تتصدر المسألة الصينية الأسئلة الأصعب للاقتصاد الدولى بالنظر إلى حجم الاقتصاد الصينى حيث تلوح فى الأفق مشكلات كبيرة فى المستقبل بالنسبة لها ولبقية العالم.
أولاً، الاقتصاد الصينى يتباطأ بشكل واضح ليس فقط بسبب تأثير تعريفة ترامب الجمركية وأحد الأسئلة المهمة هو كيف سيبدو النمو الصينى الذى وصل بالفعل إلى أدنى مستوياته منذ ثلاثة عقود؛ ووفقاً لتوقع صندوق النقد الدولى فإن 2019 سيحقق نمواً إجمالياً للناتج المحلى الإجمالى بنسبة 5.8%، وهو أقل بكثير من النمو فى السنوات الأخيرة، فى حين يتوقع البنك الدولى نمواً أفضل بنسبة 6.1%.
وكما يلاحظ تقرير للبنك الدولى، فإن إحدى الأدوات الكبيرة التى يتعين على الصين أن تحفز نموها هى الحافز المالى لكن هذه تعد مخاطرة تنذر بتفاقم أحد العلل التى يعانى منها الاقتصاد الصينى، وهى المديونية الهائلة.
وقد ينجح الأمر على المدى القصير لكنه سيخاطر بجعل الشركات المربحة بالكاد أقل إنتاجية وسيؤثر على النمو فى المستقبل.
وإذا واجهت الصين تباطؤاً كبيراً، فسيتم الشعور بالألم فى أماكن أخرى، خاصة بين العديد من البلدان النامية التى تشكل الركيزة الأساسية لتوقعات توافق الآراء بشأن النمو العالمى فى العام الجديد 2020.
وقال جوليان جيويرتز الخبير الصينى فى مركز “ويذر هيد للشئون الدولية” بجامعة هارفارد لمجلة “فورين بوليسى” إن بلاده مترابطة للغاية مع جميع الاقتصادات الكبرى الأخرى.
أضاف أنه يعتقد أن الهبوط الصعب لديهم ليس مرجحاً تقريباً مثل العديد من المخاطر الرئيسية الأخرى فى الأفق لعام 2020، مشيراً إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى الفوضوى على سبيل المثال.
وقال جيويرتز إنه إذا حدث الهبوط الصينى، فستكون له آثار هائلة على الاقتصادات العالمية وهناك سؤال أكبر حول مستقبل الاقتصاد الصينى نفسه، فهل سيظل مترابطاً إلى حد كبير، أم سيضاعف جهوده لإلغاء ترابطه الاقتصادى مع بقية العالم وهو أمر يتصارع عليه الصقور فى كل من بكين وواشنطن.
وأضاف أن تضييق العلاقات بين الولايات المتحدة والصين متجسد الآن فى السياسة الأمريكية حيث يتنافس المشرعون والمرشحون الديمقراطيون للرئاسة على أن يكونوا أكثر صرامة فى التعامل مع الصين.
وقال كليف كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا للاستشارات حول المخاطر إن الشىء الوحيد الذى يقلقه هو الفصل بين الولايات المتحدة والصين.
وأضاف أن المسيرة العنيدة بين البلدين لفصل قطاعات التكنولوجيا على الأقل قد تؤدى إلى تحويل التعريفة الجمركية لسلاح يعد بمثابة قوة طبيعية جديدة ما قد يجبر دول أخرى على تبنى سياسات مماثلة وهو ما يعتبر عقبة حقيقية أمام تحقيق النمو.
وهذا ليس مجرد تأثير لقرارات ترامب قد تنتهى مع رحيله آجلا أو عاجلاً، ويؤكد على ذلك كوبشان حيث وصف تضييق العلاقات الأمريكية الصينية بأنه أصبح الآن مكرساً فى السياسة الأمريكية ويتنافس الساسة الأمريكيون على إظهار العين الحمرء للصين مضيفاً أن ذلك هو التهديد الحقيقى للاقتصاد والاستقرار العالمى.
“هواوى” المورد التقنى الأول للحكومة الصينية نموذج لفك الارتباط الخارجى
وتمثل حالة شركة “هواوى” عملاق التكنولوجيا الصينى والتقنية الصينية نموذجاً لماهية ما تعنيه مساعى الصين لجعل اقتصادها الخاص وليس شركائها التجاريين المورد الرئيسى لها.
وقال جيويرتز إن السؤال الكبير غير المؤكد هو ما الذى يعنيه إعادة تقييم الترابط مع الاقتصاد العالمى من جانب القيادة العليا فى الحزب الحاكم بالنسبة لمستقبل الاقتصاد الصينى.
وأضاف أن مثل هذه الخطوة ستشمل رأسمالية الدولة على نطاق واسع بداية من إنشاء موردين محليين للصناعات الرئيسية، وتفكيك سلاسل التوريد الحالية ووضع سياسة صناعية قائمة على الطاقة المتجددة وصولاً إلى المزيد من الدعم الصناعى.
وتعمل بكين على تنشيط الجهود التى تبذلها على نحو متكرر للتحرر أخيراً من الهيمنة المالية للولايات المتحدة من خلال تسريع التحركات الصينية للمساعدة فى صياغة بدائل لنظام المدفوعات العالمى الذى تهيمن عليه أمريكا خاصة للدور المحورى للدولار فى التجارة العالمية، مما يمنح واشنطن حجماً كبيراً للتأثير على الدول الأخرى.
ويعتقد جيويرتز أنه فى دولة مثل الصين تصدر القرارات من أعلى إلى أسفل والقرارات التى تسيطر على مجالات متعددة من السلع إلى التكنولوجيا ستحتاج إلى أن تصبح أكثر اعتماداً على الذات خاصة من ناحية التمويل وسيكون هذا تغييراً عميقًا للغاية لعام 2020 والأشياء التى تنبأ بها الخبراء منذ زمن طويل ستصبح حقيقة.