تبدو منطقة العتبة فى قلب القاهرة، وكأنها اقتصاد مستقل بذاته، ومقسم حسب تمركزات كل قطاع سلعى.
ثمة منطقة مخصصة للملابس، وأخرى للمفروشات، وثالثة للنجف والأثاث، ورابعة للأدوات المنزلية والكهربائية، وهكذا.
وظلت العتبة، ملاذاً لأبناء الطبقة المتوسطة على مدى عقود، لتوفير احتياجاتهم بأسعار منخفضة، مقارنة بالمعروض فى المتاجر المختلفة.
ومنذ قرار تعويم الجنيه، ورغم إجماع التجار هناك على تراجع حركة البيع، فإنَّ الملاحظ ظهور فئات جديدة فى هذه الأسواق تسعى للاستفادة من فارق الأسعار الذى لم يعد بسيطاً.
«البورصة» أجرت جولة فى منطقة التجارة الأشهر بالقاهرة.
الحاج جمعة، عامل فى محلات أباظة المتخصصة فى بيع الستائر وأقمشة التنجيد، بمنطقة العتبة، يقول: «قبل ارتفاع الدولار، كنا نبيع للزبون الواحد ما لا يقل عن 50 متراً من أقمشة الستائر والتنجيد يوميًا، خصوصاً للعرائس.. واليوم بالكاد نبيع 20 متراً».
ويُضيف: «الزبون اتغير، وأصبح يكتفى بالقليل بسبب ضغوط المعيشة، ولا ينطبق ذلك على المستهلك البسيط أو المتوسط فقط.. بل امتد أيضاً للمستهلكين ميسورى الحال الذين كنا نسميهم واجهة المجتمع؛ لأنهم أصبحوا يفاصلون فى الأسعار بشدة، رغم أن منتجاتنا أرخص كثيراً من نظيراتها فى الأماكن الراقية».
ويُشير «جمعة»، إلى ارتفاع الطلب خلال الفترة الحالية على أقمشة التنجيد؛ نظراً إلى اتجاه المستهلكين منذ سنوات التعويم إلى تفصيل الأثاث بدلاً من شرائه تام الصنع، للهروب من ارتفاع الأسعار.
وقال وائل فهمى، صاحب مصنع صغير لإنتاج الأثاث الراقى، إنَّ معظم الطلبيات يتلقاها حالياً من عملاء يقطنون بالأماكن الراقية، ومنها مدن الرحاب والشيخ زايد والتجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، كما يتلقى طلبات من فيلات وشقق دوبلكس كبيرة.
وبدأ «فهمى» مشروعه عام 2017، عندما قرر إنتاج الأثاث الراقى فقط، المودرن والإستيل، وتنفيذ التصميمات التى يطلبها العميل، بجودة مرتفعة، ولاقى مشروعه نجاحاً ملحوظاً.
ويوضح «فهمى»، أنه بدأ مشروعه لاستهداف المستهلك الراقى منذ اللحظة الأولى، وهو ما دفعه لاستخدام أجود الخامات المتوفرة بالسوق، والتخصص فى نوعية الأثاث المودرن والإستيل.
المستهلكون يودعون الأثاث تام الصنع ويرفعون الطلب على أقمشة التنجيد
وفى شارع الغورية، يقع العديد من المتاجر المتخصصة فى المفروشات بمختلف أنواعها، ويتوافر أغلى تلك المنتجات لدى السوريين؛ نظراً إلى اتجارهم فى منتجات تركية الصنع.
وتستقبل المتاجر، عادة المستهلك المتوسط وفوق المتوسط غالباً، فى حين يتوجه محدودو الدخل والفقراء إلى الباعة المتجولين.
يقول بائع مفروشات يدعى الحاج عصام: «كنا نعتمد على تجهيزات العرائس فى مبيعاتنا.. وكنا نبيع بالدستة من كل نوع، الآن لا يشترى المستهلك سوى 6 قطع، وفى بعض الأحيان أقل من ذلك بسبب ارتفاع الأسعار.. ومحدش بقى يشترى كتير.. الدنيا واقفة».
بنهاية الشارع، توجد متاجر متخصصة فى بيع الملابس المنزلية «البيجامات»، أغلبهم تجار جملة ويبيعون قطاعى بأسعار الجملة، إذ يعتمدون على تجهيزات العرائس؛ نظراً لانخفاض أسعارهم، مقارنة بالمحلات خارج «الغورية».
يقول أحمد عادل، تاجر جملة للملابس المنزلية، إنه يستقبل يومياً نوعين من الزبائن، إما مستهلكين عاديين يبحثون عن المنتجات التى يرونها فى المولات الكبرى بأسعار رخيصة، وإما تجار «أون لاين» يعتمدون فى بضاعتهم على تجار الغورية.
ويوضح: «لم نعد نعتمد على البيع للمستهلك العادى.. بل أصبح تجار الأون لاين والمحلات الصغيرة فى المناطق الشعبية هم مصدر دخلنا».
ويُضيف «عادل»، إنهم يعتمدون فى تدبير منتجاتهم على المصنع مباشرة للوصول لأقل الأسعار فى ظل وصول سعر «البيجامة» الواحدة إلى 300 ـ 400 جنيه.
أما فى منطقة درب البرابرة الشهيرة ببيع النجف، فالتقينا واحدة من الزبائن تدعى مى سعيد، فقالت إنها لجأت لشراء النجف ووحدات الإضاءة من العتبة للهروب من الأسعار المبالغ فيها فى متاجر أخرى، إذ إنها وجدت أن الأسعار بالعتبة أقل بنحو النصف تقريباً، رغم عدم وجود أى فارق بينهما، سواء فى بلد المنشأ أو خامات التصنيع أو الموديلات.
ويقول رامى محمد، تاجر نجف فى درب البرابرة، إنَّ المستهلك لم يعد يُقبل على النجف النحاس كما كان معتاداً سابقاً، بل أصبح التوجه للنجف المودرن. ولعل انخفاض أسعارها مقارنة بالنحاس أسهم فى انتشارها.
ويُضيف «محمد»، أنَّ أسعار النجف النحاس تبدأ من 1500 جنيه للثلاث أذرع، وتصل حتى 5 آلاف جنيه للثمانى أذرع، مشيراً إلى ضعف المبيعات بشكل عام إذ يعتبرها بعض المستهلكين رفاهية.
كما يتجه مالكو النجف القديم إلى تجديده وإصلاحه بدلاً من شراء جديد.
أصحاب الفيلات يتجهون إلى «درب البرابرة» لتفصيل النجف فى الورش الصغيرة
ويوضح «محمد»، أنه يتلقى طلبيات من أصحاب فيلات فى الأماكن الراقية، لتفصيل نجف بمواصفاتهم الخاصة، يتناسب مع الديكورات؛ هروباً من الأسعار الباهظة فى المتاجر ذات الماركات الشهيرة.
ويقول محمد النجار، شريك فى أحد المحلات بمنطقة الموسكى، إنه قرر الاتجاه للاتجار فى الملابس الأقل جودة وسعراً، لتنشيط مبيعاته، إذ لم يعد المستهلك يأبه بالجودة، ولكنه يبحث عن الأرخص فحسب.
ويُضيف: «خلال موسم الصيف الماضى، تاجرت فى ملابس صيفية متوسطة الجودة، وكان سعرها أرخص من نظيراتها فى المحلات الكبرى، ولكنها كانت أغلى من الأسعار المتداولة فى العتبة، لذلك أصبتُ بالركود ولم أتمكن من بيع أكثر من نصفها».