يبدو أن قرار عودة الهيئة العامة للاستثمار، لإشراف مجلس الوزراء مباشرة، وإعادة هيكلة الجهات المشرفة على إدارة الملف، كان طلباً خفياً أجمع عليه المستثمرون، وتلاقى مع رغبة حكومية قوية فى زيادة معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى شهدت تراجعاً بنسبة %23 العام المالى الماضى.
وأبدت منظمات أعمال نظرة متفائلة لإداة ملف الاستثمار، وهو فى قبضة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، خاصة أن تولى الأخير الملف يجعل مهمة التنسيق فى جذب الاستثمارات الأجنبية أيسر عما كانت عليه تحت إشراف وزارة الاستثمار.
ويصف رئيس الوزراء ملف الاستثمار بالمتشابك والمتداخل مع عدة جهات، وقال إن هذا الأمر دفع إلى عودة تبعية هيئة الاستثمار مرة أخرى إلى مجلس الوزراء؛ لكى تتمكن من إنجاز ملفاتها، وتيسير إجراءات التعاون مع الجهات المختلفة.
وقال رجل الأعمال محمد أبوالعينين، رئيس مجموعة سيراميكا كليوباترا، إنَّ إسناد ملف الاستثمار لرئيس الوزراء خطوة إيجابية ومهمة، تمثل نقطة تحول فى هذا الملف إذا تمت إدارتها بحكمة، خاصة أن خيوط اللعبة ستكون فى أيدى رئيس الحكومة الذى تجتمع على مائدته جميع الأطراف المعنية.
وأضاف «أبوالعينين» لـ»البورصة»، أن الفترة المقبلة تتطلب تغييراً فى سياسات الاستثمارات المستقطبة للسوق، إذ يجب تركيزها فى قطاعات جديدة مثل النانوتكنولوجى، والهندسة الوراثية، ومواكبة التغيرات العالمية والاندماج فى الثروة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا التصنيع الحديثة.
وتابع: «الصراع اليوم فى العالم معلوماتى، وليس صراعاً على النفط، وهو ما يحتم على مصر إقناع رؤوس الأموال فى المجال التكنولوجى بالاستثمار فى مصر».
وأشار إلى أن الحكومة مطالبة برصد كل المشاكل التى تواجه المستثمرين وحلها فوراً، وإعادة النظر فى أسعار الطاقة حتى تتمكن من جذب رؤوس أموال جديدة».
وقال عمر مهنا، رئيس مجلس الأعمال المصرى الأمريكى، إنَّ جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ليس مسئولية وزارة بعينها، وإنما يقع على عاتق الحكومة بأكملها.
وأضاف «مهنا» لـ»البورصة»، أن جذب الاستثمارات لا تتحمله وزارة بعينها؛ لأنه قد يعطل عملها بيروقراطية ووزارات أخرى، ما قد يؤثر على مناخ الاستثمار بشكل عام.
وأوضح أن لكل وزارة وهيئة وجهاز حكومى دوراً ومسئولية فى جذب الاستثمارات، بجانب ضرورة تحسين المناخ العام لمصر، ووجود قوانين محفزة للمستثمرين، وتنفيذها بالشكل الأمثل.
مهنا: كل الجهات الحكومية تشترك في مسئولية جذب الاستثمارت
وقال الدكتور شريف الجبلى، رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، إنَّ نقل ملف الاستثمار إلى صلاحيات الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، خطوة جيدة جداً نحو جذب استثمارات أجنبية جديدة.
وأضاف «الجبلى» لـ«البورصة»، أن الأهم من تلك الخطوة هو الاستمرارية فى متابعة الملفات المتعلقة بالاستثمار بشكل دائم من خلال التنسيق بين رئيس الوزراء وهيئة الاستثمار، بحيث لا يتعطل إقامة مشروعات جديدة.
وأكد «الجبلى»، أن نقل الملف لرئيس الوزراء سيعيد الثقة للمستثمرين لضخ استثمارات جديدة، وقال «يجب أن يكون تشجيع المستثمر المحلى أولوية لدى الحكومة؛ لأن ذلك سيشجع الأجانب على الاستثمار فى مصر».
وأشار إلى أنه لم يكن لدى الجهات المعنية بالاستثمار سرعة فى اتخاذات القرارات المرحلة الماضية، ما كان يرهق المستثمر ويدفعه للرحيل، ولذلك يجب على مجلس الوزراء الإسراع فى إنهاء الإجراءات مع إعطاء المستثمر فرصة، وحال إثبات عدم جديته تسحب الأرض منه فوراً.
وطالب «الجبلى» هيئة الاستثمار بعقد لقاءات دورية مع منظمات ومجالس الأعمال للتنسيق المشترك بشأن أهم الملفات التى يجب أن تتضمنها خطة الطرفين لجذب استثمارات أجنبية جديدة.
وأكد أهمية عقد لقاءات قطاعية مع المستثمرين للاطلاع على رؤيتهم، وبحث العوائق التى تواجههم، بالإضافة إلى بحث المنتجات التى لها أهمية قصوى فى جذب استثمارات بها.
وأشار إلى أن تولى رئيس هيئة الاستثمار بعض المهام المتعلقة بعمل الوزارة، يتطلب أن يكون منصب الرئيس التنفيذى للهيئة يتمتع بعقلية العمل بالقطاع الخاص، بجانب خبرة مصرفية وتمويلية كالعمل فى بنوك الاستثمار، فضلاً عن أن يكون لديه خبرة فى المؤسسات الدولية، وذا أفق واسع للنمو بالاقتصاد الوطنى.
مستثمرون يعولون على الإدارة الجديدة لاستعادة معدلات التدفق الأجنبى
وقال أحمد الوكيل، رئيس اتحاد الغرف التجارية السابق، إنَّ إسناد ملف الاستثمار لرئيس الوزراء يعد أولى الخطوات الجادة تجاه جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإزالة العقبات التى تواجه الاستثمار المحلي.
وأضاف «الوكيل» لـ«البورصة»، أن جذب الاستثمار ليس مسئولية فردية تتولاها وزارة بمفردها، ولكنها مسئولية دولة بكل أجهزتها، خاصة أن وزير الاستثمار لا يمكنه التعامل فى جميع الأمور بشكل مباشر، مثل المشكلات المتعلقة بالكهرباء والغاز والأراضى.
وتابع «الوكيل»: «رئيس الوزراء قادر على اتخاذ القرارات المناسبة لتهيئة المناخ العام للاستثمار، وفك التشابكات بين الوزارات».
واستطرد: «الجانب الوحيد للاستثمار فى أى بلد، هو المناخ العام لها، إذ إن المستثمر قبل أن يقدم على ضخ أمواله فى أى بلد، يرجع إلى التقارير الدولية عنها».
وقال حسين صبور، الرئيس الشرفى لجمعية رجال الأعمال المصريين، إنَّ المهمة الأبرز والأصعب أمام رئيس الوزراء لتحريك ملف الاستثمار قدماً، هى القضاء على البيروقراطية والرشاوى وتعطيل صغار الموظفين للمستثمرين بحجة القوانين واللوائح.
وأضاف «صبور» لـ»البورصة: «وجود وزارة استثمار أو إلغائها أو إسناد الملف لرئيس الجمهورية نفسه، ليس الحل لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، ولكن الحل فى المرونة مع المستثمرين، بشأن تخصيص الأراضى وفك التشابكات وإزالة العوائق التى تواجه كل مستثمر على حدة، لذلك فإن الحل يأتى من أسفل الهرم وليس أعلاه.. يبدأ من صغار الموظفين المتعنتين أو الفاسدين».
وقال بهاء العادلى، رئيس جمعية مستثمرى بدر، إنَّ القطاع الخاص يعول على مجلس الوزراء بعد توليه ملف الاستثمار تذليل العقبات التى تواجهه، وفض التشابكات بين الجهات المنظمة لعملية الاستثمار وتحديداً تخصيص الأراضى الصناعية، والرسوم التى تفرض على المستثمرين دون أى سند قانوني.
وأضاف «العادلى»، أن أغلب الشركات كانت تلجأ إلى مجلس الوزراء فى حالة عدم وجود حل لبعض مشكلاتهم، لذا كان قرار عودة إشراف الهيئة لمجلس الوزراء خطوة جيدة ستقضى على البيروقراطية والروتين الذى يعد واحداً من أكبر المعوقات الاستثمارية.
وقال سمير عارف، رئيس جمعية مستثمرى العاشر من رمضان، إنَّ التحديات التى تواجه الاستثمار فى مصر مثل ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج فى القطاع الصناعى وأزمة العمالة المدربة تؤثر سلباً على سمعة المناخ الاستثمارى فى مصر خارجياً.
وأضاف «عارف»، أن تباطؤ الاقتصاد العالمى العام الماضى جعل المستثمرين الأجانب يفكرون بعمق قبل اتخاذ قرار بضخ استثمارات فى أى قطاع صناعى أو خدمى، معتبراً أن تراجع الاستثمار الأجنبى لمصر لا تتحمله الحكومة فقط، بل يعد تراجع الاقتصاد العالمى أحد المسببات.
ولفت إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التى تنفذها مصر لم تلبِ طموحات المستثمرين حتى الآن؛ نظراً إلى استمرارية ارتفاع أسعار الفائدة على القروض، بجانب رفع الدعم عن مدخلات الإنتاج منها الغاز، والكهرباء، والمواد البترولية.
وأشار إلى أن ملف الاستثمار لا يمكن أن تقوم به وزارة واحدة، بل هو عمل جماعى يتشارك فيه عدة وزارات مثل وزارة التجارة والصناعة، مؤكداً أن إشراف رئيس الوزراء عليه سيعزز من دوره خلال الفترة المقبلة.
وقال محمد المرشدى، رئيس جمعية مستثمرى العبور، إنَّ عدم تعامل الحكومة مع المستثمرين بجدية على مدار السنوات الماضية، تسبب فى تراجع وتيرة الاستثمار الأجنبى رغم الإصلاحات الاقتصادية التى تنفذها مصر حالياً.
وطالب «المرشدى»، رئيس الوزراء بتشكيل لجنة من كبار المستثمرين فى مصر، على أن تقوم اللجنة بتقديم توصيات إلى الوزارة سواء فى حل مشكلاتهم وتقديم مقترحاتهم حول كيفية جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر.