دفع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التضخم فى الأسواق الناشئة إلى أعلى مستوى خلال 6 سنوات.. الأمر الذى يعكس اتجاه الانكماش الذى سيطر على العالم النامى منذ الأزمة المالية.
ومن المحتمل أيضًا، أن تتعزز موجة التضخم في أسعار الوقود، مدفوعة إلى حد كبير بتأثيرات القاعدة فى الأشهر المقبلة، مما يساعد في الحفاظ على مستويات التضخم الرئيسية العريضة مرتفعة.
ذكرت صحيفة “فايناشيال تايمز”، أنه فى هذه المرحلة لا يتوقع المحللون حدوث تحول فى دورة السياسة النقدية فى معظم الأسواق الناشئة، إذ تراجعت معدلات التضخم وأسعار الفائدة الموحدة فى العديد من البلدان خلال السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، فإن قفزة التضخم، قد تحد من نطاق مزيد من التسهيلات النقدية في دول منها المكسيك وجنوب إفريقيا والهند والبرازيل والفلبين، بجانب إضافة صبغة متشددة إلى صانعى السياسات فى أوروبا الشرقية.
وكشفت بيانات شركة “كابيتال ايكونوميكس” ارتفاع معدل التضخم فى دول العالم الناشئ إلى 4.6% على أساس سنوي، الشهر الماضي، مرتفعًا بشكل حاد من 3.4% في سبتمبر 2019.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن هذه القراءة تعد الأعلى منذ عام 2014 عندما كانت أسعار البترول تبلغ 110 دولارات للبرميل.
وقال كاماكشيا تريفيدى، الرئيس المشارك للنقد الأجنبي العالمي وأسعار الفائدة وأبحاث استراتيجية الأسواق الناشئة فى “جولدمان ساكس”، إن ثمة مزيد من التقلبات فى التضخم الرئيسى فى المستقبل، وخصوصاً بلدان العالم النامى.
وأضاف: “بعد مفاجآت التضخم الهائلة عام 2019 فى مختلف الأسواق الناشئة، كانت الابتكارات في الأسابيع الأخيرة على الجانب الآخر مع بعض المفاجآت الصعودية الملحوظة فى الهند وجمهورية التشيك والفلبين وبولندا وتركيا”.
وقفز مقياس تسارع التضخم لدى “بنك جولدمان”، فى 16 دولة من أوروبا الشرقية ، و هو ما وصفه البنك بأنه مؤشر ـ جيد إلى حد ما ـ على التغيرات المستقبلية فى التضخم على أساس سنوى، بعد انخفاضه إلى أدنى مستوياته فى سبتمبر الماضى.
وذكرت شركة “كابيتال ايكونوميكس” أن الزيادة كانت مدفوعة إلى حد كبير بارتفاع التضخم في أسعار المواد الغذائية، والذي قفز إلى أعلى مستوى فى 8 أعوام عند 8.2%.
وأضافت أن حمى الخنازير الأفريقية، التي خفضت قطيع الخنازير فى الصين بأكثر من الثلث مع خسارة تقدر بنحو 100 مليون خنزير وانتشرت إلى وسط أوروبا، كانت أحد أكبر أسباب الزيادة فى معدلات التضخم.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن حمى الخنازير الافريقية، دفعت أسعار لحوم الخنازير في الصين إلى مستويات قياسية، وانتشرت على نطاق واسع، إذ قفزت واردات بكين من اللحوم بنسبة 63% في الـ 11 شهرًا الأولى من 2019، مقارنة بالفترة المقابلة من العام السابق إلى 16.3 مليار دولار.
وعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار اللحوم البرازيلية، وهى فى معظمها لحوم أبقار، بنسبة 25.7% على أساس سنوى فى ديسمبر مرتفعة من 7.8% فى نوفمبر الماضى بسبب ارتفاع الطلب.
وقال وليام جاكسون، كبير الاقتصاديين فى الأسواق الناشئة لدى “كابيتال إيكونوميكس”، إن معدل تضخم أسعار اللحوم فى 14 دولة من الأسواق الناشئة الرئيسية يبلغ 33.5%.. وسيكون لهذا تأثيرًا أكبر على التضخم الإجمالى، مقارنةً بالدول المتقدمة.
وفى الوقت نفسه، ارتفع التضخم فى أسعار المواد الغذائية، بسبب الزيادة الحادة في أسعار الخضراوات فى الهند، بعد الفيضانات الشديدة التى أضرت بالمحاصيل الزراعية.
وأوضح خبير الأسواق الناشئة فى “كابيتال إيكونوميكس”، إدوارد جلوسوب، أن تضخم أسعار المواد الغذائية ربما يقترب من الذروة، إذ من المحتمل أن تبدأ موجة تضخم معتدلة بعد علامات تشير إلى أن الاضطرابات المرتبطة بحمى الخنازير الآسيوية بدات تتلاشى.
قال جلوسوب، إن أسعار لحوم الخنازير الصينية انخفضت شهرًا بعد شهر فى ديسمبر، للمرة الأولى منذ أوائل عام 2019، مع انخفاض معدل التضخم السنوي من 110% إلى 97% ، وهو اتجاه يتزامن مع ارتفاع مخزونات الخنازير الصينية والبولندية.
وذكرت “فاينانشيال تايمز”، أن احد أسباب ارتفاع معدل التضخم قد يكمن فى الجفاف وحرائق الغابات في أستراليا، والتى أدت إلى انخفاض أعداد الماشية.
وقفزت صادرات لحوم الأبقار الاسترالية إلى الصين بنسبة 81% فى أول 11 شهرًا من عام 2019، رغم أن إجمالى صادرات لحوم الأبقار فى البلاد ارتفع بنسبة 7% فقط، وأعيد توجيه الشحنات إلى الصين من أسواق أخرى منها اليابان وإندونيسيا وكندا والفلبين.
<< فاينانشيال تايمز”: زيادة أسعار المواد الغذائية والوقود يمكن أن يوقف دورة خفض أسعار الفائدة
وتوقع جلوسوب، أن التضخم سيشهد مزيدا من الارتفاع فى معظم بلدان الأسواق الناشئة.
ومن المرجح أن يؤدى ارتفاع أسعار البترول إلى دفع التضخم، نظرًا لأن أسعار الخام كانت منخفضة بشكل عام فى 2019، مقارنة بعام 2018، الأمر الذى قد يؤدى إلى انخفاض معدلات التضخم الرئيسية.
وأوضحت الصحيفة البريطانية ان الفروق السنوية في أسعار البترول، تحولت مؤخرًا إلى إيجابية، مما يعني أنها ستدفع التضخم فى مؤشر أسعار المستهلكين إلى الأعلى.
وقدّر جلوسوب، أن يرتفع التضخم فى أسعار البترول على مستوى الأسواق الناشئة من -4.5% فى الوقت الحالى إلى +3% على افتراض أن أسعار الخام الفورية ستظل عند مستوياتها الحالية.. وهذا سيكون كافياً لرفع التضخم الشامل بمقدار نصف نقطة مئوية.
وتوقع المحللون، أن يرتفع معدل التضخم الأساسى الذى يستبعد أسعار المواد الغذائية والوقود في البلدان التى خففت مؤخراً سياستها النقدية، مثل الهند، حيث تم تخفيض أسعار الفائدة من 6.5% إلى 5.25% فى العام الماضى.
وقال جلوسوب، إن البنوك المركزية “الأكثر تطوراً” فى آسيا ووسط وشرق أوروبا وشيلى، من المرجح أن تنظر فى مثل هذه المعدلات المرتفعة من التضخم.
ومع ذلك، فإن البعض الآخر ومنها كولومبيا والمكسيك، يميل إلى أن يكون متشائمًا تمامًا لأن أسعار الغذاء والوقود المرتفعة كانت من الناحية التاريخية أكثر عرضة للتأثيرات الثانوية على التضخم وزيادة توقعاته.
ونتيجة لذلك، تعتقد “كابيتال إيكونوميكس”، أن السياسة النقدية فى المكسيك وكذلك جنوب أفريقيا ستكون أكثر صرامة مما يتوقع كثير من المراقبين، العام الحالى.
وقالت شركة الاستشارات، إن المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة في الهند ربما تكون خارج جدول الأعمال على المدى القريب، بعد أن قفز معدل التضخم الرئيسى إلى 7.35% الشهر الماضي من نسبة بلغت 5.5% قبل شهر، وهى أعلى بكثير من هدف البنك المركزى البالغ 4%، وبالمثل، فإن الانتعاش الأخير فى التضخم البرازيلى قد يحبط المزيد من سياسات تخفيف السياسة النقدية.
وقال “جولدمان ساكس”، إن أكبر الاختلافات قد تأتى فى أوروبا الشرقية، لكن بالنظر إلى أن التضخم فى جمهورية التشيك ارتفع إلى أعلى مستوى فى 7 سنوات بنسبة 3.2% أعلى من المستوى المستهدف للبنك المركزى البالغ 1-3%، فإن المخاطر تميل نحو معدلات أعلى فى الأشهر المقبلة.