سيكون الأسبوع الحالى مليئاً بالأنباء التى تشير إلى استعداد الحكومات والبنوك المركزية للقيام بما يتطلبه الأمر واتخاذ التدابير السياسية الإضافية لمحاربة التأثير الانكماشى لفيروس كورونا فى جميع الاقتصادات تقريباً حول العالم، وبالفعل أشار “الاحتياطى الفيدرالى” يوم الجمعة الماضية، إلى استعداده لتيسير الأحوال النقدية بالولايات المتحدة، فى حين أعلنت إيطاليا حزمة “علاج صدمات” من المحفزات المالية.
ومع صدور مزيد من التصريحات خلال الأسبوع، سيكون من الواضح أن التساؤلات لن تتعلق بالاستعداد للتحرك، وإنما بشأن فاعلية هذه التحركات، وستكون الإجابة على الأغلب مرضية جزئياً على المدى القصير.
أما الأمر الأقل وضوحاً، هو الحاجة لتقييم الفوائد الفورية مقابل التداعيات غير المقصودة المرتبطة بالاستخدام الحتمى للأدوات السياسية غير المناسبة للمهمة، وتتضمن تلك التداعيات مزيداً من الاقتراض من النمو المستقبلى، واعتماداً أكبر على الأنشطة المدعومة بضخات السيولة من البنوك المركزية.
ويشهد عدد متزايد من القطاعات والدول، توقفاً مفاجئاً للنشاط، نتيجة انتشار الفيروس أكثر حول العالم، وتضرر العرض والطلب بشدة بعدة طرق، فعلى سبيل المثال، حظرت شركة “نيوز كورب”، المالكة لصحيفة “وول ستريت جورنال”، موظفيها من السفر غير الضرورى، وتم إلغاء مزيد من المؤتمرات حول العالم، وخفضت شركات الطيران رحلاتها، وتطلب الشركات من موظفيها العمل من المنزل، وهى آلية تواصل البناء فى المدى القصير مدعومة بـ”الخوف من الفيروس” وبخصال سلوكية أخرى تهدد بحدوث جمود وعدم أمان.
كما تتعزز الدورات الاقتصادية الفارغة التى لها تأثيرات معاكسة اجتماعية وسياسية ومؤسسية، والتى تتفاقم نتيجة المخاطر الكبيرة لشلل بعض أجزاء الأسواق المالية، وتواجه العديد من الدول حالياً، احتمالية ركود عالية مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان وسنغافورة وغيرها الكثير، وستواجه الدول المتأزمة مالياً، ارتفاعاً فى مخاطر الائتمان وتهديدات التقنين الجبرى للائتمان.
وعلاوة على ذلك، سيضطر عدد متزايد من الشركات إلى مراجعة توقعات أرباحهم هبوطياً للعام أو ينسحبوا تماماً بسبب أوجه عدم اليقين الاستثنائية، وستقلق الشركات ذات الدعائم النقدية المحدودة وديونها المستحقة من احتمالات اضطرارها لإعادة هيكلة الديون، بجانب ازدياد حالات التعثر فى القطاعات الأكثر عرضة للمخاطر.
وفى ضوء كل ذلك، يجب ألا نندهش من أن هناك عدداً متزايداً من الدول ستعلن عن تدابير تحفيز طارئة، وبالفعل احتوت تصريحات الدول التى أشارت إلى استعدادها للتحفيز النقدى والمالى على معلومات مهمة، فالبيان النادر المكون من 4 أسطر لـ”الفيدرالى” يوم الجمعة الماضية، أشار إلى “مخاطر متزايدة” تواجه الاقتصاد الأمريكى واستعداد البنك المركزى لـ” تطبيق أدوات والتصرف كما يجب لدعم الاقتصاد”.
ومثلما تحول “الفيدرالى” عن موقفه تماماً منذ عام، بعد رفعه لأسعار الفائدة عدة مرات، فإن هذا البيان يفتح الباب أمام البنوك المركزية الأخرى لتخفيف الأحوال المالية، وحتى إن لم تنسق البنوك المركزية مع بعضها البعض، فسيكون العام الحالى عام التحفير النقدى الذى تستجيب فيه البنوك المركزية لنفس الأحوال الاقتصادية، ولكن لا تتعاون، ولا ينبغى الخلط بين الرغبة العارمة للحكومات والبنوك المركزية للتصرف، وبين فاعلية التحركات.
ولأسباب فصلتها سابقاً، يعد معالجة توقف مفاجئ للنشاط الاقتصادى، مثل ذلك المرتبط بفيروس كورونا، أكثر صعوبة بكثير على المدى القصير من التوقف المفاجئ فى النشاط المالى، لأنه لا يتطلب استجابات قومية ومحلية مستهدفة فحسب وإنما مجهودات منسقة دولية وليست فقط مجهودات عشوائية متشابهة، وبالنظر إلى استخدام الأدوات السيئة المصممة سريعاً وغير المناسبة، ستكون هناك حتماً أضرار جانبية وعواقب غير مقصودة، خصوصا على صحة الاقتصاد والاستقرار المالى على المدى الطويل.
وأفضل تدخلات سياسية مالية ونقدية نأمل فيها خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، هى دعم القطاعات الحيوية للتعافى الشامل وخصوصاً الخدمات الطبية، والتركيز على القطاعات المنكمشة الأكثر ضعفاً، والتى يكون لضعفها تداعيات سلبية كبيرة، وتوفير مساعدات إغاثية لميزانيات الشركات والأثر، وتعزيز مساعدات الطوارئ للدول التى تكتسحها هذه الصدمة خارجية المنشأ، ومعالجة مناطق التشوهات فى السوق من خلال ضخ السيولة المباشر فى الوقت المناسب، وزيادة الشفافية بشأن ما ينتظر الاقتصاد العالمى وبشأن الاستجابات الوطنية والتنسيق السياسى العالمى.
ومع ذلك، لن تتمكن هذه المجهودات من إدارة تعافى عالمى عام ومستدام على المدى القصير فى الثلاثة محركات الرئيسية للنشاط الاقتصادى وهم الاستهلاك والاستثمار والتجارة.
وسيضعف الاستهلاك بسبب نقص الثقة لدى الأسر للتفاعل فى الاقتصاد، وستؤدى توقعات الطلب الضعيفة بجانب اضطرابات سلاسل التوريد إلى تقوبض الانفاق الاستثمارى من قبل الشركات، وسوف تتعثر التجارة فى السلع والخدمات مع فرض المزيد من الدول قيود فى سعيهم لحمياية صحة وسلامة مواطنيها.
ولكى يقلب الاقتصاد العالمى هذه الصفحة، يحتاج دليل على التطور فى المجال الصحى وهما النجاح فى احتواء انتشار الفيروس، خاصة فيما يتعلق بانتقاله من مجتمع لآخر، والثانى هو نجاح مستمر فى التعافى من المرض وهو أمر لن يحدث سوى من خلال توافر مصل جديد.
أما الأسواق المالية، فستتسم بتأرجحات كبيرة فى الأسعار والسيولة، فى حين يبحر المتداولين فى بيئة تتسم بالأضرار الأعمق للشركات والاقتصاد من ناحية وضخ للسيولة من قبل البنوك المركزية والتصريحات السياسية والأنباء الصحية من ناحية أخرى.
بقلم: محمد العريان، المستشار الاقتصادى لمجموعة “اليانز”، ورئيس كلية “كوينز” بجامعة “كامبريدج”
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”