استضافت المجموعة العالمية التوجيهية للاستثمار المؤثر القمة السنوية فى “بوينس آيرس” فى ختام 2019 بعد تغيير المكان فى اللحظة الأخيرة من “سانتياجو” بعد أسابيع من الاضطرابات المدنية فى تشيلى.
وهذا هو التجمع الدولى الثالث إلى جانب قمة “أبيك” والمؤتمر العالمى للتغير المناخى الذى تم إلغاؤه وسط التوترات المتزايدة المرتبطة بعقود من عدم المساواة فى الدخل بالبلاد.
ومع توجيه الأنظار صوب شيلى، لفت المتظاهرون الانتباه إلى القضايا الحرجة التى تؤثر على الملايين فى جميع أنحاء العالم وهى الفقر، وانعدام الأمن الوظيفى، وضعف الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية الجيدة.
ومع بقاء 11 سنة فقط من عمر مخطط تحقيق الأهداف الطموحة للتنمية المستدامة الذى وضعته الأمم المتحدة، يركز المجتمع الدولى على توفير وتوليد تمويل أفضل للتنمية.
ويتمثل جزء رئيسى من ذلك المخطط فى ضمان وصول التمويل إلى السكان المحرومين من خلال موفرى الخدمات الأكثر فاعلية.
ويشير مصطلح موفرى الخدمات الأكثر فاعلية إلى أولئك الذين يقدمون المزيج الصحيح من الخدمات لتناسب احتياجات المستفيدين.
وتتيح السندات ذات التأثير أو المؤثرة كنوع من التمويل المستند إلى النتائج حيث يوفر المستثمرون الخاصون “المؤثرون” رأس المال الأولى لمقدمى الخدمات المرونة فى الإدارة لدفع تحسيناتها بما يلائم الظروف المحيطة.
وعلى الصعيد العالمى تم التعامل مع 173 إصدار للسندات المؤثرة لكن معظم هذه الصفقات كان فى البلدان ذات الدخل المرتفع وفى البلدان النامية لا يوجد حالياً سوى 18 سنداً من ذلك النوع بعيد الأثر.
ومن بين هذه الصفقات يوجد 11 سندا ذى تأثير على التنمية “DIBs”، حيث يكون ممول النتائج طرفاً ثالثًا، مثل الجهة المانحة، وبالنسبة للستة سندات الباقية فإن الحكومة المحلية هى التى تمولها، وبالتالى هى سندات للتأثير الاجتماعى وليس هدفها الربح المادى “SIBs”، وعلى الرغم من أن العديد منهم لديهم أيضاً ممول كطرف ثالث.
وكان القطاعان الرئيسيان المستفيدان حتى الآن هما الصحة والتوظيف، رغم أن الاهتمام بالتعليم آخذ فى الازدياد، مع بذل الجهود لإطلاق أموال فى الهند وأفريقيا والشرق الأوسط.
وتشمل بعض المبادرات فى هذه القطاعات تدخلات من أجل صحة الأم والطفل فى الهند والكاميرون، وتنمية الطفولة المبكرة فى جنوب أفريقيا والعمالة فى كولومبيا والأرجنتين وفلسطين.
وفى حين تم التعاقد على السندات ذات التأثيرلأول مرة فى بلد مرتفع الدخل فى عام 2010، كانت أداة التمويل نشطة فقط فى البلدان النامية منذ عام 2015، والتى تمثلت فى إطلاق “Educate Girls DIB” لتعليم الفتيات فى الهند، و DIB للكاكاو والبن المستدام فى بيرو.
وعلى الرغم من الاهتمام الكبير من جانب مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة فى مجال التنمية باختبار هذا النموذج والتعلم منه، إلا أن نمو السوق كان بطيئاً نسبياً.
وبالنسبة لتقرير معهد “بروكينجز” الأمريكى لعام 2017 تم إصدار أربعة فقط من هذه السندات المؤثرة.
ومنذ ذلك الحين، دخلت تسعة سندات أثر إضافية حيز التنفيذ، بالإضافة إلى أربعة مشاريع قيد الدراسة كما أن أكثر من نصف الصفقات المعلن عنها فى 2017 لم توقع بعد عقوداً بين جميع الأطراف.
ولعبت مجموعة من الجهات الفاعلة أدواراً مختلفة عبر الصفقات المتعاقد عليها فعلياً بما فى ذلك الجهات الممولة غير الربحية والمستثمرين ومقدمى الخدمات والوسطاء، فضلاً عن المنظمات الأخرى التى تقدم تمويل المنح والمساعدة التقنية.
وتشارك مجموعة متنوعة من المنظمات الممولة بهدف تحقيق نتائج متعلقة بمستوى التعليم أو الرعاية الصحية عبر 17 إصداراً للسندات.
وهناك 7 مشاريع تتضمن مؤسسة دورها تحسين التمويل بالإضافة إلى 9 مشاريع تشمل جهات متعددة أو ثنائية و7 تتضمن تمويل عبر الحكومة المحلية لتحقيق نتائج اجتماعية.
ويمكن وصف معظم الاستثمارات الصغيرة فى البلدان النامية على نحو أدق بأنها هجينة حيث تكون فى جزء منها تمويل يهدف الى تحقيق نتائج اجتماعية من كل من الحكومة المحلية بالإضافة إلى وجود ممول الطرف الثالث.
وعلى سبيل المثال، يجمع سند التعليم فى مرحلة الطفولة المبكرة فى جنوب أفريقيا بين التمويل من وزارة التنمية الاجتماعية وصندوق “أبيكسهى الخيرى”.
وشاركت مجموعة واسعة من أنواع المستثمرين فى السندات المؤثرة فى البلدان النامية ومع ذلك نجد أن المؤسسات وجهات تحسين التمويل هم النوع الأكثر شيوعاً من المؤسسات التى توفر رأس مال مقدم فى هذه الصفقات بهدف الربح مع مشاركة واحدة على الأقل فى 12 من أصل 18 صفقة.
ويشمل ذلك على سبيل المثال، “UBS Optimus Foundation”، التى استثمرت فى جميع سندات الأثر الاجتماعى الثلاثة فى الهند، بالإضافة إلى “Fundación Corona” و”Fundación Bolivar Davivienda” و”Fundación Mario Santo Domingo”، وقد استثمر كل منهما فى كل من “Colombia Workforce SIB” و”Cali Employability”.
وتشمل أنواع المؤسسات الأخرى التى تعمل كمستثمرين للمنظمات غير الربحية وصناديق الاستثمار والبنوك التجارية.
وتعتبر المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية إلى حد بعيد مقدمى الخدمات الأكثر شيوعاً، حيث تعمل عبر 14 من أصل 18 سنداً مؤثراً وثلاثة منها تشمل الخدمات التى تقدمها المنظمات التى تهدف للربح ويتم توفير التعليم الجامعى من قبل هذه المؤسسات.
وشاركت العديد من المنظمات الثنائية والمتعددة الأطراف فى السندات المؤثرة، وعلى سبيل المثال، قدمت الأمانة السويسرية للشئون الاقتصادية التمويل للنتائج الاجتماعية لجميع سندات الاثر فى كولومبيا، فى حين أن بنك التنمية للبلدان الأمريكية كان بمثابة ممول أساسى فى نفس الصفقات.
وتعد وزارة التنمية الدولية البريطانية “DFID” ممولاً للسندات الاجتماعية كما هول الحال فى “Village Enterprise DIB” فى كينيا وأوغندا واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وخضع 17 مشروعاً للتحليل من قبل باحثى معهد “بروكينجز” مع التركيز على العوامل الحاسمة للتمويل الفعال والفعال القائم على النتائج الاجتماعية والأهم من ذلك هو رصد الدور الذى قد تلعبه السندات فى تغيير العقليات لكل من الممولين المحليين وممولى التنمية بحيث يتم تلبية احتياجات جميع المواطنين.
وكان عام 2019 حافلاً بالأحداث بالنسبة لسوق السندات ذات التأثير، حيث تم التعاقد مع 18 صفقة جديدة بعد ما يقرب من عقد من الزمان منذ إطلاق أول سند تأثير اجتماعى “SIB” فى المملكة المتحدة، ولا يزال هناك الكثير لنتعلمه عن أداة التمويل المبتكرة خاصة فى تحديد الظروف التى تضيف فيها السندات المؤثرة القيمة الأكبر.
ونظراً لأن الغالبية العظمى من السندات ذات الأثر كما ذكرنا قد تم التعاقد عليها حتى الآن فى البلدان ذات الدخل المرتفع، فهناك فجوة معرفية واسعة فى تطبيقها فى البلدان النامية، حيث يكمن تركيز بحث معهد “بروكينجز”.
وفى تقرير “بروكينجز”، يراجع الباحثون مشهد ربط السندات والتعليم ذى الصلة على مدار العام الماضى مع تسليط الضوء على المكان الذى سيكون التركيز عليه فى العام المقبل.
وواصلت سوق السندات ذات التأثير نموها فى جميع أنحاء العالم، من خلال صفقات جديدة فى عشرة بلدان وتم التعاقد مع معظم الصفقات الجديدة بواقع 3 فى فرنسا و3 فى البرتغال و3 فى المملكة المتحدة، فى حين أن فلسطين وروسيا وكمبوديا تعاقدت جميعها مع سندات للمرة الأولى.
وعلى الصعيد العالمى، اعتبارًا من 1 يناير 2020، تم التعاقد على 176 سنداً مؤثراً معظمها من هذه المشاريع التمويلية فى قطاعى الرعاية الاجتماعية والتوظيف.
“السندات ذات التأثير” تحدد العائد على الاستثمار وفقاً للنتائج
وكان النمو فى البلدان النامية بطيئاً حيث تم التعاقد مع أربعة فقط من المشاريع الجديدة فى عام 2019 فى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وقد شمل ذلك اثنين فى فلسطين الأول لسند يربط أثر التنمية “DIB” بعلاج مرض السكرى من النوع الثانى فى مخيمات اللاجئين فى الضفة الغربية، والسند الآخر كان لدعم التوظيف فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وتم إطلاق سند للتوظيف فى كولومبيا بمدينة كالى، فى حين تم التعاقد مع بنك دبى الإسلامى لتحسين الوصول إلى الصرف الصحى فى كمبوديا.
وفى المجموع، أكمل 47 سندًا مؤثرًا تقديم الخدمات وفقاً للبيانات المتاحة، وهو ما يمثل أقل من ثلث إجمالى العقود المتعاقد عليها حتى الآن.
ونظراً لأن الجهات الممولة بحسب النتائج تسدد العائدات للمستثمرين فقط فى حالة تحقيق مقاييس التأثير ولذلك فإن حالة سداد المستثمر هى إحدى الطرق للحكم على نجاح الخطة.
وتشير البيانات إلى أن غالبية السندات ذات الأثر المنجزة قد سددت للمستثمرين عائداتهم الأساسية بالإضافة إلى العائد الإيجابى، فى حين أن مشروعين فقط لم يسددا للمستثمرين.
وفى عام 2019، نشر معهد “بروكينجز” تقريرين عن السندات المؤثرة وركز على نموج الاستثمار المؤثر فى الهند التى تعاقدت مع أكثر السندات تأثيراً فى أى دولة نامية حتى الآن، مع اثنين فى مجال التعليم وواحد فى مجال الصحة.
وكشفت تجربة نيودلهى إمكانية الربط بين التمويل القائم على النتائج والتعليم من خلال ثلاثة عوامل رئيسية وهى مقدمو الخدمات التعليمية الجاهزون والقادرون وتوافر تكنولوجيا لجمع البيانات والتحليل واستعداد الحكومة للمشاركة.
ويسعى الباحثون إلى دارسة كيف يمكن أن يؤدى الدفع مقابل النتائج إلى تحسين تقديم الخدمات وتعزيز التعاون وتعزيز النظم.
كما يمكن القول إن السند الأكثر تأثيراً وطموحاً هو مجال التعليم حتى الآن، سواء من حيث الحجم وعدد أصحاب المصلحة ولذلك فإن المشروع يمثل حالة اختبار مهمة لإمكانات الأداة.
ويعد ربط المدفوعات بالنتائج إحدى الطرق لضمان تركيز التمويل على النتائج ما يعطيه قدرة على دفع التعاون نحو تحقيق النتائج، وتحسين نظم البيانات، وتوجيه التمويل نحو مقدمى الخدمات والتدخلات التى تحدث تأثيراً ملموساً.
ويرصد الباحثون تطور التجربة فى عام 2020 من خلال تحليل تجارب أصحاب المصلحة المختلفين المنخرطين فى روابط التأثير، وعوامل التسهيل للنجاح، والعقبات والتحديات مع توجيه اهتمام خاص بالتعليم والبلدان النامية.
ويعتبر الهدف من جمع البيانات وتحليلها هو الاستمرار فى بناء المعرفة من خلال المشاركة على نطاق واسع مع أصحاب المصلحة فى القطاعات المختلفة مع التطلع إلى التعلم من خبرات المشاريع الجارية المثيرة.
وكان أحد أهم ما تعلمه الباحثون خلال السنوات الخمس الماضية هو الدور الرئيسى للبيانات فى التمويل القائم على النتائج.
وفى وقت سابق من هذا العام حدد الباحثون الأنواع الأربعة من البيانات اللازمة للتمويل القائم على النتائج وهى: التكلفة وتكلفة عدم العمل والأداء فى الوقت الحقيقى وبيانات النتائج.
ومن المفيد للمراقبين التحرى حول كيفية مساعدة التكنولوجيا فى جمع وتحليل بيانات الأداء فى الوقت الحقيقى واتخاذ القرارات.
ويعمل الباحثون على تحديث أداة حساب تكلفة التنمية فى مرحلة الطفولة المبكرة “ECD” القياسية للسماح بتطبيقها على كل من برامج تنمية الطفولة المبكرة والتعليم فى نسخة سهلة الاستخدام على الإنترنت.
وأخيراً، فكر الباحثون كثيراً فى كيفية تأثير الروابط على حياة الأفراد المستفيدين منها ووراء الأرقام يوجد بشر يعتمدون فى رفاهتهم وحتى بقائهم على الخدمات التى يتلقونها.
ويعنى ذلك أنه من المهم للغاية استكشاف بعض قصص الأفراد الذين يقفون وراء روابط تأثير التعليم فى البلدان النامية من خلال الوسائط المرئية.
ومن خلال هذه القصص التى توفر منظوراً أكثر إفادة عن المصالح الإنسانية وحول آلية التمويل التى استمرت قرابة العقد، وها بالتاكيد دور الإعلام بشتى أنواعه.