من المعتاد سنوياً أن تقوم وزارة التربية والتعليم بطرح مناقصة طباعة الكتاب المدرسى مقصورة على مطابع الجمهورية لتوفير ما يزيد على 300 مليون كتاب لمراحل التعليم بالدولة، وهذه كمية لا تقدر على تنفيذها مطبعة واحدة أو أكثر، بل هى فى حاجة لعشرات المطابع للحصول على حصة من هذه الكمية للتوريد فى الوقت المناسب، وبالجودة المطلوبة بحيث يتماشى التوريد مع العام الدراسى كل سنة، فصل أول وفصل ثان.
وكانت الشروط التى تضعها الوزارة منذ أكثر من عشرات السنين تتماشى مع القانون، والتوريد يتم حسب المواصفات والشروط الموضوعة، إلا أنه لسبب لا نعرفه منذ خمس سنوات أدخلوا نظاماً جديداً يتم تعديله كل سنة، ووضعوا شروطاً خارج نطاق الجودة والتوريد، بل تدخل فى أمور تعد مخالفة للتوريدات العامة وفى قانون التعاملات الحكومية.
قامت وزارة التربية والتعليم بطرح مناقصة طباعة الكتب المدرسية للعام الدراسى 2020-2021، وكل عام دراسى نتوقع من قطاع الكتب التعديل فى الشروط بلا مبرر قانونى أو فنى، ما أضاع حقوق الكثير من المطابع المتوسطة والصغيرة، وبها آلاف العمال، هذا ما تعودنا عليه من قطاع الكتب منذ عهد الإخوان فى الحكم.
هذا التعديل جاء فى عهد الإخوان بدأوها بوضع شروط منها تحديد عمر الماكينات المستخدمة فى الطباعة فى كل مطبعة، بهدف الترسية على مطابع معينة تابعة لهم، وتم بناء على ذلك استبعاد عدد من المطابع المتوسطة والصغيرة لعدم إمكانها استيفاء هذه الشروط للصعوبات المالية، لأن ماكينات الطباعة المستعملة بملايين الجنيهات، لذلك عجزوا عن تغيير أو إضافة ماكينات جديدة، ما أدى إلى استبعادها من العمل مع الوزارة، وهذا ما لا نراه فى أى صناعة، وتناست الوزارة والمشرفون على قطاع الكتب أن شرط الجودة وتاريخ التوريد وسابقة الأعمال هى الأساس الذى يجب اشتراطه، وليس منها عمر الماكينات، لأن العبرة بجودة الأداء، وحتى لا نصل إلى ما وصلنا إليه الآن من خروج قطاع عريض من المطابع المتوسطة والصغيرة ذات تاريخ جيد فى التعامل مع قطاع الكتب منذ عشرات السنين، وهذا يخالف سياسة الدولة من حيث الحفاظ على الصناعات المتوسطة والصغيرة، العبرة ليست بحداثة الماكينات وعددها، أو عدد ألوان طباعتها، ولكن بكفاءة العاملين عليها، العامل الماهر يمكن أن يعطى نتائج مبهرة لا تقدر عليها المطابع الكبيرة التى يشترطها قطاع الكتب.
إن وزارة التربية والتعليم وقطاع الكتب نسيا وتناسيا تاريخ المطابع فى التوريد فى السنوات السابقة، وشرط سابقة الأعمال مع الوزارة، وهذا أهم بكثير من الماكينات، فهو شرط حسب الطاقة معيب ومنقوص من حيث التطبيق، فقد ثبت أن مطابع وضعت ماكينات فى مطابعها لا تعمل، ولكن تؤخذ فى الحسبان من قبل لجنة القطاع فى توزيع حصص الكتب على المطابع، فإنَّ شرط توافر الماكينات يستلزم من الوزارة تعيين مندوبين دائمين لها لمتابعة المتغيرات التى تحدث داخل المطبعة خلال العام الدراسى، وهذا فى حد ذاته يضيف أعباء على الوزارة، هى فى غنى عنها، طالما أن التوريد يتم بطريقة سليمة، وفى الوقت المطلوب والمناسب، هذا هو الأهم بدلاً من الانشغال بأعمال فنية لا قبل لها بها، بل أحياناً تستعين ببعض من الأساتذة من كلية الفنون التطبيقية مقابل مكافآت وأعباء تتحملها الوزارة، فالأجدر أن تعين لجنة الاستلام من ذوى الكفاءات لديها القدرة للتحقق من مطابقة ما يتم توريده طبقاً لشروط المناقصة، دون النظر لأدوات الإنتاج فى كل مطبعة.
اللجنة من قطاع الكتب التى تعاين المطبعة مرة كل عام فيه قصور فى الأداء، هذا فى حد ذاته ليس مبرراً كافياً لتحديد جودة ما تنتجه المطابع، وفيه خروج عن المألوف فى الصناعة عموماً وليس فى الكتب فقط، العبرة بما يتم توريده من سلعة تحتاجها الوزارة وليس ما تمتلكه من ماكينات.
لقد أرسلت مذكرة بهذا الشأن للسيد الدكتور رئيس الوزارة، وللأسف لم نتلق رداً، وأوضحنا ذلك للوزارة فى مكاتبتنا عن السنوات الخمس التى وضعت فيها هذه الشروط فى عهد الإخوان لرغبتهم فى الإسناد لمطابع تتمشى مع ميولهم.
قطاع الطباعة نتعامل معه منذ عشرات السنين، لم يحدث ما يحدث فى القطاع الآن من تصعيب عمليات الإسناد، ووضع شروط غير قانونية تتحكم فى أسلوب الأداء فى المصانع والشركات، لأن طباعة الكتاب ترتبط بكفاءة الأداء وسابقة الأعمال مع الوزارة، بدلاً من وضع شروط فيها تعجيز للمطابع الصغيرة، واستبعادها من حلبة الإنتاج مع الوزارة وتشريد العمال، رغم أن لها سابقة أعمال مشرفة، وتم التوريد بشكل مميز ومطابق للمواصفات.
ليس العبرة فى الأداء، بل الجودة فى التوريد هى مقياس النجاح، وليس فى عدد ماكينات المطبعة، وإن كان الحجم يمكن أن يتدخل فقط فى توزيع حصص الكتب لكل مطبعة، وهذا خطأ فى حد ذاته.
إن ما ورد فى المناقصة من تحديد الحد الأدنى للشروط الفنية الواجب توافرها بالمطبعة لتحقيق طاقة إنتاجية بحد أدنى 300 مليون صفحة فى الموسم الطباعى، هذا الشرط والمتبوع بعدد ونوعيات الماكينات المطلوب وجودها فى المطبعة لا ينطبق إلا على مطابع الصحف القومية والهيئات الحكومية والمطابع الأميرية، وعدد من مطابع القطاع الخاص الكبيرة، واستبعاد للمطابع المتوسطة والصغيرة، والتى تتعامل مع الوزارة منذ سنوات بكفاءة وقدرة كاملة لكل ما أسند لها من كتب خاصة أن الجزاء الذى كان يطبقه قطاع الكتب قبل ذلك على تأخير التوريد هو استبعاد المطبعة من الموسم التالى للعمل مع الوزارة، وهذا جزاء كاف دون الحرمان القاطع، خاصة أن هذا العمل لا يعتمد على الماكينات وحدها، بل هناك ما هو أهم وهو توافر الورق المطلوب وبالقيمة التى تم حساب المناقصة على أساسها، خاصة أن مصادر الورق محدودة فى مصنعين فقط فى قطاع الاستثمار فى مصر، وهما شركة قنا وشركة إدفو للورق، وما يزيد على طاقتهما يتم استيراده من الخارج، مما يجعل تغيرات العملة وسوق الورق العالمى ومدخلات الإنتاج المستوردة تؤثر على الأسعار، وأيضاً مدة التوريد.
لذلك فإن الشروط المطروحة فى المناقصة وبخاصة شروط توافر معدات الطباعة وعددها ومكوناتها كل هذا يرتبط فقط فى تحديد حصة كل مطبعة، وليس الحرمان من التعامل مع الوزارة، فهذا قرار غريب فى قطاع الصناعة، والاعتماد على معاينة لجنة من القطاع غير مؤهلة فنياً مع معرفة كافة أنواع ماكينات الطباعة فى العالم وفى مصر بالذات ذات القدرات المختلفة فى هذه الصناعة التى تصل قيمة الماكينات فيها ملايين الجنيهات.
هذه الشروط المستحدثة جاءت فى عصر الإخوان بقصد حصر طباعة الكتاب المدرسى فى مطابع أتباعهم، وكانت خطوة أولى للتدخل فى تعديل المناهج لتخدم أغراضهم، ولكن قبل هذه السنة لم يكن هناك هدف سياسى للتحكم فى طباعة الكتاب، ولكن هذه الشروط جاءت للتحكم والسيطرة على العملية التعليمية وللأسف سار عليها قطاع الكتب دون توضيح ما سبب ذلك من الأساس.
نأمل من السيد رئيس الوزراء والسيد وزير التعليم مراجعة ما يحدث فى قطاع الكتب من وضع شروط تعجيزية للمطابع المتوسطة والصغيرة، رغم أن سابقة الأعمال مشرفة، وهذا يخالف سياسية الدولة، بل سياسة رئيس الدولة الرشيدة.
بقلم: أحمد عاطف عبدالرحمن