بعد يومين من كثير من الدراما وقليل من المهازل، وفترات الملل الطويلة، توصلت مجموعة الدول فى “أوبك بلس”، بقيادة السعودية وروسيا، إلى “شبه” اتفاق على خفض إنتاج البترول بمقدار 10 ملايين برميل يومياً، مبدئياً، استجابة للانهيار فى الطلب الناتج عن فيروس كورونا.. وكلمة “شبه” هنا مهمة للغاية.
وجاءت الدراما من رفض المكسيك قبول حصتها من التخفيضات، تلتها المهازل عندما ترك وزير البترول المكسيكى الاجتماع الافتراضى لـ”أوبك بلس” لعقد محادثات منفصلة مع نظيريه الأمريكى والكندى، فى حين غرق وزراء المالية فى التفكير فى كيفية الرد على انسحاب الوزير المكسيكى، أما الملل فقد كان يتخلل هذه الأوقات.
وتتطلب من المكسيك خفض 400 ألف برميل من البترول يومياً فى المرحلة الأولى من اتفاق “أوبك بلس” الذى قد يمتد لمدة غير مسبوقة وهى عامين، ولكنها عرضت تخفيض ربع هذه الكمية ومن قاعدة إنتاج أعلى قليلاً من المطلوب.
وظهر فارس أبيض غير متوقع لإنقاذ المجموعة يوم الجمعة، وهو الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، واقترح ترتيب مع الرئيس المكسيكى أندريس مانويل لوبيز أوبرادور الذى يُعتبر فيه تخفيض الولايات المتحدة لإنتاجها بمقدار 250 ألف برميل يومياً خفضاً “مكسيكياً”.
ولكن لا تنخدعوا لأن هذا الترتيب لن يأخذ برميلاً واحداً إضافياً من سوق البترول، بخلاف ما كان سيختفى فى كل الأحوال بسبب الانهيار فى الطلب الناتج عن فيروس كورونا.. لذلك أقول إنه “شبه” اتفاق، ولا يزال على السعوديين والروسيين اتخاذ قرار بشأن كيف سيبتلعون عدم الالتزام الحقيقى من قبل المكسيك.
وللإنصاف، فإن اتفاق “أوبك بلس”، كبير فيما يتعلق بنطاقه بالنظر لحجم التخفيضات ومدتها، وستخفض 20 دولة الإنتاج بمقدار 10 ملايين برميل يومياً أو 23% لشهرى مايو ويونيو، ثم سيتم الخفض 8 ملايين برميل يومياً لنهاية العام، ثم إلى 6 ملايين برميل لمدة 16 شهراً حتى أبريل 2022، ولكن يثير الاتفاق بعض التساؤلات الأكبر من المكسيك، فروسيا على سبيل المثال ستخفض 2.5 مليون برميل يومياً على مدار الأسابيع الـ3 المقبلة، فهل حقاً ستفعل ذلك؟
بعد أن كان إيجور سيشن، رئيس “روسنفت” شركة البترول الحكومية، معارضاً شديداً لمساهمة روسيا المتواضعة فى التخفيضات السابقة، وفى ظل انخفاض أسعار البترول بشدة، يبدو بناء الاحتياطيات معقولا، وبدأت الصين والهند بالفعل، لكن مساحة التخزين محدودة.
ولاتزال لدى الولايات المتحدة مساحة لتخزين 77 مليون برميل فى احتياطها الاستراتيجى للبترول، ولكن الكونجرس رفض الشهر الماضى الموافقة على موازنة مبدئية بقيمة 30 مليون دولار لشراء البترول.
ويقدر متداولو البترول والمحللون، أن تشترى الصين 80 إلى 100 مليون برميل إضافياً العام الحالى، في حين تطلب الحكومة الهندية من المصافى المملوكة لها شراء 15 مليون برميل من الخام من السعودية والإمارات والعراق لملء مخازنها، وبخلاف هذه الدول الـ3 لا يوجد مساحة تخزينية فى أى مكان آخر.
وداخل مجموعة “أوبك بلس”، لاتزال مشكلة المكسيك قائمة، وكان رفض روسيا القيام بتخفيضات أعمق فى مارس هو سبب انهيار الاتفاق السابق، وبداية الرد الانتقامى السعودى بزيادة الإنتاج، فهل سيؤدى رفض المكسيك إلى الأمر نفسه؟
يبدو أن المجموعة تواجه 3 خيارات:
الأول، الادّعاء أن الترتيب الأمريكى المكسيكى سيحقق تخفيضات حقيقية، والمضى قدماً كأن شيئاً لم يحدث.
الثانى، توديع المكسيك وإخراجها من الإتفاق، فهى لم تقم أبداً بتخفيضات ذات معنى، ثم الإعلان عن تخفيض بمقدار 9.6 مليون برميل يومياً.
والثالث، مواصلة رفع الإنتاج، وإذا صدقوا على شكل من أشكال الاتفاقية، فستكون هذه المرة الثانية فى 5 سنوات التى تنهار فيها محاولة المملكة للضخ حسب الرغبة، ولكن هذه المرة انهارت بعد شهر وحد وهى مدة أقصر من الضخ السابق الذى انتهى بإبرام اتفاق أوبك بلس فى نهاية 2016.
ولكن نحن نعيش فى أوقات استثنائية للغاية تشهد تراجعاً غير مسبوق فى الطلب، فلا تتفاجأ إذا عادت الحرب على الحصة السوقية بين السعودية وروسيا وأمريكا بمجرد انتهاء الإغلاق وزيادة الطلب على البترول مجدداً، فما يحدث حالياً هو على الأرجح هدنة مؤقتة وليس سلاماً حقيقياً بين المنتجين الـ3 الكبار.
بقلم: جوليان لى، استراتيجى البترول وكاتب مقالات رأى لدى “بلومبرج”
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”