تتساءل شريحة كبيرة من شركات القطاع الخاص وأصحاب الأعمال بشأن الإجراءات الاحترازية والتدابير التى يجب عليهم اتخاذها داخل الشركات والمصانع وأماكن العمل المختلفة لاحتواء خطر تفشى فيروس كورونا والحد من آثاره على مستوى الأفراد والمجتمعات مع ضمان استمرار العمل داخل هذه المنشآت بما يكفل عدم توقف الإنتاج بها.
والحقيقة أن قانون العمل المصرى رقم 12 لسنة 2003 (فى الكتاب الخامس) تضمن العديد من النصوص التى تُلزم أصحاب الأعمال باتخاذ الاحتياطيات والتدابير اللازمة وتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل للوقاية من جميع أنواع المخاطر بما فى ذلك مخاطر الإصابة بالبكتيريا والفيروسات وذلك فى جميع الأوقات وليس فقط وقت تفشى الأوبئة والفيروسات.
فقد ألزم القانون أصحاب الأعمال بإجراء تقييم للمخاطر والكوارث الصناعية والطبيعية المحتملة وكذلك إعداد خطة طوارئ لحماية المنشأة وجميع العاملين بها حال حدوث أى مخاطر.
ويقع أيضًا على صاحب العمل التزام بإحاطة العامل بالمخاطر التى قد تواجهه أثناء عمله وإمداده بجميع أدوات الوقاية اللازمة وتدريبه على كيفية استخدام هذه الأدوات.
وعلى صاحب العمل كذلك إجراء الفحص الطبى الدورى لجميع العاملين لضمان سلامتهم واكتشاف ما قد يصبهم من أمراض.
ومن الأهمية الآن أن تقوم أجهزة الدولة المعنية ومكاتب السلامة والصحة المهنية بتكثيف جهودها وتفعيل دورها الرقابى على المنشآت والشركات لضمان التزام أصحاب الأعمال بتفعيل هذه الإجراءات والتدابير فى ظل الظروف الاستثنائية التى تواجهها مصر وجميع دول العالم.
سلطات صاحب العمل فى تنظيم العمل بمنشأته لاتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة.
على الجانب الآخر، آثار بعض أصحاب الأعمال التساؤلات حول مدى سلطاتهم فى تعديل ظروف العمل داخل شركاتهم للحد من انتشار العدوى.
وبقراءة نصوص قانون العمل المصرى نجد أن المشرع تناول العديد من المسائل المطروحة حاليًا وأجاب على معظم هذه التساؤلات.
• فقد قرر المشرع لصاحب العمل سلطة تقديرية واسعة فى اتخاذ جميع التدابير والوسائل المتعلقة بتنظيم العمل أو إعادة تنظيمه داخل المنشأة على النحو الذى يتراءى له طالما أن هذه التدابير لم يشبها تعسف أو إساءة للعامل.
• ذهب القانون لأبعد من ذلك وقرر لصاحب العمل الحق فى مخالفة الشروط المنصوص عليها فى عقد العمل أو تكليف العامل بعمل مغاير لعمله الأصلى إذا كانت هناك حالة ضرورة أو قوة قاهرة تدعو إلى ذلك، ويكون تكليف العامل بعمل آخر فى هذه الحالة بصفة مؤقتة إلى حين زوال حالة الضرورة أو القوة القاهرة، والمقصود بحالة الضرورة – فى هذا الصدد – الظروف الملحة التى تطرأ على مكان العمل أو ظروفه بشكل استثنائى، والتى تبرر تكليف العامل بعمل غير متفق عليه، أما القوة القاهرة فهى الحوادث التى لا يمكن توقعها ويستحيل دفعها كالحروب والكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة والأمراض. فوجود مثل هذه الظروف الاستثنائية تقتضى تضافر الجهود وتكاتف الجميع لمواجهة آثارها والحد من الخسائر الناشئة عنها، ويلتزم العامل فى هذه الأحوال بتنفيذ الأوامر الصادرة إليه من صاحب العمل دون معقب.
لذلك نرى أن أصحاب الأعمال لديهم سلطة – إن لم يكن عليهم واجب – اتخاذ ما يرونه من تدابير وقائية استثنائية للحد من تجمع العاملين بشكل مكثف أو تواجدهم لساعات طويلة داخل أماكن العمل وذلك على غرار الإجراءات التى تبناها مجلس الوزراء بشأن تخفيض عدد العاملين فى المصالح والأجهزة الحكومية.
ولأصحاب الأعمال فى القطاع الخاص – بما لهم من سلطة تنظيمية بموجب القانون – أن يتبنوا بعض التدابير الاحترازية والتى تشمل على سبيل المثال:
• إلزام العاملين باستنفاد إجازاتهم السنوية خلال فترة انتشار الفيروس، حيث أن صاحب العمل لديه الحق قانونًا فى تحديد مواعد الإجازة السنوية للعامل حسب مقتضيات العمل وظروفه ويقع على العامل الالتزام بالقيام بالإجازة فى التاريخ وللمدة التى حددها له صاحب العمل.
• توزيع يوم الراحة الأسبوعية بين العاملين فى الشركة على أيام متعددة خلال الأسبوع فلا يوجد مبرر لحصول جميع العاملين على يوم الراحة الأسبوعية خلال يوم واحد (يوم الجمعة أو السبت عادة) بينما يتواجد جميع العاملين مجتمعين داخل الشركة بكثافة باقى أيام الأسبوع.
لذلك نطالب أصحاب الأعمال بوضع جدول لتحديد يوم الراحة الأسبوعى الذى تحصل عليه كل مجموعة من العاملين بينما تعمل مجموعات أخرى خلال هذا اليوم.
• تفعيل نظام العمل بورديات (شفتات) خلال اليوم لضمان عدم تكدس العمالة فى ذات الوقت داخل مكان العمل (خاصة الشركات التى لديها مصانع ذات كثافة عمالة كبيرة).
• حظر تواجد العاملين ساعات إضافية داخل أماكن العمل أو العمل خلال يوم الراحة الأسبوعية.
• السماح للشركات بإلغاء ساعة الراحة (التى يحصل عليها العامل بموجب القانون خلال اليوم لتناول الغداء والراحة) وتقليص ساعات العمل اليومية للحد من تجمع العمال.
• تبنى سياسات العمل عن بعد خارج مكان العمل طالما أن طبيعة العمل تسمح بذلك.
• التوجيه بعقد الاجتماعات والمناقشات عن بعد من خلال وسائل الاتصال الحديثة.
• تقليل سفر العاملين فى مأموريات خارج البلاد والغاء الفاعليات والتجمعات التى ترعاها الشركات.
أحقية العامل فى الحصول على راتبه حال توقف المنشأة عن العمل مؤقتا لوقف انتشار العدوى.
من المسائل التى تدور فى ذهن العاملين حاليًا هى مدى أحقيتهم فى الحصول على راتبهم في حالة صدور قرار بوقف العمل مؤقتا داخل الشركة التى يعملون بها لوقف انتشار العدوى على غرار ما حدث من إصدار الحكومة لقرارات غلق النوادى وقاعات السينما والمسارح والمراكز التعليمية والنوادى الصحية وغيرها من أماكن التجمعات.
ونص قانون العمل على أنه يحق لصاحب العمل فى الحالات التى لا يتمكن فيها العامل من مباشرة عمله لأسباب قهرية خارجة عن إرادة صاحب العمل أن يقوم بسداد نصف الأجر للعامل فى هذه الحالة.
ويبنى هذا الحكم على مبدأ العدالة وتوزيع المخاطر بين طرفى العملية الإنتاجية (العامل وصاحب العمل) فلا يتحمل أحد الأطراف العبء كاملاً دون الطرف الآخر.
والحقيقة أن سداد نصف الأجر فى هذه الحالات الاستثنائية يضع حلاً بديلاً ويقى العامل من حرمانه من كامل أجره استنادًا إلى مبدأ “الأجر مقابل العمل”، كما أنه يجنبنا قيام أصحاب الأعمال بإنهاء عقود العمل استناداً إلى نظرية القوة القاهرة أو الظروف الطارئة فى إطار الأحكام العامة للقانون المدنى، والتى قد يترتب عليها فسخ عقود العمل وتسريح العمال أو وقف عقود العمل مؤقتاً لحين زوال أسباب توقف العمل بالمنشأة.
• تفعيل دور صندوق إعانات الطوارئ.
وفى النهاية نرى ضرورة تفعيل دور صندوق إعانات الطوارئ للعمال الذى تم إنشاؤه بموجب القانون رقم 156 لسنة 2002 والذى يهدف إلى صرف إعانات للعاملين حال توقف صرف أجورهم كلياً أو جزئياً لحين إعادة تشغيل المنشآت مرة أخرى وذلك دعمًا لاستقرار الأوضاع المادية للعاملين وحفاظًا على مستوى الدخل الذى يعتمدون عليه فى معيشتهم.
بقلم: الدكتورة / إيمان صلاح الدين رياض
شريك بمكتب رياض ورياض للمحاماة والاستشارات القانونية
عضو هيئة تدريس بقسم قانون العمل والتأمينات الاجتماعية – كلية الحقوق جامعة القاهرة