عقد دويتشه بنك مقارنة بين دول الأسواق الناشئة، لتحديد الدول الأكثر جذباً لاستثمارات الأجانب خلال 2020، واختار مصر وأوكرانيا كأفضل وجهتين لتدفقات محافظ الأوراق المالية، ورغم تفوق أوكرانيا خلال الفترة الماضية، لكنه يرى أن مصر بات لديها فرص مستقبلية أفضل.
استراتيجية السوق المحلى
وقال البنك فى تقرير له، إن سوق السندات لكلا البلدين كان مدعومًا الشهور القليلة الماضية، من بيئة تجارة الفائدة الملاءمة فى ظل ارتفاع الفائدة الحقيقية، وتحسن الأوضاع الجيوسياسية فى أوكرانيا، واستقرار الأوضاع المحلية فى مصر.
وخلال الفترة الماضية تفوقت الأصول المحلية فى أوكرانيا عن مثيلتها فى مصر، مدعومة بانخفاض أسرع من المتوقع فى معدلات التضخم، والتوقعات بدورة تيسير نقدية قوية، وتلقيها تدفقات أجنبية قوية فى سوق السندات، وكذلك توقعات المستثمرين بتأثر أقل لأصولها، مقارنة بمصر حال وقعت الولايات المتحدة عقوبات على إيران.
وقال إن أسعار سندات الخزانة أجل 5 سنوات لدى أوكرانيا ارتفعت 4.7% ووصل العائد عليها إلى 9.4% فى حين أن السندات المصرية أسعارها ارتفعت 4.3% ووصل العائد عليها إلى 13.5%.
كيف تتمركز؟
يحافظ دويتشه بنك على رؤيته البناءة لكلا الدولتين، فالإقبال كثيف على عطاءات العملة المحلية، والفائدة الحقيقية مرتفعة، والتضخم أقل بكثير من مستهدفاته ما يفتح المجال أمام خفض جديد للفائدة بدون تشويه أسواق الدخل الثابت، ما يعنى أن مصر بحساب المخاطرة والعائدة أصبحت أكثر جاذبية، خاصة أن تعرض الأجانب ونسبة أوراق الدين التى يحملوها إلى إجمالى الديون المصدرة أقل، كما أن تسعير السندات جاذب مع مخاطر تعرض أقل لدورة تيسير نقدى قوية.
وتوقع وصول الفائدة على سندات الخزانة أجل 5 سنوات فى مصر إلى 11.5% بنهاية العام مقابل 8.5% فى أوكرنيا، ما يعنى أن أداء كلا السوقين يتفوق على تركيا وروسيا وجنوب أفريقيا.
وقال إن المعروض من أذون الخزانة الحكومى فى مصر، يصل إلى 455 مليار جنيه فى الربع الأول من 2020، وهى القيمة نفسها للربع الأول من 2019، لكنها أقل بكثير من مستوى 529 مليار جنيه فى الربع الرابع من 2019.
وعلى الجانب الآخر ارتفعت الإصدارات المخططة من السندات 3 مرات إلى 92 مليار جنيه عن المتوسط المقترح للإصدارات الربع سنوية خلال 2019.
وهو ما يعتقد البنك، أنه اتجاه سيستمر خلال الشهور المقبلة، فخلال الـ12 شهراً الماضية، كان 10% من إصدارات الديون فى مصر سندات و90% أذون خزانة، وهذه النسبة وفق خطط وزارة المالية.
ونوه البنك إلى أنه نتيجة الإقبال فى يناير، أصدرت وزارة المالية أذوناً بقيمة 165 مليار جنيه وسندات بقيمة 34 مليار جنيه مقابل مستهدفات 140 و27 مليار جنيه على الترتيب.
وبلغ صافى الإصدارات نحو 25 مليار جنيه للأذون و75 مليار جنيه للسندات، وذلك مقابل 83 مليار جنيه متوسط صافى الإصدارات ربع السنوية.
وقال إن الآجال 9 و12 شهراً فى أذون الخزانة كانت الأكثر طلبًا فى حين أن أجل 3 أشهر كان الطلب عليها أقل وانخفض نصيبها من نحو 25% من إجمالى الإصدارات إلى 2% فقط، وبالنسبة للسندات تعتبر أجل 3 سنوات هى المفضلة لدى المسثتمرين يليها 7 و10 سنوات ثم 5 سنوات.
أوضح أن حصة الأجانب من إجمالى الإصدارات ظلت مستقرة فى نطاق بين 12 و20% مقابل 30% مطلع 2019، وهو مركز أقل ازدحاماً، مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى، وهو ما يرفع حظوظها فى استقبال تدفقات الأجانب، خاصة فى السندات أكثر من الأذون.
أين تقف السندات المصرية بين الأسواق الناشئة؟
وسجلت السندات المصرية ثالث أكبر تراجع فى الفائدة، حيث أن فائدة السندات التركية انخفضت 7.63%، والأوكرانية 4.67%، ومصر 4.3%، وروسيا 2.37%، وجنوب أفريقيا 0.86%، والمجر 0.61%، ورومانيا 0.41%، وبولندا 0.19%.
ورغم ذلك احتفظت السندات المصرية أجل 5 سنوات بأعلى فائدة اسمية عند 13.5% مقابل 10.2% فى تركيا، و9.4% فى أوكرانيا، وجنوب أفريقيا 7.4%، وروسيا 5.9%، كما أن تمركز الأجانب فى مصر هو خامس أكبر مركز، حيث أن حصتهم إلى إجمالى الإصدارات لا تزيد على 17%، فى حين تعد إسرائيل هى الأقل بنحو 6%، يليها تركيا بنحو 10%، والفلبين فى المركز الثالث بحصة أجانب 11%، وجنوب كوريا فى المركز الرابع بنحو 16%، وفى المركز السادس تأتى تايلاند، وفى السابع تشيلى بنحو 18%، والمركز الثامن رومانيا بنحو 19%، والمركز التاسع بولندا بنحو 24%، والمركز العاشر أوكرنيا بنحو 30%.
الاقتصاد الأوكرانى
وتوقع دويتشه بنك، نمو الاقتصاد الأوكرانى بمعدلات ما بين 3.5 و4%، مع انخفاض التضخم إلى 4.1% فى ديسمبر، مع توقعات باستمراره دون المستوى المستهدف عند 5%، وهو ما يعزز فرص خفض الفائدة 5% خلال 2020، ورغم أن هناك مساحة لخفض أكبر فى أسعار الفائدة، لكن طبيعة تدفقاتها الدولارية ستجعلها تجرى تخفيضاً محسوباً للحفاظ على فائدة حقيقية مرتفعة.
وحدد البنك المخاطر الأوكرانية فى عدم اليقين حول اكتمال إصلاحات برنامج صندوق النقد الدولى، رغم أن تصحيح الوضع الخارجى للاقتصاد يحد من تلك المخاطر، لكن يجب الوضع فى الحسبان معنويات المستثمرين حال عدم الالتزام بالإصلاحات.
الاقتصاد المصرى
على الجانب الآخر، توقع البنك نمو الاقتصاد المصرى 5.8% خلال العام المالى الحالى و5.9% خلال العام المالى المقبل مقابل 5.6% فى العام المالى الماضى، مدعومة بارتفاع الاستهلاك، خاصة بعد انخفاض التضخم بصورة ملحوظة، وتوقعات استمراره فى خانة الآحاد خلال 2020، بدعم من ارتفاع الجنيه وانخفاض أسعار البترول وتدخل الحكومة فى سوق الطعام لاحتواء التضخم.
وقال إن النشاط الاقتصادى فى مصر جاء مدعوماً بنمو تكوين رؤوس الأموال وتحسن صافى الصادرات بدعم من الاستثمارات الحكومية، والأجنبية فى قطاعى البناء والطاقة، وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة ارتفاعاً تدريجياً فى الاستهلاك الخاص المتباطئ منذ الربع الثانى من 2018، نتيجة التضخم المرتفع وأوضاع السياسة النقدية.
ولفت إلى أن خفض الفائدة وتراجع التضخم لمستويات معقولة يجب أن يدعم تعافى الاستهلاك الخاص، والانفاق الرأسمالى للشركات غير النفطية، وتوقع استمرار ارتفاع صافى الصادرات فى ظل الاعتماد الأقل على استيراد الوقود الطاقة نتيجة ارتفاع الإنتاج المحلى، بجانب الاستفادة من ارتفاع الصادرات غير النفطية من الذهب والإلكترونيات والدواء، نتيجة تحسن تنافسية مصر منذ تحرير سعر الصرف.
فى الوقت نفسه، ستتسم مشروعات الدولة الضخمة فى البنية التحتية وتدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر الموجهة لتطوير حقول الغاز والبترول، وبناء العاصمة الإدارية الجديدة وتطوير قناة السويس والمنطقة الصناعية المحيطة، بدعم نمو تراكم رأس المال بمعدلات أعلى من 10%.
ورغم الرؤية الإيجابية لنمو الاقتصاد المصرى خلال العاملين المقبلين، لكن هناك مخاطر بوسعها خفض ذلك المعدل بينها الأزمات الهيكلية، حيث أن الدولة مازالت هى من تقود النمو الاقتصادى، والقطاع الخاص غير النفطى مازال هشًا، والأكثر من ذلك هو عدم كفاءة البنية التحتية، ومصارعة المصدرين غير التقليدين لدخول أسواق تصديرية جديدة سيكون عنصر حاسم فى تحسن القطاع الخارجى.
وقال إن العوامل الهيكلية ستحافظ على التضخم ما بين 6 و7% فى حال عدم تعرض لصدمات استثنائية، وإنه سيكون فى نطاق ما بين 4.9% و5.2% بنهاية مارس، و6.1% بنهاية يونيو 2020، و6.4% بحلول ديسمبر.
ونوه إلى أن تدخل الحكومة فى سوق الغذاء يهدف إلى احتواء مواطن عدم الكفاءة فى القطاع الزراعى، والذى يعانى من ضعف العائد، ومحدودية مساحات التخزين، وارتفاع تكاليف النقل.
وقالت إنه على الجانب الآخر، فإن التقلب الكبير فى الأسعار، مع حقيقة أن مكونات سلة السلع تميل أكثر إلى الارتفاع بدلاً من الانخفاض، والنمو النقدى الملحوظ حال حدوثه، والاختلالات المالية وضعف المؤسسات المالية فى مصر، سيكونان المحرك الأساسى لنمو الأسعار.
وذكر أن هناك مخاطر أخرى تحاوط الرؤية المستقبلية للتضخم بينها زيادة معدلات التضخم نتيجة الاضطرابات الجيوسياسية، وارتفاع الاستهلاك الخاص، وأسعار الإيجارات نتيجة ضعف المعروض، وكذلك الاتجاه المخطط له برفع سيطرة الحكومة عن أسعار الإيجارات، وقال إن الخفض التدريجى لأسعار الفائدة، سيعظم تدفقات الأموال لمحافظ الأوراق المالية، مع تحجيم مخاطر انزلاق التضخم.
وقال دويتشه، إن هناك بعض التشريعات يتم منافشتها فى البرلمان لها طبيعة تضخمية من رفع سيطرة الحكومة على الإيجارات، رغم أنه لا يوجد مناقشات حول ذلك السبب حتى الآن، لكنه ذكر أنه مع ارتفاع الفائدة الحقيقية إلى 6.5% و7% خلال فبراير ومارس ستكون فرص خفض الفائدة أكبر، ما يعزز فرص تثبيت الفائدة أيضاً الاجتماع المقبل، وتوقع خفض الفائدة 1% فى اجتماع أبريل، و1% بنهاية الربع الثانى من العام، و1% بنهاية 2020، لتستقر الفائدة الحقيقية عند 3% بنهاية العام.
الوضع الخارجى لمصر
توقع البنك تحسن عجز الحساب الجارى وتراجعه إلى 2.5% من الناتج المحلى الإجمالى و2% خلال 2021 مقابل 3.6% العام المالى الماضى، رغم وجود بعد المخاوف بشأن تراجع التحويلات من دول الخليج على خلفية انخفاض أسعار البترول، وقال إن الاستفادة من تدفقات المحافظ المالية، والاستثمار الأجنبى المباشر، سيظهر أثره المعاكس فى بند مصروفات دخل الاستثمار.
وذكر أنه على خلفية ارتفاع الفوائد الحقيقية، واستمرار التيسير النقدى، فإن استثمارات الأجانب فى الدين المحلى سترتفع، وهو ما يدعم استمرار قوة الجنيه، وتوقع البنك الألمانى أن يسجل الجنيه 15.5 جنيه بنهاية النصف الأول من 2020 و15 جنيهاً بنهاية العام، وأن يشهد الحساب الجارى تحسناً هيكلياً.
وقال إن ميزان التجارة البترولى يتحسن على خلفية انخفاض حجم الاستيراد والاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى، وأن التحسن فى الأوضاع الأمنية واستثمارات البنية التحتية سينعكس فى جذب السياح، وارتفاع إيرادات قناة السياسة، بالإضافة إلى أن تصفية المتأخرت على مصر لصالح الشركات الدولية سيكون له أثر على استثمارت الأجانب فى قطاع الطاقة.
مخاطر تحاوط القطاع الخارجى
ورصد البنك عدة مخاطر تواجه القطاع الخارجى بينها تدهور الأوضاع الأمنية والغضب الاجتماعى فى ظل ارتفاع معدلات الفقر إلى 32.5% من جملة سكان مصر فى العام المالى 2018، كما أن التدهور الذى قد ينشأ عن ارتفاع أسعار البترول أو انخفاض الاستثمار الأجنبى المباشر أو غير المباشر قد يؤدى إلى ضغط مالى، خاصة أن احتياجات مصر التمويلية من العملة الأجنبية تعتمد عليهما، خاصة مع ارتفاع استهلاك الديون الخارجية والاتساع المحتمل لعجز الحساب الجارى.
وقال إن الاستثمار الأجنبى المباشر عادة ما يتدفق لقطاعى الطاقة والمشروعات العقارية الضخمة وكلاهما سيشهد انخفاضاً حال تباطؤ الاقتصاد العالمى من جديد.
لكن البنك أكد أن السيناريو الأساسى هو ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبى حلال العامين المقبلين نتيجة انخفاض عحز الحساب الجارى، وأن استمرار تعميق الأدوات المالية فى مصر يجذب مزيداً من السيولة فى أسواق الدين خلال العامين المقبلين.