اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 111
انتهيت فى المقالة السابقة بالتنويه إلى أننى سأتحدث عن الاستثمار فى ولاية كارولاينا الشمالية.. وما أدراك ما مناخ وحوافز الاستثمار ورأى المستثمرين والمواطنين فى الولاية رغم عدم وجود هيئة استثمار أو وزارة استثمار فيها.
مازالت تحضرنى تلك الزيارة واللقاءات المهمة التى تمت هناك ومن أهمها عندما ذهبنا للقاء وجدنا ولاية هادئة أصبحت ملاذا لكل من يبحث عن مكان هادئ جميل وتكاليف معيشية فى مقدور الجميع بل رخيصة فى رأى العديد ممن انتقلوا إليها قادمين من ولايات عديدة سواء للعيش أو العمل أو الاستثمار.
مدينة شارلوت المدينة التجارية والاقتصادية الأكبر فى ولاية كارولاينا الشمالية حيث توجد بنية أساسية متميزة من طرق داخلية وسريعة وكبارى ووسائل نقل متميزة (باصات – مترو …الخ) ومرافق وتوسعات عمرانية بمواصفات وجودة عالية لاستيعاب 97 وافدا يوميا إليها.
مدينة استطاعت جذب العديد من الشركات إليها فى مجالات عديدة فى القطاع المالى والتكنولوجيا المالية والطاقة بمختلف أنواعها (نووية وجديدة ومتجددة) والنظافة وتدوير القمامة، وقطاع التشييد والبناء..الخ.
مدينة اهتمت كباقى مدن الولاية بالتعليم الفنى والارتقاء بمستوى الأكاديميات والمراكز الخاصة بها وبشراكة مستدامة مع القطاع الخاص تلبية لاحتياجاتها من العمالة.
مدينة يدير ملف الاستثمار فيها مكتب لتطوير الأعمال يتبع عمدة المدينة.. لا يوجد بها جهة حكومية تمنح الأراضى وإنما المستثمر يحصل على الأرض من خلال مكاتب السمسرة العقارية ويتعامل مع ملاكها مباشرة من خلال تلك المكاتب أو السماسرة المسوقة لها.
مدينة تقدم حوافز استثمارية متنوعة للمستثمرين تنافس بها الولايات الأخرى ولا تتقيد بالقانون الفيدرالى ولاسيما من حيث فرض الضرائب فهى تفرض فقط ضرائب عقارية وضرائب قيمة مضافة.. وليس بها ضريبة على الأرباح.
فتعجبت لذلك وإذا بيدى ترتفع.. لماذا؟ فكان الرد مايهمنا توفير فرص عمل وجذب شركات للعمل لدينا.. ولا يهمنا منطق الجباية وبمنحها ما يسمى بمنحة استثمارية وليست ضرائب بمعنى ضرائب.. لأنها إذا لم تأت فلن يتوفر لنا تلك النسبة الضئيلة المتبقبة من المنحة لصالحنا.. كما يهمنا استدامتها، وبالتالى فهى تتمتع بالحوافز متى استمرت فى العمل لدينا.. أما إذا قررت الرحيل فعليها دفع ما تم منحه لها بأثر رجعى.. وفوق كل ذلك تذليل عقبات الاستثمار وتشجيعه يأتى على سلم أولوياتنا لأننا نرغب فى خلق المزيد من الوظائف لأبنائنا وتوجيه الاستثمارات للاحتياجات الفعلية للولاية ومواطنيها فنحن نحدد أولوياتنا ونخطط لـ10 سنوات مقدما.. وبالتالى لدينا رؤية واضحة توجهنا فى التعامل مع احتياجات المواطنين كشركاء رئيسيين فى التنمية ومع القطاع الخاص الذى يرغب فى الاستثمار فى ضوء أولوياتنا.. فمثلا طلبنا من شركة أبل ألا تصنع هواتف لدينا ولكننا قمنا بتوجيهها للاستثمار فى بناء مركزا إقليميا لها للبيانات وتحليلها فى ظل تصاعد أهمية التحول الرقمى والتكنولوجيا المالية وتحليل البيانات الكبيرة Big Data Analysis.. ونتيجة للبيئة المواتية للاستثمار أيضا نقل بنك أوف أمريكا للشركات Corporate Headquarter مقره للعمل فى شارلوت.. وبسؤال كبراء مسئولى البنك والشركاء، فى عشاء عمل لشركة ديوك للطاقة، قالوا: نحن سعداء بانتقالنا للعمل هنا فمنذ 6 سنوات نقلنا مقر إقامتنا وعشنا بها لأن بها الكثير من المزايا.. ونجدها أفضل من ولايات كثيرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
وبسؤال مسئولى مدينة شارلوت قالوا نحن نعمل من أجل تعميق الثقة فى اقتصادنا وشفافيته وزيادة الثقة المتبادلة مع مواطنينا.. ونخضع للمساءلة من جميع الجهات وممن اختارونا لتولى مسئولية المدينة.. ونستمع للجميع للتطوير دوما.. فنحن فى حوار دائم مع المواطنين والقطاع الخاص.. كما أن القطاع الخاص شريك مهم فى التنمية لدرجة تعيين أعضاء مجلس التنمية الاقتصادية بمدينة شارلوت من القطاع الخاص ليكون رقيبا على صرف المخصصات الحكومية للمجلس لتطوير المدينة.
فلا تنمية حقيقية مستدامة دون التركيز على المواطن، وشراكة حقيقية مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى، طالما تحددت الرؤية الاستراتيجية والمجالات الرئيسية للتنمية وزادت درجة الشفافية والمساءلة.. كما أن مؤسسات الأعمال من جمعيات أو غرف تجارية تلعب دورا مهما فى دعم السياسات المواتية من خلال الحوار الدائم مع الحكومة المحلية أو المركزية على مستوى الولاية.
وما نبغى إلا إصلاحا وتوعية..
بقلم: إبراهيم مصطفى
خبير اقتصاد واستثمار وتطوير أعمال