تسبب تفشى فيروس “كورونا” المميت، الذى أضر النشاط الاقتصادى والطلب الصينى على البترول، فى انخفاض أسعار البترول، ووضع الفيروس، الدول اﻷعضاء فى منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” والدول الحليفة، فى مأزق يضع أيديولوجيتهم اﻷساسية- المتمثلة فى الحفاظ على أسعار البترول الخام ليستفيد المنتجين والمستهلكين على حد سواء- تحت الاختبار.
وبدأت الدول والشركات الكبرى المنتجة للبترول، التكيف بشكل تدريجى مع واقع انخفاض الطلب العالمى على المدى المتوسط إلى الطويل.
وأفادت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية، بأن الاقتصاد الصينى المتوهج عانى تباطؤاً على مدار العقد الماضى، وتسارعت وتيرة هذا التباطؤ فى ظل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، والتوقعات بإمكانية استبدال البترول بمصادر الطاقة الصديقة للبيئة.
ومع ذلك، لم يتوقع أحد، حتى فى خيالهم اﻷكثر وحشية، تعرض الطلب إلى صدمة مفاجئة ناتجة عن فيروس جديد ومميت انتشر كالنار فى الهشيم فى أكبر دولة فى العالم، من حيث الكثافة السكانية، مما أسفر عن وفاة 2% من ضحاياه، ودفع البلاد لتبنى أكبر إجراءات للحجر الصحى والإغلاق فى التاريخ الحديث.
وأشارت المجلة، إلى أن الشلل شبه الكامل فى التجارة والسفر والصناعة فى مقاطعة هوبى، اﻷكثر تضرراً من كورونا، وتعطيل الخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد على نطاق واسع فى البلاد، تسبب فى انخفاض فورى فى الطلب الصينى على البترول.
وأصبح التباطؤ الشديد واضحاً فى اﻷسبوع الذى بدأ 9 فبراير الحالى، عندما واجه العمال والشركات الصينية عقبات كبيرة فى استئناف العمل بعد فترة طويلة من عطلة العام القمرى الجديد، ولكن تقييم المدة المحتملة للانكماش والمسار المحتمل للانتعاش وتأثيره على الاقتصادات الآسيوية اﻷخرى يشكل تحدياً هائلاً.
بالنسبة إلى مجموعة منتجى البترول “أوبك بلس”، فإن هذا اﻷمر لا يعنى فقط اتخاذ قرار بشأن مقدار خفض الإمدادات، بالنظر إلى مجموعة النتائج المتنوعة بشكل لا يمكن تصديقه، بل أيضاً الاتفاق على مقدار استعدادهم لترك الأسعار تنخفض عندما يواجه أكبر عملائهم رياح اقتصادية معاكسة جديدة.
وقارنت المجلة بين المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة “السارس”، وهو وباء عالمى نشأ فى عام 2002-2003 فى الصين، وفيروس كورونا الجديد، الذى يطلق عليه كوفيد-19، الذى أصاب عدداً أكبر فى الشهر اﻷول من انتشاره، مقارنة بـ 8000 مصاب بالسارس خلال فترة الـ6 أشهر كاملة، كما أن معدل الوفيات الناتجة عن كوفيد-19 البالغ 2% أقل بكثير من 9.6% التى سجلها السارس، ويتركز “كورونا” غالباً فى الصين، عكس “السارس”.
ويبدو أن تأثير تفشى كورونا على البترول، سيكون أكبر من السارس، ﻷن الصين تتمتع بحصة أكبر بكثير من الطلب العالمى على البترول، ونمو طلبها الآن بشكل أكبر، مما كان عليه قبل 17 عاماً، ويرجع الفضل فى ذلك إلى الزيادة الكبيرة فى قطاع التصنيع، ودورها فى سلاسل الإمداد الرئيسية للسلع الاستهلاكية والتكامل مع التجارة العالمية.
وأوضحت بيانات صادرة عن “أوبك”، أن الصين استهلكت نحو 5.6 مليون برميل من البترول يومياً فى عام 2003، أى حوالى 7% من الإجمالى العالمى، كما أشارت بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى استهلاك الصين أكثر من 13 مليون برميل يومياً فى العام الماضى لتستحوذ بذلك على 13% من الإجمالى العالمى، كما أنها شكلت نحو 3 أرباع نمو الطلب العالمى على البترول عام 2019.
من المؤكد أن الأزمة التى تشكل ضربة قوية للاقتصاد الصينى ستحدث لكمات قليلة إلى دول الجوار، خصوصاً رابطة دول جنوب شرق آسيا، أو ما يعرف أيضاً باسم منطقة الآسيان، وهى مركز قوى لنمو الطلب على الطاقة.
ومن المتوقع أن تطلق بكين إجراءات تحفيزية نقدية ومالية كبيرة لتحقيق هدف التوسع الاقتصادى لعام 2020، حتى لو كان الربعان الأول والثانى مخيبان للآمال، ولكن الحكومة لديها حيز محدود للمناورة، وربما تكافح لإيجاد طريقة لوضع الأموال فى جيوب الشركات الصغيرة، التى قد تكون الأشد تضرراً من فيروس كورونا.
وفى الوقت نفسه، تشعر أوبك بالقلق من تراجع الطلب الصينى على البترول، كما أوصى اجتماع طارئ للخبراء التقنيين خلال الفترة من 4 إلى 6 فبراير بتعميق خفض الإنتاج الجماعى إلى 2.7 مليون برميل يومياً فى الربع الثانى، مقارنة بخفض مقداره 2.1 مليون برميل يوميا متفق عليه فى الفترة من يناير إلى مارس.
وإذا تباطأ الاقتصاد العالمى فى عام 2020، متحدياً التوقعات السابقة التي تفيد بتحسن طفيف عن أداء عام 2019، فستحتاج أوبك وحلفاؤها إلى توخى الحذر من رفع أسعار البترول الخام بدرجة كبيرة، ولن يكون من مصلحتهم أن ترتفع اﻷسعار إلى الحد الذى يؤدى إلى إبطاء عملية استعادة النشاط بعد تأثير كوفيد-19، خصوصاً فى الصين وآسيا الأوسع نطاقاً.
وفى الوقت نفسه، إذا بقيت أسعار البترول الخام عند مستوياتها الحالية أو استمرت فى الانخفاض لفترة طويلة، فإنها قد تضرب اقتصادات أوبك، وتهز حفنة من الدول الغنية بالبترول فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التى تعانى بالفعل من صراعات سياسية إقليمية، وتضم قائمة هذه الدول السعودية وإيران والعراق وليبيا ونيجيريا.
وأفادت المجلة اليابانية، بأن الصعود السريع للصين كقوة اقتصادية ودولة غير مترددة فى استعراض عضلاتها، أدى إلى اكتساب الدولة الآسيوية، حلفاء جدد وخلق أيضاً كثيراً من الأعداء.
وأشارت إلى أن قرار الدول اﻷعضاء فى أوبك، والدول غير اﻷعضاء حول حجم تخفيضات العرض للربع الثانى وما بعده، سيوضح ما إذا كان المنتجون على استعداد للمخاطرة بالألم قصير الأجل لتحقيق مكاسب محتملة فى السوق على المدى الطويل.