورفع الصين لمستوى الإقراض، في كثير من الحالات، الأعباء الناجمة عن الفوائد إلى مستويات ما قبل تخفيف الديون.
وكشف ائتلاف اليوبيل، بعد تحليل بيانات 60 دولة منخفضة الدخل، أن تكاليف خدمة الدين الخارجي لهذه الدول انخفضت من متوسط 16.6% من الإيرادات الحكومية في عام 1998 إلى 5.5% في عام 2011. لكنها ارتفعت منذ ذلك الحين إلى 11.1% العام الماضي.
وأوضحت الصحيفة أن صندوق النقد الدولي، يضع سيناريو أساسيا يتمثل في مواصلة ارتفاع تكاليف خدمة الدين الخارجي إلى 12.8% من الإيرادات بحلول عام 2022، لتصل بذلك إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2000.
ووفقا لحسابات ائتلاف اليوبيل، ارتفع نصيب الفرد من الإنفاق العام الحقيقي في 30 دولة تتسم بأدنى مدفوعات للديون، بمتوسط نسبته 14% بين عامي 2015 و2018، في حين انخفض معدل الإنفاق العام لدى الـ 30 دولة ذات أعلى معدلات لتكاليف خدمة الديون بمعدل 6% خلال الفترة نفسها.
وأشارت الصحيفة، إلى أن 14 دولة، من بين 15 دولة تنفق أكثر من 18% من الإيرادات على سداد الديون، قامت بخفض الإنفاق العام. وبلغ متوسط التخفيضات 13%.
وتضم هذه الدول جمهوريتي الكونغو وموزمبيق، اللتان ارتفع لديهما متوسط تكلفة خدمة الدين بنسبة 23% من الإيرادات الحكومية في الأعوام الأخيرة، وزامبيا التي بلغت خدمة الديون لديها 35% وانخفض نصيب الفرد من الإنفاق العام بنسبة 18% بين عامي 2015 و2018، وسيراليون حيث ارتفعت خدمة الدين بنسبة 36% من الإيرادات وتراجع الإنفاق العام بمقدار العُشر.
وقال تيم جونز، رئيس قسم السياسة في ائتلاف اليوبيل للديون، إن كل شخص يضع تركيزه على أهداف التنمية المستدامة، بحاجة إلى إيلاء مزيد من الاهتمام لمشكلة الديون الناشئة في مجموعة من الدول النامية.
وأضاف أن فكرة وجود تخفيضات فعلية في الإنفاق العام ، تفيد أن هذه أزمة حقيقية يجب معالجتها، مؤكدا أن ارتفاع مدفوعات الديون لدى العديد من الدول إلى المستوى المسجل في بداية العقد الأول من القرن الحادي و العشرين، تشير إلى أن خطأ ما قد حدث.
ويدعو ائتلاف اليوبيل للديون، إلى مزيد من الشفافية لمكافحة نمو الديون الخفية، كما حدث في موزمبيق وبعض الدول التي تمتلك قروضا مدعومة بالسلع الأساسية. كما يمكن لكل من إنجلترا ونيويورك، اللتان تصدران الكثير من الديون بموجب قانونهما، القيام بذلك أيضا مع اشتراط أن يتم الكشف عن القرض عند إصداره.
وبالإضافة إلى ذلك، يرغب ائتلاف اليوبيل من صندوق النقد الدولي، التوقف عن إنقاذ المقرضين المتهورين عندما يتلقى طلبا لمساعدة الدول التي تكافح مع ديونها.
وأفاد جونز، بأن صندوق النقد الدولي، يقرض مزيدا من الأموال التي تنقذ المقرضين على أساس وجود تخفيضات في الإنفاق العام وغيرها من التدابير التقشفية، مشيرا إلى ضرورة وجود تقاسم للأعباء بشكل أكبر. ويجب أن يكون هناك في أغلب الأحيان شطب للديون.
وفي ظل الأوضاع الحالية، يقوم المستثمرون بالإقراض بتهور، ولا يتخذون إجراءات الحذر الكافية قبل الإقراض، نظرا لقيام صندوق النقد، بإنقاذهم.
وقالت “فاينانشيال تايمز”، إن تعاظم خطر الخسارة ربما يؤدي إلى الحد من إقراض الدول الفقيرة بمعدلات فائدة أعلى.
ومع ذلك، قال جونز، إن الدول الأفريقية كانت تدفع عادة بين 7 ـ 12% للاقتراض بالعملة الأجنبية عبر سندات اليورو، في وقت يتمتع فيه العالم المتقدم بأسعار فائدة تقترب من أدنى مستوياتها.. لذا يبدو أن ثمة قصور في السوق يحدث على أي حال. وأشار إلى أنه إذا أدى ارتفاع المخاطر إلى انخفاض الإقراض، بالنظر إلى أسعار الفائدة التي يقرضون بها، فقد لا يكون ذلك أمرا سيئا.
وشارك كبير الاقتصاديين لدى بنك “رينيسانس كابيتال” الاستثماري، تشارلز روبرتسون، ائتلاف اليوبيل قلقه تجاه ارتفاع مستويات الديون. فهو يخشى زيادة مخاطر تمديد الديون في عام 2024-2025، عندما يحين أجل استحقاق السندات الأفريقية المقومة باليورو.
ويعتقدروبرتسون، أن فكرة السجلات التي تتسم بالشفافية فكرة ممتازة، موضحا أنه صادف مؤخرا دولة أفريقية غير معروف مستويات الديون الحكومية بها، حتى أن وزارة المالية لا تدرك مستوياته، لأن الإدارات الأخرى تضمن القروض ولا تفصح عن هذه المعلومات.
ومع ذلك، كان روبرتسون أقل تأييدا لفكرة إجبار صندوق النقد للمقرضين على تكبد خسائر أكبر عندما تكافح الدول لخدمة ديونها، بحجة أن هذا من شأنه ببساطة رفع تكاليف الاقتراض للدول المنخفضة الدخل، مما يؤدي إلى تحويل موارد أكبر من مجالات مثل التعليم والصحة.
وقال إنه كان من الصعب تبرير الإعفاء من الديون للحكومات التي اقترضت فقط لتمويل الأجهزة البيروقراطية غير الفعالة والمليئة بالعمال الوهميين، بدلا من الاستثمار في البنية التحتية الإنتاجية.
وعلى عكس ائتلاف اليوبيل، يعتقد روبرتسون، أن أي انخفاض في الإقراض الأجنبي قد يجعل الأمور في الواقع أسوأ بالنسبة للدول الفقيرة، مستشهدا بأسعار الفائدة المحلية لعام واحد البالغة 9.8% في كينيا و15% في غانا، والتي يمكنها الاقتراض من الخارج، مقارنة بـ 27.5% في زامبيا، التي تغلق حاليا أسواق الديون الدولية وتعتمد كليا على مجموعة صغيرة من المدخرات المحلية.