يناقش صانعو السياسة فى آسيا، سؤالاً مهماً يدور حول تأثير تباطؤ الصين الجديد الناجم عن تفشى فيروس “كورونا” على اقتصادات بلدانهم، خصوصاً أن الاقتصاد الصينى يمثل الآن 16% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، أى أنه أكبر 4 مرات من عام 2003 خلال ذروة وباء “سارس”.
قال روب سوبارامان، رئيس اقتصاديات الأسواق الناشئة فى بنك “نومورا”، إن الآثار غير المباشرة الناتجة عن الفيروس المعروف باسم “كوفيد-19” لا ينبغى الاستهانة بها، مشيراً إلى أن مركز هذا الفيروس يكمن بوضوح فى الصين، والاقتصاد الصينى أصبح أهم بكثير بالنسبة للعالم مما كان عليه من قبل.
وذكر مكتب أبحاث الاقتصاد الكلى التابع لرابطة “الآسيان زائد 3″، وهو مكتب يعمل كمستشار سياسى لرابطة دول جنوب شرق آسيا بجانب كوريا الجنوبية والصين واليابان، أن الناتج المحلى الإجمالى للصين ربما ينخفض بنسبة 0.5% هذا العام.
ويقدر مركز الأبحاث، إمكانية تسبب الضربة التى أصابت الناتج المحلى الإجمالى الصينى فى انخفاض نسبته 0.2% فى هذه الدول الـ 13، وربما تكون هذه أخبار غير مرحب بها بالنسبة لصانعى السياسة، ولكن التأثير لن يكون محسوساً على قدم المساواة، لأن الدول التى تعتمد على تدفقات كبيرة من السياح الصينيين قد تكون الأكثر تضرراً، ووفقاً لهذا الصدد، قدمت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية نظرة شاملة للضربة الاقتصادية المحتملة بالنسبة لبعض الدول الآسيوية، وهى كالآتى:
اليابان
عانى ثانى أكبر اقتصاد فى آسيا، من أكبر انكماش له فى غضون خمسة أعوام خلال الربع الأخير من العام الماضي، بعد ارتفاع ضريبة المبيعات وإعصار هاغيبيس المدمر، أما الآن يهدد فيروس كورونا بإغراق اليابان فى ركود تقنى.
وستعانى السياحة من ضرر شديد، إذ تعد البلاد وجهة مشهورة بالنسبة للسائحين الصينيين، فى حين كتب خبراء الاقتصاد فى مجموعة “سيتى جروب” المصرفية أن حجم التأثير الاقتصادى من انخفاض صادرات السلع والناتج عن تباطؤ اقتصاد الصين بشكل أكبر، قد يكون كبيراً بشكل غير متوقع.
مع تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا فى اليابان يوما بعد يوم، أشار ناوهيكو بابا، كبير الاقتصاديين لدى بنك “جولدمان ساكس” فى اليابان، إلى أن الخطر الأكبر يتمثل فى الاستهلاك المحلى، خصوصاً التأثير السلبى على الإنفاق التقديرى غير الضرورى وغير الملح، مثل الخدمات، ويتوقع البنك الاستثمارى، الآن، انكماش الناتج المحلى الإجمالى للبلاد بنسبة 0.3% فى عام 2020.
كوريا الجنوبية
نما اقتصاد كوريا الجنوبية، الذى يعتمد على الصادرات، بنسبة 2% العام الماضى، وهى أبطأ وتيرة نمو منذ عقد من الزمن. ولكن تخفيف حدة النزاع التجارى اﻷمريكى الصينى، دفع البنك المركزى فى البلاد إلى توقع نمو بنسبة 2.3%. كما أظهرت أكبر شركتين لصناعة الرقاقات فى البلاد، وهما “سامسونج إلكترونيكس” و”أس.كيه هينيكس”، علامات على التعافى.
ومع ذلك، يمكن أن يعيق تفشى فيروس كورونا، سيناريو التعافى، خصوصاً أن كوريا الجنوبية تعد مركزاً رئيسياً فى سلاسل الإمداد العالمية، والصين تظل شريكاً تجارياً مهماً بالنسبة لها، مما أدى إلى خفض “سيتى جروب”، توقعاتها لإجمالى الناتج المحلى لعام 2020 إلى 2%.
بالإضافة إلى ذلك، أعلن الرئيس الكورى الجنوبى مون جاى، حالة الطوارئ فى بلاده، نظراً للخطر الاقتصادى غير المعروف لتفشى كورونا، مع الحاجة إلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة لدعم الاقتصاد.
تايوان
ترتبط تايوان، المستفيد من الحرب التجارية، ارتباطاً وثيقاً بالصين من خلال سلسلة الإمداد التقنية العالمية، التى تعتمد على البر الرئيسى لاستيراد المنتجات الوسيطة، لذا خفضت الحكومة توقعاتها للنمو الاقتصادى هذا العام إلى 2.37% من التوقعات البالغة 2.72% فى نوفمبر الماضى، تحسباً لانخفاض الإنتاج.
ومع ذلك، يشعر خبراء الاقتصاد بالتفاؤل، فالمحللين فى بنك “جى.بى مورجان” يتوقعون تحسن ظروف الطلب الخارجى فى الربع الثانى من العام، كما أن الاتجاه الهيكلى للمصنعين التايوانيين، سيستمر فى تحويل إنتاج هؤلاء المصنعيين من البر الرئيسى.
هونج كونج
غرق اقتصاد هونج كونج، فى ركود العام الماضى بعد أشهر من الاضطرابات السياسية والحرب التجارية، أما الآن فقد تسبب تفشى الفيروس ودور الإقليم كبوابة اقتصادية إلى البر الرئيسى، فى جعل هونج كونج الاقتصاد اﻷكثر تعرضاً لكورونا فى منطقة آسيا باستثناء اليابان، وفقاً لما قاله سونال فارما، كبير الاقتصاديين فى بنك نومورا للهند والمنطقة الاقتصادية فى آسيا باستثناء اليابان.
ويساهم قرب هونج كونج، الجغرافى من الصين، واعتمادها على زوار البر الرئيسى، فى تعريض البلاد لخطر كبير من العدوى الفيروسية، إذ تمر نحو نصف صادراتها عبر الحدود، كما أن قطاع الخدمات النابض بالحياة- الذى يشكل نحو 29% من الناتج المحلى الإجمالى- يجعلها عرضة لانخفاض الطلب لأن اندلاع كورونا يقوض التجمعات العامة.
وقال أدريان لوى، الاقتصادى فى “سيتى جروب”، إن البنك خفض توقعاته للنمو فى البلاد عند اندلاع فيروس كورونا، ليتحول إلى انكماش سنوى نسبته 1.1% بعد توقعات بتوسع سنوى قدره 0.7%، ويرسم محللون آخرون صورة قاتمة فى حال استمر وجود الفيروس لفترة زمنية أطول.
تايلاند
ربما يكون قطاع السفر فى تايلاند هو القطاع اﻷكثر تضرراً من تفشى كورونا، خصوصاً أن الصينيين يشكلون 30% من إجمالى السياح المتجهين إلى تايلاند، كما يتوقع انخفاض الصادرات التايلاندية إلى الصين، والتى تمثل أكثر من 5% من الناتج المحلى الإجمالى التايلاندى.
وقال جاريث ليذر، كبير الاقتصاديين الآسيويين فى مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس”، إن إغلاق المصانع فى الصين سيؤدي إلى تعطل الشركات التايلاندية التى تصدر المنتجات الوسيطة من الصين، مشيراً إلى أن قطاعات المنسوجات والسيارات والإلكترونيات ستواجه معظم الاضطرابات، ويتوقع المجلس الوطنى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فى تايلاند، أن يتسبب فيروس كورونا فى انخفاض النمو إلى 1.5% هذا العام- حال استمر الوباء حتى يونيو- من 2.4% فى العام الماضى.
سنغافورة
قال خبراء الاقتصاد فى بنك “نومورا”، إن الاقتصاد السنغافورى، الذى انكمش العام الماضى إلى أدنى وتيرة منذ عام 2009، سينكمش بحدة فى الربع الأول، نظراً لانخفاض أعداد السياح، حيث يستحوذ السياح الصينيون على 18.9%، والشعور السلبى بتأثر النشاط الاقتصادى المحلى الشامل بشكل سلبى.
وخفضت الحكومة السنغافورية، هذا الأسبوع، توقعاتها للنمو الاقتصادي للعام الحالى إلى ما بين -0.5% و1.5% بعد أن كاننت 0.5% و2.5%، كما خصصت 5.6 مليار دولار سنغافورى ( أى 4 مليارات دولار) من موازنتها لهذا العام لمساعدة الشركات والأسر، وستنفق 800 مليون دولار سنغافورى أخرى لمكافحة كورونا.
فيتنام
فى ظل اعتبار الصين أكبر شريك تجارى لها، دفعت وزارة التخطيط الفيتنامية، الحكومة مؤخراً لوضع حزمة تحفيزية للحفاظ على نمو البلاد هذا العام عند مستوى يقترب من هدفها البالغ 6.8%.
وقالت الوزارة الفيتنامية، إن النمو الاقتصادى فى البلاد سيبلغ 6.25% هذا العام إذا تمت السيطرة على “كورونا” خلال الربع الأول، ولكن إذا استمر الفيروس إلى ربع سنوى آخر، فقد يتراجع النمو إلى مستوى أقل من 6%.
ومع ذلك، قال خبراء الاقتصاد فى “سيتى جروب”، إن النمو قد ينخفض إلى أقل من 4% فى الربع اﻷول من العام، كما أنه خفض توقعاته السنوية إلى 6.2%.
ماليزيا
مثل العديد من أقرانه في جنوب شرق آسيا، كان النمو الاقتصادى فى ماليزيا ضعيفاً، فقد بلغ 4.3% العام الماضى، وهو أدنى معدل له منذ 10 أعوام، وقالت نور شمسية محمد يونس، محافظة البنك المركزى الماليزى، فى منتصف فبراير الحالى، إن تفشى فيروس كورونا سيضر بالنمو الاقتصادى لبلاده هذا العام، بسبب انخفاض أعداد السياح والإنفاق على الفنادق وتجارة التجزئة والنقل والمطاعم، مضيفة أن تباطؤ الطلب وتعطل الإنتاج في الصين سيؤثران على صادرات الصناعية والسلع الأساسية.
وقال أليكس هولمز، الخبير الاقتصادي لدى “كابيتال إيكونوميكس” فى آسيا، إن إغلاق المصانع فى الصين، تسبب فى تعطيل كبير لقطاع التصنيع، وتعانى الشركات من نقص فى الإمدادات في الأجزاء الصينية الصنع، متوقعاً انخفاض النمو إلى 1.5% فى الربع الأول، وهو معدل أكبر بكثير من معدل الإصابة بالسارس.
الفلبين
كانت الفلبين تتوقع انتعاشا قويا بعد تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى معدلاته فى 8 أعوام خلال 2019، إذ كانت تستهدف نمواً تتراوح نسبته بين 6.5% و7.5% فى عام 2020، ومع ذلك، قال الاقتصاديون فى “نومورا”، إن الفيروس سيؤثر على الفلبين من خلال قطاعى السياحة والخدمات.
ويمثل السياح الصينيون 22.1% من إجمالى الوافدين إلى البلاد، بزيادة من 4.1% فقط في عام 2005، ولكن فى ظل التباطؤ المتوقع خفض البنك الهندى توقعات النمو الاقتصادى لهذا العام إلى 6.4% بعد أن كانت 6.7%.
وأشار بنيامين ديوكنو، محافظ البنك المركزى الفلبينى، إلى أن تفشى فيروس “كورونا” قد يكون له تأثير سلبى على النشاط الاقتصادى والمعنويات السوقية للبلاد فى الأشهر المقبلة.
إندونيسيا
يبدو أن إندونيسيا معزولة عن الفيروس، وبالتالى فهى محصنة فى الغالب ضد مشكلات سلاسل الإمداد العالمية التى تشمل الصين.
ومن المثير للدهشة بالنسبة لكثيرين، أن الدولة الآسيوية لم تؤكد بعد حالة إصابة واحدة بفيروس كورونا على الرغم من تدفق أعداد كبيرة من السياح الصينيين إلى منتجع جزيرة بالى.
ولكن الحظر الذى فرضته البلاد على الرحلات الجوية من وإلى البر الرئيسى للصين، يدل على تعرض صناعة السياحة في البلاد إلى ضربة قوية. كما أن الاقتصاديين في بنك “نومور” قالوا إن النمو البطىء فى الصين بجانب انخفاض أسعار السلع الأساسية سيؤثر على الصادرات الإندونيسية.
فى الوقت الذى ظل فيه حاكم الولاية بيري وارجيو متفائلاً بأن التأثير الاقتصادى سيكون قصيراً، وسيكون هناك انتعاش على شكل حرف V، خفض البنك المركزي في البلاد توقعاته لهذا العام إلى ما يتراوح بين 5% و5.4% بعد أن كانت تتراوح بين 5.1% و5.5%.
الهند
كانت الهند محمية نسبياً من تداعيات فيروس كورونا وتباطؤ الصين، وقال خبراء الاقتصاد فى “نومورا”، إنها ليست جزءاً من سلسلة القيمة العالمية المتمركزة حول الصين، حيث يذهب 5.3% فقط من إجمالى صادراتها إلى هناك، كما أن الصينيين يمثلون 2.7% من إجمالى زوار الهند.
وأشارت شركة “كريسيل” للتحليلات ومقرها الهند، إلى أن اضطرابات الإمداد فى القطاعات الرئيسية تعتبر التهديد اﻷكبر بالنسبة للمستوردين الهنود، إذ تضررت السلع الاستهلاكية المعمرة والإلكترونيات وألواح الطاقة الشمسية بشكل أكبر، نظراً لاعتماد هذه القطاعات على الشحنات القادمة من الصين.
ويعتبر هذا التطور غير مرحب به فى بلد كان فيه طلب المستهلكين يتراجع بالفعل، وقد تباطأ النمو بسرعة فى العامين الماضيين.
وعدلت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني توقعاتها للنمو الاقتصادي في الهند إلى 5.4% لعام 2020 بعد أن كانت تتوقع 6.6%، قائلة إن مراجعاتها تعكس التحديات المحلية بالكامل، وليس العوامل الخارجية.